تاريخ أغفله التاريخ: أسرار الغارة الجوية المصرية على تل أبيب ظهر يوم السادس من أكتوبر 1973 

أحمد أبو بيبرس

سردية يكتبها: أحمد أبوبيبرس

بالرغم من مرور 50 عاماً على فى حرب أكتوبر العظيمة المجيدة إلا أنه لازال الكثير من خفاياها غير معروف حتى الأن وما زال الكثير من جوانبها مطمور يقف فى مناطق رمادية معتمة بعض الشيئ تحتاج إلى تسليط المزيد من الضوء عليها مثل الجوهرة الثمينة التى تكون مطمورة فى التراب كلما قمت بتنظيفها إزدادت بهاءاً وتلألئا ببريق يخطف الأبصار ويخلب الألباب والقلوب.

نحكى فى التالى قصة ملحمة جبارة من ملاحم حرب أكتوبر قام بها طاقم طائرة مصرية مجهول غزا الطاقم قلب عاصمة العدو وأوقع الفزع والرعب فى قلوب ونفوس سكانها قبل تنفيذ الضربة الجوية الافتتاحية الشهيرة بدقائق معدودة.

أوكلت إلي الطائرة مهمة سرية انتحارية هى طائرة قاذفة قنابل إستراتيجية ثقيلة من طراز توبوليف 16 ذات المدى الواسع البعيد دون أن ترافقها طائرات الحماية الاعتراضية الأخرى من طراز ميج 21 نظراً لأن مداها العملياتى يقصر عن الوصول لإسرائيل بعكس المدى البعيد جداً للتوبوليف 16 والذى يصل إلى 7200 كلم وبحمولة 9 أطنان من الذخيرة والقنابل وذلك للإغارة على هدف حيوى خطير، وهو نسف المبنى الإدارى لمقر وزارة الدفاع الإسرائيلية والتى تمثل ـ مركز آلة الحرب الجهنمية الإسرائيلية الرئيسية ـ فى قلب مدينة تل أبيب ـ عاصمة العدو ـ وتدميره مع بدء إندلاع حرب أكتوبر 1973 مما قد يشل نهائياً عملياته الحربية ويوقف تحركاته وردود أفعالة وسط المزيد من الذعر والإرتبالك فى صفوفه ربما إلى نهاية الحرب نفسها.
لقد ظلت قصة هذه الغارة الجوية المصرية فى طى الكتمان لسنوات طويلة ولم يتطرق إلى ذكرها كلا الجانبين المصرى والإسرائيلى كأنهما اتفقا على ذلك حيث لكل طرف أسبابه الوجيهة.

بالنسبة للجانب المصرى تقرر ضرب ستار من السرية والكتمان على هذه العملية باعتبار أنها عملية فاشلة لم تؤدى الغرض المقصود منها بتدمير الهدف المعنى، خصوصا أن قائد الطائرة المصرى ومعه طاقمه من المساعدين والملاحين عادوا سالمينً حيث لم تسقط الطائرة ولم يقتل طاقم الطائرة المصرية أو يؤسر، إذن فلا داع لذكر شيئ عنها .
وبالنسبة للجانب الإسرائيلى فقد اعتبرها بمثابة فضيحة وإهانة وجرحاً خطيراً لكرامة سلاحهم الجوى الذى طالما ملأوا الدنيا طنطنة فارغة ولغطاً حول قدراته الخارقة وذراعه الطويلة فى الوصول إلى أى أراض بعيدة فى العالم العربى وكذلك قدرته الفائقة على حماية السماء الإسرائيلية، فإذا به يفاجئ بطائرة مصرية بطيئة ثقيلة تخترق مجاله الجوى المراقب المحمى تماماً وتصل إلى سماء تل أبيب نفسها وتحاول أن تقصف المبنى الذى يضم مكاتب الدفاع والمخابرات قلب وعقل الجهاز العسكرى الإسرائيلى كله !!.

