“ قل شكوتك ”.. زوجان على الطريق
كتبت: أسماء خليل
“و هل يُجدي الندم”.. ربما بمرور السنوات يتبدى إحساس مختلف، وتنشأ بعض المُسميات الجديدة في حياة المرء؛ منها “الندم”..ذلك الشعور الذي لا يلتمسه إلا من مر به وعاشه بخوض تجربة مؤلمة.
أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لشكوى “ل.د” .. والتي أرسلتها عبر البريد الإلكتروني، راجيةً من الله أن تجد من يؤازرها في تلك الحياة.. ولو بالكلمات.
الشكوى..
أكتبُ شكوتي لكِ سيدتي بعدما تُهْتُ في تلك الحياة، وفي ذلك الرمق الأخير، أحتاج من يسمعني ويشاركني همِّي الذي بات يؤرقني؛ فأنا امرأة فى الرابعة والأربعين من سِني عمري، حاصلة على بكالوريوس تجارة، أعيش بإحدى محافظات الوجه البحري بمفردي، بعدما ضللتُ الطريق في تلك الحياة، ولا أعلم هل سأحكي البداية أم النهاية ؟!.
كنت طفلة مدللة لأبي وأمي منذ نعومة أظفاري، ولي أخ وأخت نالا نفس التقدير من أبويَّ، فقد كان أبي مهندسًا زراعيا وأمي حاصلة على نفس مؤهل أبي، حصل والدي على بضع الأفدنة من الدولة كمستثمر صغير، وانتقلنا للمعيشة جوار الأرض وتفرغت أمي لرعاية المنزل، فكنا كل الحياة والأهل لأبي وأمي.
مرت السنوات وكنتُ بالفرقة الثانية بالجامعة، وسرعان ما وافق أبي على خطبتي من شاب توسم فيه الأدب، وأتم الزواج بسرعة لأن الفتى كان مُتعجلًا أمر الزواج، كان مهندسًا زراعيا مثل أبي، وأبوه موظف وأمه ربة منزل، ويكبرني بثماني سنوات، ويعيش مع أسرته بنفس محافظتنا.
تم الزفاف وانتقلنا إلى مكان آخر وسط المدينة، وبدأتُ حياتي مع زوجي الذي أحببته – فلم أكن أعرف غيره – حياة توسمتُ فيها السعادة والأمل والمستقبل المشرق، لدرجة أنني وافقتُ على إتمام الزواج وأنا بالجامعة؛ ولكم كانت الحقيقية صادمة !..
فرغم تربيتي سيرًا على منهج اللين والرفق والتدلل؛ إلا أن أمي نصحتني وأكسبتني كل خبرتها بالحياة، وكذلك كنت أراها – رأي العين – تعامل أبي بكل حب واحترام ومودة وراعية لشؤونها الزوجية على أكمل وجه؛ فأصبحت أحاكيها دونما اتفاق مُسبق مع نفسي.
ولكن.. بعض السائرين بالحياة لهم وجهة نظر أخرى؛ فقد كان زوجي فظًّا غليظًا، وتبدى ذلك منذ بداية الزواج، ولكن رحمي كان حاملًا بابن وابنة توأمين، فلم أستطع الفرار، تلى ذلك الوضع، طفلًا آخرًا، فأصبحت أمًّا لثلاث أبناء.
تغاضيتُ كثيرًا وكثيرًا؛ حتى أربي أولادي في جو هادئ، أستطيع القول أن تجربتي الحياتية الزوجية كانت مؤلمة، ولكنها استمرت.. رجل لا يعرف العاطفة ولم يُقَبِّل ابنًا له قط، وكان يُذيفني الإهانات اللفظية الأسوء من الإهانات البدنية، ولكني صبرت، وتحملت على نفسي المضض والضيق.
وعلى جانب آخر من جوانب حياتي، كان لنا جارٌ مُحاضر بالتنمية البشرية، يتدخل دائمًا في مشاكلنا لحلها، كان طيب القلب، سكن جوارنا بعدما تزوجنا بخمس سنوات، كان متزوجًا من امرأة سيئة المعشر، ولم تريحه يومًا؛ فطلقها بعد عام واحد من الزواج، ويبدو أن العُقد النفسية أصابته؛ فلم يتزوج بعدها.
لم أكن أعلم أن الرجل أحبني لمدة سنوات طويلة، كان يحلُم بي، وذات مرةً أعلن ذلك لأحد جاراتنا؛ حيث أخبرها متعجبًا قائلًا: “ كيف وهي الجميلة الرقيقة الطيبة أن يعاملها زوجها تلك المعاملة”، وحكى لها أنه يتمناني زوجة له وسيكون أسيرًا لجمالي ورقتي.
