د. إسلام جمال الدين شوقي: تحليل ونقد أسواق الكربون والتحول عن الوقود الأحفوري في Cop28 (2من2).. نتائج Cop28

بيان

مقدمة

فى الجزء الأول من هذا التقرير، تناول د. إسلام جمال الدين شوقي خبير اقتصاديات تغير المُناخ، وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي؛ بالنقد والتحليل أسواق الكربون والتحول عن الوقود الأحفوري في مؤتمر المناخ الذى انتهى قبل أسابيع فى دولة الإمارات العربية “Cop28 “.

وفى هذا الجزء الثانى يتناول خبير اقتصاديات تغير المُناخ، نتائج مؤتمر المناخ “Cop28 “.

الموضوع

يقول د. إسلام جمال الدين شوقي :

هناك تحديات كبيرة يواجهها الاقتصاد العالمي ترجع في أسبابها إلى تغيرات المناخ لذلك كان هناك تركيز كبير في مؤتمر الأطراف “COP28” المعني بتغير المناخ، أن يتم التوصل إلى توافق عالمي وإيجاد خطة عمل تسهم في الوصول إلى اتفاق عادل ومنصف لذلك كان هناك اهتمام خاص من جميع الدول باختلاف مستوياتها؛ في الوصول إلى اتفاق حيث تم مشاركة نحو 70 ألف مشارك من قادة الدول، وممثلين عن القطاعين العام والخاص؛ حيث يرتفع سقف الطموحات نحو الخروج بنتائج استثنائية، تسهم في الحد من التداعيات والآثار المتوقعة للتغير المناخي ولن يتحقق ذلك إلا عن طريق إرادة حقيقية لدى الدول للتوافق حول قرارات ونتائج ملزمة.

ولقد شهدت فعاليات كوب 28 نتائج غير مسبوقة، حيث تم التوصل إلى توافق عالمي بين نحو 198 دولة مشاركة في رسم خارطة طريق كما التوصل إلى خطة عمل تسهم في تمكين العمل المناخي على مستوى دول العالم باتفاق عادل ومنصف، بهدف الحد من تداعيات التغيرات المناخية والحفاظ على حق الأجيال القادمة في الوصول إلى مستقبل آمن ومستدام.

القضابا التى ركّز عليها المؤتمر

وركزّ المؤتمر على عدد من القضايا الرئيسية والهامة كان من أبرزها:

– إلقاء الضوء على المخاطر الناتجة عن الاضطرابات الجیوسیاسیة التي تهدد الاستقرار العالمي.

– تفاقم الكوارث المناخية.

– استمرار أزمة الغذاء.

– قِلة الدعم الموجَه للدول الأكثر تعرضاً لتداعيات تغير المناخ.

– ارتفاع الطلب على الوقود الأحفوري، والابتكارات المنخفضة الانبعاثات.

– النمو السريع للطاقة المتجددة المنخفضة التكلفة.

– متابعة تفعيل ترتيبات تمويل صندوق الخسائر والأضرار.

نتائج مهمة

وتم التوصل إلى عدد من النتائج الهامة والتي كان من أبرزها:

للمرة الأولى في تاريخ مؤتمرات الأطراف “COP” تم الاتفاق بشأن التحول التدريجي عن الوقود الأحفوري حيث تمت الموافقة على التحول عن الوقود الأحفوري بالكامل في العقد الحالي بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، والإسراع في التحول إلى الطاقة النظيفة، بهدف الوصول إلى صافي انبعاثات الغازات الدفيئة الصفرية بحلول عام 2050.

تم الاتفاق – أيضا – على اتخاذ إجراءات تشمل الحد من الانبعاثات؛ حيث تم الإقرار بضرورة عمل تخفيضات عميقة وسريعة ومستدامة لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، بما يتماشى مع هدف اتفاق باريس 1,5 درجة مئوية، من خلال بعض الإجراءات، مثل تسريع تقنيات الانبعاثات الصفرية والمنخفضة، واستخدام أنواع وقود خالية من الكربون ومنخفضة الكربون قبل عام 2050، واستخدام الهيدروجين وتسريع الجهود نحو التخفيض التدريجي لإنتاج واستخدام للفحم، وتم الدعوة إلى مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة معدلات كفاءة الطاقة بحلول عام 2030.

وتم الاتفاق “COP28” فى على تفعيل صندوق الخسائر والأضرار الذي تم الاتفاق على إنشائه في مؤتمر شرم الشيخ بمصر “كوب27″، وبلغ اجمالي المساهمات المقدمة به نحو 726 مليون دولار لتعويض دول الجنوب الأكثر تضررًا من تغير المناخ، وتخفيف التوترات المتعلقة بالتمويل بين دول الشمال والجنوب.

تم التوافق بشأن الزراعة المستدامة حيث تم التوصل إلى 11 اتفاقية تغطي مختلف جوانب العمل المناخي؛ بداية من التمويل إلى الزراعة والصحة؛ فمن بين الاتفاقيات التي تم التوصل إليها، ما يتعلق بقطاع الزراعة والأمن الغذائي ، وفى هذا الصدد تم التوقيع من قِبل 153 دولة بشأن الزراعة المستدامة والنظم الغذائية المرنة والعمل المناخي، وتم التعهد بمبلغ 2,7 مليار دولار لقطاع الصحة؛ كما تم إقرار تعهد التبريد العالمي من 66 دولة.

