بعد ضرب البرج 22: مخاوف أميركا على أمن قواعدها في الشرق الأوسط.. ما القصة؟
كتب: أشرف التهامي
الحرب القائمة بين حماس وإسرائيل تدفع المقاومة الإسلامية في المنطقة إلى شن هجمات ضد القوات الأميركية، على هذه الخلفية ‘احتدم الجدل من جديد حول الوجود العسكري الأميركي في عموم الشرق الأوسط إثر الهجمة الشرسة التي نفذتها مسيرة استهدفت القوات الأميركية في الأردن.
القوات الأمريكية في الشرق الأوسط
وفقاً لتقديرات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية وبحسب ما أعلنته الحكومة الأميركية، لدى الولايات المتحدة نحو 47 ألف جندي في الشرق الأوسط موزعين على مجموعة من القواعد والمقار في المنطقة.
وعلى الرغم من أن العدد الأكبر من الجنود الأميركيين موجود في قواعد كبيرة أقيمت في قطر والإمارات والكويت، يتوزع الآلاف منهم على نقاط عسكرية صغيرة في المنطقة.
وينطبق ذلك على الجنود الأميركيين الموجودين في العراق والأردن، حيث أقيمت قاعدة عسكرية تعرف باسم البرج 22 التي قتل فيها ثلاثة جنود أميركيين خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” أن المقار الأميركية في المنطقة تعرضت لـ165 هجمة منذ منتصف أكتوبر، 66 منها في العراق، و98 في سوريا، وواحدة في الأردن نفذت يوم الأحد الماضي.
وفي الوقت الذي بدت فيه بعض مواقع استعراض القوة الأميركية ظاهرة، فإن معظم المقار أصغر مساحة، وفي بعض الحالات لا يعترف بها بشكل رسمي.
يعلق برايان كاتوليز، وهو عضو رفيع لدى معهد الشرق الأوسط عمل في السابق لصالح مجلس الأمن القومي، على ما سبق بالقول: “كان ذلك فى الأساس بسبب طبيعة هذا القتال الذي مانزال نحارب من خلاله عناصر تنظيم الدولة الإرهابي، كما أنها ليست من النوع الذي يحاول الدبلوماسيون التأكيد عليه”.
ماذا عن “البرج 22″؟
هذا وقد أثار التصريح الأردني يوم أمس بأن الهجوم الإيراني الذي أسفر عن مقتل ثلاثة أمريكيين لم يقع داخل الأردن إرباكاً لأنه يناقض الإعلان الأميركي الواضح بأن الهجوم وقع في “البرج 22″، وهو البرج قبل الأخير ضمن سلسلة النقاط العسكرية المنتشرة على الحدود السورية الأردنية وجزء من “برنامج أمن الحدود الأردني JBSP” الذي انطلق عام 2008 وشهد تحولاً وتوسعاً كبيراً بعد بدء الحرب ضد تنظيم الدولة الإرهابي والتدخل العسكري الأميركي في سوريا وتدريب ودعم فصائل الجيش السوري الحر.
ولم يسمع سوى أشخاص معدودون على الأصابع اسم “البرج 22” قبل أن تضرب طائرات الحرس الثوري الإيراني المسيرة يوم الأحد القاعدة العسكرية ما أسفر عن مقتل 3 جنود وإصابة 34 آخرين، في تصعيد هو الأكبر ضد القوات الأميركية في المنطقة، وهو الهجوم الأول منذ حرب غزة يقتل فيه جنود أميركيون.
وعندما تصدر اسم الموقع “البرج 22 – Tower 22” شريط العواجل يوم أمس، كان من المستغرب هذه التسمية على قاعدة عسكرية أميركية، إذ جرت العادة أن يسمي الجيش الأميركي قواعده في الشرق الأوسط باسم المنطقة التي تبنى عليها، لكن الصحراء الممتدة في شرقي الأردن تكاد تنعدم فيها أسماء أي مكان، فلا يوجد في المنطقة إلا التلال الصخرية والرمال وطريق معبد ما زال يحتفظ بلونه الأسود حتى الآن، لأنه جديد، وهو الطريق الذي يروي قصة الأبراج الـ 23 على الحدود السورية.
طريق معبّد
بمراقبة صور الأقمار الصناعية يمكنك مشاهدة طريق معبد طوله 100 كيلو متر يبدأ عند الطرف الأردني المقابل لمخيم الحدلات للنازحين السوريين، وهذا المخيم أيضاً يكاد لم يسمع باسمه أحد، فهو مخيم مرت عليه ذات الحكاية التي مر بها مخيم الركبان، وكان يقطنه آلاف النازحين السوريين من المنطقة الشرقية، وتدخله المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى أن شن تنظيم الدولة الإرهابي هجوماً بعربة ملغمة في يونيه 2016 وقتل 7 من عناصر حرس الحدود الأردني.
