عاطف عبد الغنى يكتب: نظام الغذاء العالمي الجديد
بيان
كيف يمكن أن يصبح الطعام الذي نتناوله، والذي من المفترض أن يغذي الحياة ويحافظ عليها، سامًا إلي هذا الحد؟!
الكاتب البريطاني كولين تودهانتر، يلقي بالسؤال الصادم في وجه العالم، ويتبعه بإجابة تحمل المزيد من الصدمات حين يكشف عما يسميه: ” نظام الغذاء العالمي الجديد”، أو إمبراطورية “الغذاء المسموم” للأغذية المصنّعة، هذه الإمبراطورية التي تتكون من علامات تجارية شهيرة، وشركات عابرة للقارات، تربح مليارات الدولارات علي حساب صحة البشر في أنحاء المسكونة.
الموضوع بالغ الخطورة، وليس له علاقة بدول غنية، وأخري فقيرة، وانظر حولك لتكتشف أن أفراد المجتمع من كل الأعمار والشرائح الاجتماعية، تأكل هذا النوع من الطعام الذي يتناوله تود هانتر في كتابه المعنون بـ: “طعام مسموم وثروات مسممة.. نظام الغذاء العالمي الجديد”.
ومن منا لا يتناول في طعامه اليومي المشروبات السكرية (الغازية والعصائر المعلبة)، والوجبات الخفيفة المعبأة، مثل رقائق البطاطس والبسكويت والحلويات، والوجبات السريعة ، مثل الهامبورجر، والبرجر، والبيتزا ، الوجبات الجاهزة للأكل، مثل المكرونة المجمدة والبيتزا المجمدة، والحساء، والوجبات الخفيفة ووجبات الإفطار مثل النقانق، والبسكويت، والأطعمة المعدلة أو المعالجة بالمواد الكيميائية، مثل الحبوب المصنعة .
وكما أسلفنا فالكارثة ليس لها علاقة بدول غنية، وأخري فقيرة، ولكن لها علاقة بتشكيل النظام الغذائي العالمي الجديد أو الحديث من خلال الضرورة الرأسمالية، التي لا تسعي إلا لتحقيق الربح.
ويكشف الكاتب تود هانتر أن الشركات التي تستثمر في هذا النوع من الطعام، أو الأغذية فائقة المعالجة الكيمائية (UPFS)، ومن هذه الشركات “بلاك روك، وفانجارد، وستيت ستريت، وفيديليتي، وكابيتال جروب” وتكتلات الأغذية التي تستثمر فيها، وغيرها لا تستثمر بكثافة في صناعة المواد الغذائية فحسب، لكنها تستفيد أيضًا من الأمراض الناتجة عن هذا النظام الغذائي من خلال امتلاكها حصصًا في قطاع الأدوية العالمي أيضًا، والوضع مربح للجانبين، صانعو الغذاء المسموم، والشركات التي تنتج الدواء الذي يتعامل مع الأمراض الناتجة عن هذا الطعام!.
ويكشف الكاتب – أيضا ” أن الضغط الذي تمارسه شركات الغذاء هذه، ومجموعاتها ذات المكانة والتمويل الضخم، تضمن استمرار، وسيادة هذا الوضع، ويقول: “إن هذه التكتلات العملاقة تواصل الاستيلاء علي مجال صنع السياسات والتنظيم في قطاع الأغذية، علي المستويين الدولي والوطني وهو ما يتيح لها الترويج لفكرة أنه بدون منتجاتها سيتضور العالم جوعا”.
لذلك فإن الاستهلاك العالمي لهذه الأغذية فائقة المعالجة الكيمائية (UPFS) يشهد ارتفاعًا كبيرًا، وتشكل منتجاتها الآن أكثر من نصف متوسط النظام الغذائي في المملكة المتحدة و الولايات المتحدة.
وحول مدي تأثير هذه التكتلات (الشركات) الغذائية، التي تشكل السياسة الغذائية وتهيمن علي السوق.
ويورد الكاتب المثال التالي: “في أواخر شهر سبتمبر الماضي، صدر عن مؤتمر إعلامي في لندن – يناقش مخاطر الأغذية فائقة المعالجة – أن المستهلكين لا ينبغي أن يشعروا بالقلق بشأنها.
وبعد المؤتمر، ذكرت صحيفة “الجارديان” البريطانية أن ثلاثة من خمسة علماء في لجنة الخبراء الذين شاركوا في المؤتمر، أشاروا إلي أن عوامل الحماية من الأشعة فوق البنفسجية التي تستخدم في معالجة هذه الأغذية يتم تشويهها بشكل غير عادل، والذين قالوا ذلك اتضح أن لهم علاقات مع أكبر الشركات المصنعة لهذه المنتجات في العالم، وأكدت “الجارديان” أنهم إما تلقوا دعمًا ماليًا لإنجاز أبحاثهم من الشركات المصنعة لهذه الأغذية، أو يشغلون مناصب رئيسية في المنظمات التي تمولها.
وتشمل الشركات المصنّعة: مونديليز، و كوكاكولا ، وبيبسيكو، ويونيليفر، وجنرال ميلز، حسب الجارديان، لقد تم شراء ذمة هؤلاء العلماء، وخدَّروا ضمائرهم، (احتسوا الشاي بالياسمين علي طريقة فيلم “مرجان أحمد مرجان”).
وعلي أثر ذلك خرجت عناوين إعلامية إيجابية لصالح “الأغذية فائقة المعالجة (UPFS)” وتؤكد أنها جيدة مثل الأغذية الطبيعية، وأن “الأغذية فائقة المعالجة يمكن أن تكون في بعض الأحيان أفضل بالنسبة للمستهلك” شوف إزاي!!.
هذا النوع من الطعام الذي فرضته علينا ظروف الحياة اليومية، وشهية الأجيال الجديدة، التي أدمنت الوجبات السريعة، المصنّعة، المشبعة بمغريات الطعم، والشكل، والرائحة، والتي أصبحت عنوانا علي العصر الذي نعيش فيه.
ونحن نتناول هذا النوع من الطعام، دون أن نسأل عن طريقة تصنيعه، ولا نعرف أن هذه المنتجات الغذائية تم تغييرها بشكل كبير عن طبيعتها، وذلك من خلال إضافة مكونات مثل: المواد الكيميائية الموجودة في المواد الحافظة والملونات والمحسنات أو النكهات الاصطناعية، لتحسين مذاقها، أو لتعزيز مدة صلاحيتها، وتحتوي هذه المنتجات – غالبا – علي مكونات منخفضة الجودة، مثل السكريات المكررة، و الدهون غير الصحية، والمواد الحافظة الاصطناعية، وتكون في مكوناتها النهائية قليلة الألياف والمغذيات الأخري.
ومخاطر الأطعمة “فائقة المعالجة” علي صحة البشر عديدة وشديدة الوطأة، وقد كشفت الدراسات الطبية عن العلاقة بين استهلاك هذا النوع من الطعام وزيادة خطر الإصابة بمجموعة متنوعة من الأمراض، مثل: السمنة المفرطة، مرض السكري من النوع الثاني، و أمراض القلب ، والسكتة الدماغية، وبعض أنواع السرطان ، وأخفها اضطرابات الجهاز الهضمي .
وتوصي العديد من المنظمات الصحية، حول العالم بتقليل تناول الأطعمة “فائقة المعالجة” لصالح الأطعمة الطبيعية أو الكاملة، مثل الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والبروتينات الخالية من الدهون.