– التعهد بتمويل مبادرات المياه والصرف الصحي عن طريق تقديم تمويل بقيمة 45 مليون دولار، لمبادرة تحفيز الجوانب الفنية والمالية لمرافق المياه والصرف الصحي في المناطق الحضرية، وفيما يتعلق بشأن المناخ والطبيعة والإنسان، تم إقرار البيان المشترك لـ COP28بشأن المناخ والطبيعة والإنسان، باتفاق 18 دولة، وتم انضمام 30 دولة إلى تحالف القُرم من أجل المناخ الذي أطلق بالشراكة بين الإمارات وإندونيسيا في COP27، كما تم إطلاق مبادرة تنمية المحيطات الهادفة إلى دعم الحياة البحرية بالتزامن مع خفض الانبعاثات، فضلاً عن انضمام 86 دولة لعضوية التحالف العالمي للاقتصاد الأخضر.

 تحول أم تخلى عن الوقود الأحفورى؟

كان من نتائج المؤتمر الاتفاق بشأن التحول عن الوقود الأحفوري بالكامل في العقد الحالي، لكنه في نفس الوقت لم يتحدث عن التخلي عن الفحم أو البترول أو الغاز، وهو الطلب الذي طالبت به أكثر من 100 دولة، بعدما رفضت السعودية والكويت والعراق أي اتفاق يمس بالبترول أو الغاز الطبيعي، كما تم الاعتراف بالدور الذي تلعبه مصادر الطاقة الانتقالية، والمقصود هنا الغاز، في ضمان “أمن الطاقة” في الدول النامية، حيث ما زال نحو 800 مليون شخص محرومين من الكهرباء، وفي نفس الوقت يتم الدعوة إلى تسريع التكنولوجيات ذات انبعاثات “صفر كربون”، ومن ضمن ذلك الهيدروجين والطاقة النووية وتقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، والتي ما زالت محل دراسة.

ورفضت دول خليجية مقترح التخلي عن الوقود الأحفوري والتي تمتلك أكثر من 30% من احتياطيات النفط في العالم، فضلاً عن أكثر من 20% من إجمالي احتياطات الغاز الطبيعي، لأنه يمثل المصدر الرئيسي للنمو وتتخطى مكاسب إيراداته أكثر من 60% للإيرادات الحكومية، وفي مقدمة هذه الدول السعودية، حيث لم ينص الاتفاق على التخلص الفوري أو المتدرج من الوقود الأحفوري، بل نص على عملية تحول، حيث أعطى لكل دولة الحق باختيار المنهجية التي تحافظ على مصالحها، وذلك نظرًا لأن دول الخليج مركز لإنتاج البترول والغاز وأهميته بالنسبة لها كمصدر لإنتاج الكهرباء، وبالتالي لن توافق على قبول أي قرار من شأنه أن يتم فيه الاستغناء عن الوقود الأحفوري، كما أن تكلفة الاستثمارات الموجهة نحو الطاقة الخضراء كبيرة جدًا علاوةً على أنها غير مضمونة النتائج.

ازدواجية المعايير

ومن الأشياء اللافتة للانتباه والتي تدل على ازدواجية المعايير لدى الدول الغربية وأن المعيار الأساسي لكل دولة هو كيفية تحقيق مصالحها بغض النظر عن وقف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتحقيق العدالة المناخية التي يتم التشدق بها.

وفى هذا الصدد فأن الدول نفسها التي تنادي بالتخلص من الوقود الأحفوري هي أولى الدول التي لجأت لاستخدامه في تحقيق مصالحها عندما حدثت الحرب الروسية الأوكرانية وتم قطع الغاز الروسي لجأت كلًا من أيرلندا وألمانيا وبولندا إلى استخدام الفحم في توليد الكهرباء عوضًا عن الغاز الروسي فأين تنفيذ اتفاقيات المناخ؟!، وأين تنفيذ صفر انبعاثات أو صفر كربون؟!.

وما سبق لا يدع مجالًا للشك، وفى ذات الوقت يعطي دلالة واحدة هي: عدم قدرة واستعداد دول العالم على الالتزام بما تنادي به بشأن تخفيض الانبعاثات والتخلص من الوقود الأحفوري.

ومن الواضح أن المواقف المعلنة من الدول الكبرى تسير في اتجاه، وما يدور في الكواليس في اتجاه آخر وهو الاستمرار في استهلاك انتاج الوقود الأحفوري مع العمل على الاستثمار في التكنولوجيا القائمة على تنظيف الانبعاثات وتقنيات الطاقة المتجددة والتي ما زالت محل دراسة وجدل بسبب ارتفاع تكلفتها من اتجاه، ومن اتجاه آخر لا يمكن لكل الدول الاعتماد عليها.

وخير مثال على ذلك هو مجال الطاقة الشمسية فهناك دول معدل السطوع الشمسي لديها قليل وبالتالي لن تستطيع أن تحقق شروط إنتاج الطاقة الشمسية حيث أن كمية الإضاءة الناتجة عن سطوع الشمس ستكون معدلاتها قليلة، إما كعدد الساعات المطلوبة أو نتيجة تكون الغيوم، وفي الحالتين لن تصل كمية الطاقة المطلوبة إلى الألواح الشمسية مما سيؤثر على إنتاج الطاقة.

وختامًا نرى – من وجهة نظرنا – أن المعيار الحقيقي لقياس مدى نجاح مؤتمر كوب28 من عدمه يتوقف على مدى التزام الدول بتنفيذ النتائج والتوصيات الخاصة بالمؤتمر والتي تبقى رهينة لمدى توافر الإرادة السياسية للدول الكبرى، ورغبتها في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في المؤتمر، بالإضافة إلى توفير التمويل المناسب والتأكد من تنفيذ التعهدات التي تم الاتفاق عليها بالإضافة إلى توفير آلية للرقابة الفعالة للتأكد من تنفيذ الخطة المتفق عليها للتأكد من المضي قدمًا على المسار الصحيح وتصويب أي انحرافات قد تحدث.

طالع المزيد:

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى