اللواء د. سمير فرج يكتب: الحرب الذكية «Smart Warfare»

بيان
مع تطور التكنولوجيا فى العالم، وخصوصًا فى مجالات تنظيم المعلومات والحاسبات الآلية وظهور العديد من البرامج الجديدة فى الحاسبات الآلية، ورغم أنه فى الماضى كانت الجيوش تشبه الفكر المدنى فى التطوير، لكن جاء الزمن الذى تستخدم فيه الجيوش فى العالم التطوير، الذى يتم فى القطاع المدنى لكى يتم تطويعه لكى يُستخدم فى الحياة العسكرية، وكان من أهم هذه الاستخدامات الحرب الذكية smart warfare، وكانت البداية عندما فاجأ الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، العالم كله برفع ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» إلى 700 مليار دولار، اعتبارًا من 2018، بزيادة قدرها نحو 150 مليار دولار، لتصبح تلك أكبر موازنة فى تاريخ وزارة الدفاع الأمريكية.
وجاءت تلك الزيادة على عكس كل توقعات المراقبين والمحللين للشأن السياسى فى الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة افتقار ترامب للخلفية السياسية والعسكرية، حتى إنه لم يخدم فى الجيش الأمريكى، وفى ظل انتمائه لطبقة رجال الأعمال، فقد ذهبت جميع التوقعات الأولية إلى توجيه معظم بنود الموازنة للاستثمارات فى البنية الأساسية والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من الشؤون الداخلية للولايات المتحدة الأمريكية، بغرض إيجاد فرص عمل جديدة للشباب، وخفض معدلات البطالة، مع تحسين الخدمات المقدمة للمواطن الأمريكى، وبالتالى تزداد شعبية الرئيس الأمريكى، وهو ما يحتاجه قبل انقضاء الفترة الرئاسية الأولى، تمهيدًا لإعادة ترشيح نفسه لفترة ثانية، والفوز بها، وهى أمل كل رئيس أمريكى يصل إلى كرسى الرئاسة بالبيت الأبيض،
فكان ذلك القرار بمنزلة الشرارة الأولى، التى دفعت المفكرين والباحثين ومراكز الدراسات الاستراتيجية، ليس فى أمريكا فقط، بل فى مختلف مناطق العالم، إلى إعادة تقييمهم وتحليلهم لتوجهات الرئيس الأمريكى: ماذا يريد هذا الرجل؟، ماذا يفعل؟، وما سياساته المستقبلية؟، وظهرت بوادر وخيوط فكر واستراتيجية هذا الرجل عندما التقى برئيس الأركان الأمريكى ومجموعة رئاسة الأركان فى البنتاجون، وكانت التوجيهات واضحة: أريد أن تحافظ أمريكا على مركزها كأكبر قوة عسكرية فى العالم.. وأن تمتلك أحدث ترسانة عسكرية.. وأن يتم تطوير أسلحتها بصفة دورية ووتيرة سريعة. وذلك لضمان اعتماد جميع الدول على بلاده، ولإجبار الجميع على استيراد تلك الأسلحة المتطورة لمواكبة تحديات العصر، والتخلص مما لديهم من أسلحة ومُعَدات جديدة، بوضعها فى المتاحف العسكرية أو مخازن النسيان!.
وركز ترامب على ضرورة أن يكون التطوير باستخدام ذكاء العصر الجديد، وأحدث التقنيات التكنولوجية المستحدثة.. ومن هنا جاء مصطلح الحرب الذكية Smart Warfare، أما التوجيه الثانى لترامب فكان أن تضمن هذه الأسلحة أقل استخدام للأفراد، والاعتماد على التكنولوجيا، وهو ما سبقه، بالتأكيد، حديث مع بعض الخبراء العسكريين، إذ ضرب مثالًا بتطور الاعتماد على القوة البشرية على مدافع الميدان، والتى بدأت بعدد 12 فردًا مقاتلًا، ثم تقلص الطاقم إلى 8، ثم إلى 6 أفراد، وعندما أصبح المدفع ذاتى الحركة على شاسيه دبابة، اكتفى بطاقم مكون من 4 أفراد فقط، سائق ورامٍ ومُلَقِّم وقائد، واستطرد قائلًا إنه يريد اتباع هذا النهج، بالاعتماد على الوسائل التكنولوجية، حتى الوصول إلى أن يتكون الطاقم من فرد واحد، فأمريكا فى حربها القادمة لا تريد أن تخسر أبناءها، لذا يجب تقليل الاعتماد على العنصر البشرى فى الجيش الأمريكى، وهو ما سيوفر الكثير، كما أن مبيعات مثل هذه الأسلحة لبعض الدول، التى تفتقر إلى الكثافة السكانية، ستكون مكسبًا كبيرًا لهم، وكان يعنى بالطبع دول الخليج العربى. وشدد ترامب على ضرورة أن يتم تطوير هذه الأسلحة، بصورة تجعل من الصعب استخدامها بمعرفة الجماعات الإرهابية، على نطاق واسع، باعتبار أن معظمهم من محدودى العلم، خاصة فى الدول الفقيرة، والدول ذات الشعوب غير المثقفة وغير المتعلمة، وكان يقصد بالطبع دولًا مثل أفغانستان.
ويرجع مفهوم محدودية أعداد الجنود إلى خبرة أمريكا السابقة عندما خسرت الآلاف من الشباب الأمريكى ما بين قتيل وجريح ومَن خرج بأمراض نفسية من الحرب فى فيتنام، حتى إن أمريكا انتهجت بعد ذلك أسلوبًا جديدًا، وهو الحرب بالوكالة، بمعنى أن تحارب فى أى مكان من العالم، ولكن ليس بجنودها، وإنما بجنود دول أخرى، وهو ما حدث فى أفغانستان عندما قامت بتسليح مجاهدى باكستان، وزودتهم بالأموال لمحاربة الشيوعيين وطردهم من أفغانستان، ولكن هؤلاء المجاهدين تحولوا إلى محاربة أمريكا، وكان على رأسهم أسامة بن لادن، ومنذ ذلك الحين، صارت أمريكا تشارك فى الحروب بأسلحتها ومُعَداتها، وتعتمد على نفسها باستخدام التكنولوجيا الحديثة، مع تقليل الخسائر لأبنائها من الشعب الأمريكى، وقد رأى الرئيس الأمريكى أن تلك الأسلحة الجديدة المتطورة ستجد لها سوقًا رائجة فى الدول، الغنية بالبترول، والفقيرة فى أعداد القوى البشرية المدربة، والواقعة فى منطقة ملتهبة بالصراعات، وهو ما يتوقع أن يعود على الولايات المتحدة الأمريكية بأرباح طائلة.
وقد بدأت ماكينة الفكر الأمريكى، المعروفة باسم The Pentagon Mind أو عقل البنتاجون، فى تنفيذ توجيهات الرئيس الأمريكى، والذى توقع أن هذه الأسلحة الذكية لن تخرج إلى النور قبل بداية عام 2022، حيث كان من المنتظر أن تستمر أعمال البحث والتطوير حتى عام 2020، تلاه عامان من الاختبار الفعلى على الأرض، ويرجح بعض «الخبثاء» احتمالية افتعال الولايات المتحدة الأمريكية حربًا جديدة، فى مكان ما من العالم، مع بداية عام 2022 للتطبيق العملى فى ميدان القتال، قبل أن تكون جاهزة للإنتاج والتسويق مع بداية عام 2025.. وإن غدًا لناظره قريب!.
وبالفعل، بدأ الجميع يناقش هل كانت الحرب الروسية الأوكرانية هى التى استخدمت فيها الولايات المتحدة هذه الأفكار، وخاصة فى الذخائر الجديدة والرادارات وبعض المُعَدات، التى تم تسليمها إلى أوكرانيا خلال المعارك التى تمت خلال الفترة السابقة. وحتى الآن، لم توضح وزارة الدفاع الأمريكية نوعية الأسلحة والمُعَدات الأمريكية، التى تم فيها استخدام هذه الأساليب الجديدة فى الحرب الذكية، إلا أن بعض الأنباء أفادت بأن القوات البحرية الأمريكية قد استخدمت هذا الفكر فى تطوير الفرقاطات البحرية الجديدة فى الأسطول الأمريكى، كذلك حاملات الطائرات، التى وصل عدد العاملين عليها إلى أرقام كبيرة.
عمومًا، فإن ذلك ما حدث بالنسبة للولايات المتحدة، أما روسيا والصين، فلم يتم إعلان أى منهما استخدام هذا الفكر الجديد، إلا أن بعض الأنباء تعلن أن روسيا استخدمت هذه المفاهيم، ولكن لم تعلن عنها حتى ترى نتائج استخدامها فى الحرب الأوكرانية، وخاصة أن معارض السلاح التى أُقيمت مؤخرًا لم تُظهر أى دولة فيها هذا الاستخدام الجديد للمُعَدات العسكرية.
عمومًا، فإن الجميع ينتظرون ما سوف تُبرزه الأيام القادمة حول ذلك التطوير الجديد باستخدام الأسلحة الذكية فى الحروب الحديثة.

اقرأ أيضا للكاتب:

لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: البحر الأحمر يدخل ميدان المعركة

زر الذهاب إلى الأعلى