كان الرجل يصغرني بخمس سنوات، فكنت أنا ابنة السابعة والثلاثين، وهو ابن الثانية والثلاثين، ولكنه ما برح ينظر إليَّ بنظرات العشق والهيام كلما أتى زائرًا ليفض مشاكلنا.
وذات يومٍ، بينما كان زوجي ينهرني وأنا أبكي، إذ رآني من الشباك المطل على شقته، فوجدته يباغتني برسائل على وسائل التواصل الاجتماعي، وبعدما تأكد من أسلوبي أنني مَن أكتب إليه، فضفض بما في قلبه، وكاد أن يبكي من الغصة التي تنتابه لعدم كوني زوجة له هو، ومن فرط حبه لي.
وفي خِضمِ النقيضين تلاقت مشاعري وسط دوامة؛ رجل أعيش معه بلا مشاعر بل وقاس القلب وورث لدي حرمانًا عاطفيًّا، ورجل رقيق المشاعر مهذب الأخلاق، رفضتُ بالطبع كل عروضه بأن أترك بيتي وأولادي وأتزوج منه.
حاول مرة ومرة وعشرات المرات، ومع غلظة زوجي بدأ قلبي يرق ويشتاق لأحاسيس نقية كنت أحلم بها طيلة عمري، وبمزيد من الإلحاح، بدأت أتفاوض معه؛ فناقشته حول فارق السن بيننا وكيف أتزوج ممن هو أصغر مني، وكذلك الإنجاب، فليس بإمكاني الحمل مرة أخرى بأمر الأطباء، لأن ذلك سيؤدي إلى تهتك بالرحم.
فاستنكر ما أقول، وقال كيف لواحدة صارخة الجمال ولا يبدو عليها أي سن أن تقول ذلك؟!.. وبدأ يحلف ويقسم أنه لا يريد أن ينجب، فقد ظل يحبني لسنوات بشكل صامت، هو فقط يريد مرافقتي بالحياة والأنس بهدوء مشاعري وأحاسيسي المرهفة.
وتحت كل تلك الضغوط، وإقناعه لي أن الحياة نعيشها مرة واحدة وعلينا أن نحياها بشكل صحيح؛ وافقتُ ولكن بشرط أن يتم زفاف ابنتى أولًا، وأما الولدان فقد قاربا على العشرين من عمرهما ولا خوف عليهما.
وبعد مرور سنة، طلبت الطلاق من زوجي فلم يوافق، فكان الخلع هو الحل، غضب أبويَّ وابناي جدا، وكان ابني الكبير يغار، ولم أنسى يومًا ما قاله لي: “ هل ستكونين في حضن رجل غير أبي يا أمي؟!” .. بكيت وبكيت، ثم قررت وسافرتُ مع الزوج الجديد، فقد حصل على عقد عمل بإحدى دول الخليج.
كان ذلك الرجل يمسح دموعي ويعلل نصحه لي بالنسيان؛ أن أولادي قد كبروا ولا يحتاجون لرعاية الآن، سوى بعض الأطعمة التي من اليسير أن يصنعوها.
وبالفعل لم يقف بمساندتي أي أحد من عائلتي أو أولادي، فكان الجميع رافضًا ما قمتُ به، رغم علمهم ما كنت أمر به من ضيق نفسي.
بعد مرور عدة أشهر، حاولت الاتصال بأبي وأمي وأخوتي، لكن الجميع رفضني.
عشتُ مع الزوج الجديد أجمل سنوات بعمري؛ فقد كان محبًّا مثقفًا، يريد أن يأتيني بالعالم أجمع ليضعه أمامي، لم يؤرقني سوى بُعدي عن أولادي، وعلمت أن طليقي قد تزوج وأنجب بنتًا صغيرة.
خمس سنوات هي مدة سعادتي المنقطعة النظير، وبعدها.. لا شيء.. فجأةً تغيرت قناعات زوجي بالحياة، فبيومٍ جاء من العمل قائلًا: حبيبتي لا أعلم لماذا أنا بحاجة إلى أطفال، لم أحسب يوما وأمهد لتلك المشاعر التي تجتاحني الآن باليتم لأن نَسَبي سينقطع من الدنيا، لا أعرف كيف كنت أفكر ؟!.
نهضتُ من مكاني صارخة: ءالآن.. وبعد كل ما حدث لي وتركي كل شيء من أجلك؟!.. فأجزم لي أن مشاعره تغيرت فجأة، جلستُ أبكي وأبكي، إلى أن دق الباب يومًا وبرفقته زوجة ابنة العشرين، أنا أجمل منها، لكنها أصبى مني وتستطيع الإنجاب، ثم قال: ليس باستطاعتي أن أحضر مسكنًا آخرًا ونحن بالغربة.