والأدهى والأمر أن المهزلة إنقضت بدون ثأر ولا عقاب للجانب المصرى الذى طالت ذراعه الجوية القصيرة بغتة حتى وصلت إلى عاصمة العدو نفسه فلم يشفوا غليلهم بالنيل من الطائرة المصرية البطيئة العاجزة بإسقاطها أو حتى مجرد خدشها بخدش واحد بما يعتبر هزيمة أخرى فى حد ذاتها وجرحاً جديدا لسمعتهم العسكرية وسمعة طيرانهم بالأخص التى إنشرخت على يد السلاح الجو المصرى ثم تهاوت فى الحضيض تماماً ببدء نشوب حرب أكتوبر بعد هذه الحادثة بدقائق وتوجيه الضربة الجوية الساحقة لأهداف العدو فى سيناء.

لكن مع ذلك فقد كان الجانب الإسرائيلى هو من قام بإماطة اللثام عن القصة الكاملة لهذه الغارة المصرية بعد سنوات من خلال نشر القصة على لسان طيارى العدو والتى ذكرت فى كتاب خاص عن الحرب طبعته وزارة الدفاع الإسرائلية وبمناسبة مرور 23 سنة كاملة على حرب أكتوبر 1973 قررت مجلة روزاليوسف المصرية ـ عام 1996 ترجمة ما نشر فى تقارير العدو الإسرائيلى تحت عنوان ( طائرة مصرية فى تل أبيب أكتوبر لسنة 1996 ،،،،،

الرواية الإسـرائيلية

. . فى كتاب الحرب الخاص بسلاح الطيران الإسرائيلى ” السماء ليست هى النهاية” والمكون من 672 صفحة ـ صدر عن وزارة الدفاع الإسرائلية ـ هذه القصة التى يرويها الكتاب وننشرها اليوم لأول مرة مليئة بالإثارة لأنها تروى قصة الطائرة المصرية الوحيدة فى تاريخ الحروب الإسرائيلية / العربية التى ذهبت يوم 6 أكتوبر إلى تل أبيب نفسها.

طائرة هذا النسر المصرى المجهول وزملائه عادت سالمة لم تصاب بشظية واحدة بعد أن قصفت تل أبيب ، لكن هذا الصاروخ العملاق الذى أطلقته اندفع مسرعاً ليسطر صفحة جديدة التاريخ العسكرى إلى تل أبيب ، كانت لها قصة هامة وهو فى طريق رحلته للهدف ، قصة إستغرقت فى الطبيعة دقائق قليلة جداً لكنها مرت على سكان تل أبيب كالدهر .

اقتربت عقارب الساعة فى مركز المراقبة الأرضية ـ المركز الرئيسى لسلاح الطيران المركزى بإسرائيل فى الثانية إلا خمسة دقائق بعد ظهر يوم 6 أكتوبر 1973 العاشر من رمضان ،، وكانت كافة الأبراج الأمامية على الجبهة فى المواقع الإسرائيلية تخطر المحطة الأم برسالة غريبة جداً عبارة عن بعض كلمات لم يستوعبها فى البداية أحد ممن كانوا فى المركز الرئيسى للمراقبة : جاء فيها طبقاً لكتاب الحرب (هالو رافيديم : هالو رافديم .. أجب بسرعة .. طائرة مصرية واحدة تمرق أمام سواحل العريش فى طريقها إلى تل أبيب.. نكرر إلى تل أبيب.. نكرر إلى تل أبيب).

هذه الرسالة اللاسلكية للمحطة المركزية أخذت تتكرر لمدة خمس دقائق كاملة مما جعل معظم الطيارين الإسرائليين الذين كانوا على نفس موجة الإرسال بطائراتهم يطلبون وقف بث تلك المعلومة لأنهم ركزوا تفكيرهم معها، ومع الهدف المنطلقة ناحيته مما يعرضهم للخطر.