انتهى مخيم الحدلات على دفعات وغادرته آخر دفعة إلى مخيم الركبان في سبتمبر عام 2017.
إذن، يبدأ الطريق من مقابل مخيم الحدلات ويمتد إلى جانب الساتر الترابي الفاصل بين سوريا والأردن على مسافة 100 كيلو متر وصولاً إلى نقطة التقاء الحدود السورية والأردنية والعراقية، وتنتشر على أطرافه نقاط مراقبة وأبراج وقواعد صغيرة، إذا بدأت بعدّها ستصل إلى النقطة 22 وهي الأكبر بفارق كبير عن أي نقطة أو قاعدة أخرى، وبعدها بثمانية كيلومترات تقبع النقطة الـ 23.
صور الأقمار الصناعية
وتظهر صور الأقمار الصناعية أن “البرج 22” وهو اسم رسمي مكتوب على مدخل القاعدة، أن تشييده بدأ بالتوازي مع قاعدة التنف داخل سوريا، وتبعد عن الساتر الترابي مسافة 550 مترا داخل الأردن، ويحيط بها 3 نقاط وحماية من الجوانب على بعد بضعة مئات الأمتار، ويقع “البرج 22 على بعد 2.5 كيلومتر عن بوابة مخيم الركبان الحدودية التي أغلقت قبل سنوات.
ولا تتوقف قاعدة “البرج 22” عن التوسع، ففي سبتمبر 2019 كانت تضم ستة مهابط لطائرات الهيلكوبتر، ليزداد عددها تباعاً إلى عشرة في فبراير من العام 2020، ويزداد في داخلها عدد المستودعات والمباني وأقام في داخلها الجيش الأميركي ملعباً معشباً لكرة القدم وساحة لممارسة التمارين الرياضة.
وبحسب القيادة المركزية الأميركية، “هناك ما يقرب من 350 من أفراد الجيش والقوات الجوية الأميركية منتشرين في القاعدة، ويقومون بعدد من وظائف الدعم الرئيسية، بما في ذلك دعم التحالف من أجل الهزيمة الدائمة لداعش” الإرهابي.
وتظهر التسمية على منصات السوشال ميديا التابعة للقوات الأميركية مرة واحدة فقط، عندما نشرت الفرقة 101 المحمولة جواً منشوراً على صفحتها في فيسبوك عام 2021 لزيارة فريق قيادة فرق الإنقاذ الجنود الأميركيين في قاعدة موفق السلطي الجوية، وقاعدة H5، والبرج 22، ومركز التدريب المشترك، ومعسكر زيفوس في الأردن.
وتؤكد المصادر العسكرية أن قاعدة “البرج 22” أميركية من ناحية الوجود العسكري، ولا تحتوي على قوات عسكرية أردنية.
وتتضمن النقاط والأبراج والقواعد الـ 23، ستة قواعد عسكرية صغيرة مكونة من بضع مبان وخزانات ومستودعات وألواح طاقة شمسية، وهي مواقع عسكرية قديمة للجيش الأردني لكنها لم تكن من قبل مأهلة بهذا الشكل.
أما الـ 15 نقطة أخرى فهي عبارة عن أبراج مراقبة محاطة كل منها بساتر ترابي أو رملي.
وتظهر صور الأقمار الصناعية أن الطريق الرابط بين الـ 23 نقطة تم بناؤه على مراحل، فحتى العام 2017 كان يصل فقط بين النقاط من 1 إلى 8.
مزيد من القواعد عرضة للاستهداف
حالياً، يدرس البيت الأبيض شكل الرد عقب مقتل جنود أميركيين وإصابة العشرات منهم بجراح، إذ تلك هي المرة الأولى التي يُقتل فيها أميركيون في العنف الدائر في المنطقة منذ هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، والذي تسبب بإشعال حرب في غزة زادت التوتر في عموم المنطقة.
وأعلن الجيش الأميركي بأنه يحتفظ بالآلاف من الجنود في المنطقة وذلك من أجل الاشتباك مع تنظيم الدولة الإرهابي في عمليات مكافحة الإرهاب، إلى جانب تدريب القوات المحلية في مناطق مثل العراق، فضلاً عن السعي لاستعراض القوة الأميركية والعمل على ردع إيران.
كما أوضح البيت الأبيض يوم الاثنين الماضي أن الولايات المتحدة لا تفكر بسحب قواتها من المنطقة، إذ قال الناطق الرسمي باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي في مؤتمر صحفي: “كانت تلك القوات تنفذ مهمة أساسية في المنطقة هدفها مساعدتنا في التعاون مع شركائنا على محاربة تنظيم الدولة الارهابي، وفي الوقت الذي تقوم فيه وزارة الدفاع بجمع مزيد من المعلومات عن الهجوم، لا بد لهذه المهمة أن تستمر بل إنها ستستمر”.
بيد أن التحدي هنا هو أنه في الوقت الذي لا يعلم فيه دافع الضرائب الأميركي أي شيء عن مواقع القوات الأميركية في الشرق الأوسط، أو في العالم أجمع، فإن الجماعات المعادية لأميركا الموجودة بجوارها في تلك المناطق تعرف بوجود تلك القوات تماماً.
وهذا ما دفع توماس سبور، وهو جنرال أميركي متقاعد يعمل الآن بصفة مستشار كبير لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن إلى القول:”إن عامة الشعب الأميركي لا تعرف عنهم شيئاً.
بيد أن إيران والمقاومة الإسلامية تعرف بالأمر، ما يعني بأن هنالك مواقع أخرى يمكن استهدافها إن اختارت إيران ذلك”.
ضربات في سوريا أو العراق
بايدن يأمر مستشاريه بتحضير خيارات لرد قوي على إيران، هذا ما كشفت عنه صحيفة “بوليتيكو” الأميركية، موضحة أن الرئيس جو بايدن أمر مستشاريه بتحضير خيارات لرد قوي على هجمات المقاومة الإسلامية التي تدعمها إيران على القوات والقواعد الأميركية في سوريا والعراق.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في الإدارة الأميركية قولهم إن “بايدن أمر مستشاريه بتقديم مجموعة من خيارات الرد الأميركية التي من شأنها أن تردع بقوة الهجمات، مع عدم إشعال المنطقة المشتعلة أصلاً”.
وسبق أن تعهد الرئيس الأميركي، أمس الإثنين، بأن الولايات المتحدة سترد على الهجمات، لكنه أشار إلى أن واشنطن “لن تتصرف بشكل متسرع”.
من المرجح أن تبدأ الضربات الانتقامية في اليومين المقبلين وقد تأتي على شكل موجات ضد مجموعة من الأهداف.
بلينكن: طريقة الرد على إيران
أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أن الرد على إيران قد يكون متعدد المستويات، وعلى مراحل ويستمر لبعض الوقت، محذراً كل “من يسعى إلى الاستفادة من الصراع في الشرق الأوسط ويحاول توسيعه”.
وأضاف وزير الخارجية في حديث للصحفيين، أن وجود القوات الأميركية في العراق وسوريا لا علاقة له بغزة والصراع فيها.
ولفت “البنتاجون” إلى أن عدد الجرحى في الهجوم الذي استهدف قاعدة شمال شرقي الأردن، ارتفع إلى 40 ومن المتوقع زيادته.
إيران تتنصل
من جانبها تنصلت إيران من مسؤوليتها عن إجراءات أي فرد أو مجموعة في المنطقة تهاجم القواعد الأميركية، بعد مقتل 3 جنود أميركيين في قاعدة عسكرية للولايات المتحدة بالأردن.
وقال مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني، في رسالة إلى سفير فرنسا، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إن “هذه المراسلات هي رد على الرسالة المؤرخة 26 يناير 2024 التي أعدتها الممثلة الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة”، والتي “تتضمن إشارات غير مبررة ولا أساس لها من الصحة تدعي أن مجموعات شبه عسكرية تابعة للقوات المسلحة لجمهورية إيران الإسلامية متورطة في إجراءات ضد أفراد ومنشآت أميركية في العراق وسوريا”.
وقال إيرواني إن “جمهورية إيران الإسلامية ترفض بشكل قاطع مثل هذه الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة، إذ لا توجد أي مجموعة تابعة للقوات المسلحة لجمهورية إيران الإسلامية، سواء في العراق أو سوريا أو أي مكان آخر، تخضع للسيطرة المباشرة او غير المباشرة لجمهورية إيران الإسلامية أو تعمل بالنيابة عنها”.
وأضاف مندوب إيران لدى الأمم المتحدة إلى القول: “لذلك فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست مسؤولة عن اجراءات أي فرد أو مجموعة في المنطقة”.
إجراءات غير قانونية
وانتهى سفير إيران لدى الأمم المتحدة إلى القول إنه “علاوة على ذلك، فإن الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة في سوريا والعراق غير قانونية وتنتهك القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة.
ونتيجة لذلك، فإن المضمون الذي قدمته الولايات المتحدة في الرسالة المذكورة أعلاه إلى مجلس الأمن بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة يفتقر إلى الأساس القانوني ولا يمكن أن يضفي الشرعية على مثل هذه التصرفات”.
طالع المزيد:
– قطر ترد على تجهيز أمريكا للانتقام من إيران بعد هجوم الأردن