لم أحتمل ما فاق طاقتي، فطلبت منه الطلاق، وعدتُ إلى مصر وطني، ولكن بلا وطن؛ أستأجرتُ غرفة أعيش بها وأصرف مما معي من مصاغ، ولا أعلم ماذا أفعل في حياتي ونفسي!.
طليقي تزوج.. وأبنائي نسونني.. وأخوتي يقولون أنهم لن يسامحوني، ولكن قلوبهم تقول الكثير، وشديدة الخجل من أبي وأمي ولا أريد العودة؛ حتى لا يوبخني أحدهما.. لقد ضِعتُ وضاع مني كل شيء.. لا أعلم أين أذهب وكيف سأواجه المجتمع الذي له معايير لا ترحم المُخطئ؟!.
ماذا يفعل مَن كان مكاني؟!.
الحل..
عزيزتي “ل.د”.. كان الله بالعون.
حينما يكون ليس بأيدينا أن نُعيد أنفسنا لما كنا عليه أو نعيد الزمان؛ فليس علينا فقط سوى التوقف عن البكاء.
عزيزتي.. لا أُبرئكُ من الخطأ، ولكنه في حق نفسكِ، فقد تقبلتي التضحية منذ البداية، والكثير يرتضون لأنفسهم بدايات بكل رضا تودي بهم إلى نهايات مؤلمة، فأنتِ من رسمتِ بداية الخط الذي تسيرين عليه وسار عليهِ غيركِ مُهتديًا به.
كان لزامًا أن تُكملي السير بسبب السائرين خلفكِ، وخاصةً أن ابنتكِ كانت بحاجة إليكِ في بداية حياتها الزوجية لترشديها وتوجهيها، وكذلك ولداكِ كانا بحاجة لمن يؤازرهم في تلك المرحلة السنية، وخاصةً أن أبيهم غليظ القلب.
لقد كان هناك بطل للشر في حكاتيكِ؛ وهو “المُخبِب”.. ذلك الرجل الذي ظل يؤزكِ على ترك القيادة في عالمكِ، ليجعلكِ مجرد فرد في عالمه، وقد كانت نهاية قصته معكِ مُتوقعة، فتلك أخلاق هؤلاء الذكور، ولكن الآن أنتِ أمام أمر واقع.
ولا ننسى أن نذكر حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن هؤلاء الرجال الذين يفرقون الأسر، ويعصون امرأة على زوجها؛ فقد قال“لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ”.
عزيزتي.. يُحكى أن حصانًا كان برفقة بعض الرَّحالة، وبينما يصطحبه أحدهم وسط طريق بالصحراء؛ إذ وقع وسط حفرة شديدة العمق لم يرها أحد، فتوقف الجميع وهاجوا وماجوا محاولين إنقاذ الحصان، لكنهم لم يستطيعوا لعمق الحفرة.
وبعد طول تفكير قرروا أن يتركوه يموت ببطء ويرحلون؛ لأنه ليس بإمكانهم المكوث في ذلك الطريق الصحراوي أكثر من ذلك.. بكى الحصان وبكى، ولكنه قرر ألَّا يستسلم.
فبدأ يحرك بعضًا من الرمال بالكاد، فقد كانت متجمدة إلى حد ما، وكلما ردم قليلا وقف عليها وارتفع مقدارها، وتارةً فتارة علا حتى اقترب من الأرض بعد خمسة أيام، وجرى فرآه الناس فأطعموه وسقوه.
لقد عاد للحياة بعد موتٍ مُحقق، إنها قدرة الله – سبحانه وتعالى – ثم الإرادة.. اجعلي تلك الأقصوصة عزيزتي نورًا تهتدين بهِ في حياتك المُقبلة.
ما تزالين في طريق رحلتكِ بالحياة، اذهبي إلى أبيكِ وأمكِ فستجدين بابهما مفتوحًا بالرحمة والغفران حتى لو كرهكِ العالم، وبشكل تدريجي قومي بزيارة أخوتكِ أولادكِ، وذكريهم بضرورة سماحهم لكِ من باب البر.
لا تتوقفي.. استمري.. وحاولي عمل مشروع صغير من بيتك يكون لكِ زادًا نفسيًّا وماديًّا، وكوني في رعاية والديكِ تقربًا إلى الله تعالى، وأعيدي صداقاتكِ السابقة ربما تجدين منهن من ستحدو عن الطريق فتنصحيها بخبرتكِ التي مررتِ بها في الحياة، ولا تجعلي الندم يقتلكِ؛ فزوجكِ الأول يتحمل الكثير من تلك الأوزار، فهوِّني على نفسك.
منحكِ الله السعادة وراحة البال.
…………………………………………………………………………………………………..
راسلوني عبر الواتس آب 01153870926 و “قل شكوتك” وأنت مطمئن لعلى بعد الله أستطيع أن أخففها عنك.
