القس بولا فؤاد رياض يكتب: عيد الغطاس هو عيد وعقيدة وحياة

بيان

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كل عام في ١٩ يناير الموافق الحادي عشر من شهر طوبة بعيد الغطاس المجيد.
وترجع أهمية هذا العيد في الكنيسة لأنه أمر من الآباء الرسل حيث جاء في الدسقولية (قوانين الآباء الرسل) “ليكن جليلاً عندكم عيد الثيئوفانيا (عيد الغطاس) لأن فيه بدأ الرب أن يُظهر لاهوته في المعمودية في الأردن، وتعملونه في الحادي عشر من شهر طوبة”.
نتذكر فيه معموديتنا وتعاهدنا أن نجحد الشيطان، ولا نسير في طرقه الشريرة، وأن نُعلن ايماننا المسيحي، ونحيا أوفياء لعهد تبني الله لنا في قداسة وتقوى.
تعمد السيد المسيح من القديس يوحنا المعمدان بالتغطيس وهذه هي عقيدة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أن يكون العماد بالتغطيس “وَلِلْوَقْتِ وَهُوَ صَاعِدٌ مِنَ الْمَاءِ.” (مر 1: 10)، مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ.” (كو ٢: ١٢).
ويُسمى هذا اليوم أيضاً بعيد الأنوار لأن فيه اعتمد السيد المسيح النور الحقيقي “كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ.” (يو ١: ٩).
وتحتفل الكنيسة بهذا العيد بما فيه من أحداث هامة وإعلانات إلهية تخص خلاصنا أولها ظهور الله المُثلث الأقانيم وقت عماد السيد المسيح. لذلك يطلق عليه عيد الظهور الإلهي.
من أقوى العقائد المسيحية العظمى في دياتنا عقيدتنا في الثالوث القدوس. الإله الواحد المُثلث الأقانيم (الآب والأبن والروح القدس) لذلك في البَسملة نقول بسم الآب والأبن والروح القدس إله واحد أمين.
فنجد في هذا العيد الأب ينادي قائلاً عن السيد المسيح وهو في الماء “وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلًا: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ».” (مت ٣: ١٧)
بينما الروح القدس يحل في شكل حمامة مُستقراً على السيد المسيح ليُعلن أنه المخلص الذي آتى لخلاص العالم ليصنع الفداء العجيب.
نتأمل في هذا العيد المنظر الإلهي الموضوع أمامنا فلقد أعلن لنا إلهنا نفسه عن نفسه بكونه ثالوث في واحد أي ثلاثة أقانيم في طبيعة إلهية واحدة.
ظهر الثالوث القدوس متميزاً لكنه غير منفصل. الابن المتجسد صاعداً من المياه لكي يهبنا الخروج من خطايانا لندخل به وفيه إلى شركة أمجاده، لأَنَّنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ نَدْخُلُ الرَّاحَةَ” (عب ٤: ٣)
والروح القدس نازلاً على شكل حمامة ليُقيم كنيسة المسيح الحمامة الروحية الحاملة سمات سيدها المسيح،
وصوت الآب صادراً من السماء يُعلن بنوتنا من خلال ابنه الوحيد
هكذا ظهر الثالوث القدوس لذا يُدعى هذا العيد بعيد الظهور الإلهي (الثيئوفانيا).
معمودية السيد المسيح لم تكن لولادته من الماء والروح لأنه الابن الوحيد للآب بالطبيعة فلن يكن نزوله في المعمودية لكي يولد من الماء والروح. لكنه كان نازلاً من أجل أن يُستعلن أنه المسيح الرب، ويبدأ خدمته الجهارية. لذلك سُمي بـ (المسيح) وأتباعه يحملون اسمه ويُطلق عليهم (مسيحيون)
فيسوع هو اسم الولادة، والمسيح هو اسم المسحة في المعمودية.
في هذا العيد نجد أن السيد المسيح يقف في اتضاع عجيب أمام يوحنا المعمدان في نهر الأردن ليعتمد منه. وقد أعلن الله ليوحنا عن الذي سيعمله إذ هو الابن الكلمة المتجسد.