فى هذه اللحظة صمت الجميع فى داخل غرفة المراقبة المركزية وتمتم قائد المراقبة بكلمات غير مفهومة واخذ ينظر حوله كأنه يبحث عن شيئ ضائع منه للتو وفجأة بدأ يصرخ ويسأل: أين ميخائيل …؟ أجيبونى بسرعة بالله عليكم أين ميخائيل ؟!.
وأخبروه من بالغرفة أنه ميخائيل ذلك الطيار الإسرائيلى المدون عنه فى كتاب الحرب أنه كالأسطورة فى الطيران ، وأنه الوحيد الحاصل على ميدالية الشرف الأولى فى الطيران الإسرائيلى بسبب عدد الطائرات العربية التى قصفها على الأرضى فى يونيو 1967 موجود فوق القناة أو بالأصح أنه عائد لتوه من رحلة تصوير للقناة والوضع بها ، وسأل قائد الغرفة المركزية هل هو جاهز للإقلاع ..؟ فكانت الإجابة : نعم جاهز . تمتم ثانية الرجل وهو يقول : لن يمنع هذه الكارثة سوى ميخائيل .
فى مركز مراقبة تل أبيب بدأ الصراخ والعويل يعلو فى اللاسلكى فى نداء يائس للمركز الرئيسى بسبب أول ظهور للطائرة المصرية من نوع ( توبوليف 16) الثقيلة على شاشة رادر تل أبيب وسمع فى اللاسلكى نداء يقول : “ستتعرض المدينة للهجوم خلال دقائق”.
كان طيار التوبوليف ثقيلة الوزن قديمة الطراز يندفع نحو حرب خاصة جداً . قرر أن يخوضها وحده أمام سلاح الطيران الإسرائيلى كله والذى حتماً سيدفع له أفضل طياريه للدفاع عن عاصمة إسرائيل أثناء الحرب.

طلب مركز المراقبة بتل أبيب من أفضل طيار بالمنطقة المركزية بداخل إسرائيل وإسمه (إيتان) أن ينضم بطائرته الميراج الجديدة مع (فرميه ميخائيل) الذى يقود هو الأخر ميراج مماثلة.

الطائرة الميراج 3 التى طاردت التوبوليف 16
الطائرة الميراج 3 التى طاردت التوبوليف 16

كانت الميراج فى الحرب هى طائرة إسرائيل الأولى .. والتحم ميخائيل وإيتان فى إتجاه شاطئ تل أبيب . وبعد ثوان معدودة مرت طويلة جداً على الإثنان كما شهدا فيما بعد لأنهما كانا فى شوق بالغ ملتهب للقاء هذا النسر المصرى صاحب القرار العجيب بالهجوم على تل أبيب.
يقول إيتان : ” كنت أنا وميخائيل نعلم أننا خلال ثوان سنلتحم فى معركة جوية مع هذا الطيار لكننا كنا نشعر قبل أن نراه بإحترام الشديد له كطيار جاء لينفذ مهمة كهذه “.
مرت ثانيتان وظهر النسر المصرى أمامهما..
يقول إيتان : إتجهت بطائرتى الميراج بسرعة كبيرة جداً ناحية الطائرة المصرية لكننى رأيتها وكأنها تسقط بسرعة كبيرة جداً ناحية البحر ، ثم أدركت بعدها أنه لا يسقط بل أن هذا الطيار كان يقوم بحركة مناورة صعبة جداً أدهشتنا أنا وميخائيل نظراً للمستوى الفنى لهذا الطيار.
ويكمل ميخائيل قائلاً : “لقد جعلتنى هذه المناورة أسرح لثانية فى مقارنة فنية بين هذا الطيار المصرى وأفضل الطيارين الغربيين الموجودين فى هذا الوقت”.
يقول إيتان فى شهادته المسجلة فى صفحة 451 : “لقد شاهدته يعد نفسه لإطلاق صاروخ ( جو/ أرض ) فى اتجاه كورنيش تل ابيب وأدركت المصيبة ، ذلك أنه لو قذف أحد بطوبة فقط من الجو على منطقة الكورنيش لأصابت حتماً شخصاً ، أو ربما أكثر فكيف يكون الحال لو قصفت هذه الطائرة صاروخاً على تل أبيب ..؟ “.
يقول ميخائيل : “لقد رأيت أن الصاروخ المعد للإطلاق هو ( كيليت) : لأنه بمثابة بعبع المدن وحروبها لأن وزنه يبلغ طناً ونصف الطن متفجرات ، وهو مجهز للإنطلاق بواسطة جهاز رادارى متطور يجعله لا يخطئ الهدف المتجه إليه “. ويكمل إيتان قائلاً : ” هذا الصاروخ لا يختلف كثيراً عن كونه طائرة ميج 15 كاملة ، لكنه على شكل صاروخ بعد التطوير ”