عيد الغطاس عيد الشهادة
نجد يوحنا المعمدان شهد شهادة رائعة عن السيد المسيح:
– هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!” (يو ١: ٢٩).
– شهادة المعمدان وهو يخاطب اليهود قائلاً “أَجَابَهُمْ يُوحَنَّا قِائِلًا: «أَنَا أُعَمِّدُ بِمَاءٍ، وَلكِنْ فِي وَسْطِكُمْ قَائِمٌ الَّذِي لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ.” (يو ١: ٢٦)
– أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ” (مت ٣ : ١٢،١١)
– هذَا هُوَ التِّلْمِيذُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهذَا وَكَتَبَ هذَا. وَنَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ حَقٌّ.” (يو ٢١: ٢٤)
حقاً كانت شهادة المعمدان شهادة حق لها ثلاثة أبعاد (شهادة اتضاع، شهادة ألوهة، شهادة حق)
فقد أعلن المعمدان أن المسيح هو المخلص الحقيقي الذي استعلن وسط البشر في الماء ليحمل خطايا العالم.
نزل الابن الكلمة المتجسد في الماء وهو بلا خطية، وحمل كل خطايانا.
حينما أغتسل السيد المسيح في الأردن كنا نحن الذين نغتسل معه وبواسطته، وحينما أقتبل الروح القدس كنا نحن الذين صرنا مقتبلين للروح بواسطته.
وقد مر السيد المسيح في مراحل العمر البشري مثل كل إنسان تمت المرحلة الأولى في أحشاء القديسة مريم العذراء البتول في الولادة ثم المرحلة الثانية تمت حينما عمده القديس يوحنا وقد شهد يوحنا عنه بأنه حمل الله “وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلًا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!” (يو ١: ٢٩).
عمده يوحنا في صمت لئلا يعرفه الشيطان لكن الآب تكلم “وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلًا: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ».” (مت ٣: ١٧) مؤكداً لاهوت السيد المسيح ونلاحظ أن الآب السماوي تكلم شخصياً ولم يستعر صوت الملائكة أو الأصوات الطبيعية الأخرى كما في بقية ظهورات الرب (العليقة المشتعلة التي رآها موسى في برية سيناء، الريح العاصفة، دخان على الجبل ……إلخ).
ظنت الكنيسة أن يوحنا المعمدان هو العريس فأوضح لنا القديس يوحنا المعمدان بأنه مجرد الصوت الصارخ في البرية أمام العريس القادم (السيد المسيح) الذي كان قبله ولا يستحق أن يحل سيور حذائه. وقد تعجب يوحنا بأنه وضع يده على اللهيب ولم يشتعل.
يوحنا المعمدان عمده في صمت ولم يدري باسم من يعمده!
هل باسم الآب؟ فإنه معه وفيه
أم باسم الروح القدس؟ فهو يشهد له
بيوحنا المعمدان انتهى كهنوت لاوي، وبدأ كهنوت العهد الجديد في عماد السيد المسيح، ولم يضف الكهنوت اللاوي شيئاً إلى طبيعة المسيح.
نتذكر في هذا العيد أن المعمودية تجعلنا أبناء لله والمعمودية صارت لنا أم بدلاً من حواء
فكل المؤمنين يولدون من رحم الكنيسة أي المعمودية.

كل عام وأنتم بخير وسلام نصلي أن يحفظ الله بلادنا العزيزة مصر بصلوات قداسة البابا تواضروس الثاني.

………………………………………………………………..
كاتب المقال: كاهن كنيسة مار جرجس المطرية القاهرة

اقرأ أيضا للكاتب:

القس بولا فؤاد رياض يكتب: بميلاد المسيح خليقة جديدة مؤهلة للملكوت

القس بولا فؤاد رياض يكتب: عاماً جديداً مباركاً

زر الذهاب إلى الأعلى