ويقول أيضا إيتان : ” لقد نقلت شكل الصاروخ كما هو إلى القاعدة المركزية وكان القرار هو أن ينطلق ميخائيل وراء الطيار المصرى بينما أنطلق أنا وراء صاروخ الطائرة” ويكمل : ” كان الصاروخ يتبختر فى الجو فى طريقه للهدف فى كبرياء غريب أدهشنى ، ومع إننى إعتقدت أن مهمة إسقاط الصاروخ سهلة إلى حد ما لأنه كان على فقط أن أطلق على هذا العملاق المنطلق إلى تل أبيب صاروخ (الشفرير) إسرائلى الصنع الشهير عالمياً وقتها لكن الصاروخ اللعين ـ الشفرير ـ بعد إنطلاقه من باطن الميراج بثانية واحدة انطفأت محركاته وانطفأ جهاز توجيهه وسقط سريعاً ناحية البحر أمام الشاطئ .

ويكمل إيتان لاهثاً بقوله : ” أصبحت مسألة الوقت حرجة جداً ، فما هى سوى ثوانى أخرى حتى يصل الصاروخ المصرى إلى الشاطئ وإلى العمارات العالية التى وقف بينها مبنى ( برج كل بوشالوم ) الذى يضم مكاتب المخابرات والدفاع والداخلية.
وقلت لنفسى ثوانى وتشتعل منطقة الكورنيش باللهب ـ منطقة كورنيش تل أبيب … فى مساحتها التى لا تتجاوز كلها بالعرض مساحة شاطئ سيدى بشر 1 + 2 فى مدينة الإسكندرية ـ ويسقط العشرات قتلى.

اقترب إيتان من الصاروخ أكثر وكأنه يصاحبه للهدف وتعجب إيتان ـ طبقاً لشهادته ـ من الكيفية التى طور بها المصريون طائرة ( ميج 15) فحولوها إلى صاروخ محمول بهذا الحجم، وفى هذا الوقت قرر إيتان التعامل مع الصاروخ بطلقات النيران العادية لرشاش الطائرة وهو يقول عن ذلك : “فتحت نيران الطائرة بكثافة كالمجنون على بعد 300 متر فقط ، وكنت أعلن أنه فى حالة إصابة الصاروخ سينفجر مسبباً دوياً هائلاً . كما سيسبب حلقة من الشظايا بالتأكيد ستصيب الطائرة الميراج التى أركبها ” … وفعلاً إنفجر الصاروخ كما قدر إيتان ،، بشكل هز شوارع كورنيش تل أبيب ، وشعر به بقية سكان المدينة الذبن هرعوا للشوارع فى ذعر شديد وأصيبت طائرة إيتان الميراج فى جانبها الأيمن وكاد الطيار الإسرائيلى أن يفقد وعيه لأن قوة الإنفجار أحدثت خلخلة هواء جعلت الميراج تهتز بشدة مما أدى لإصطدام رأس إيتان فى زجاج كابينة قيادة الطائرة بقوة … بعد أن غمر العرق وجه إيتان وهو يشاهد بقايا الصاروخ العجيب تسقط مباشرة أمامه وعلى رمال الشاطئ.
صمت لفترة ولم يجيب على المركز الأرضى باللاسلكى.. وبعد دقيقة بدأ يتحدث قائلاً : “تم تدمير الهدف لكنه دمر أعصابى “، وفى نفس اللحظة كان الموجودين بكل مراكز التحكم الأرضى الجوى بإسرائيل يردون على إيتان بقولهم : “وأعصابنا نحن أيضاً” .
وقيل فى كتاب الحرب الإسرائيلى أن هذا الصاروخ لو قدر له وأصاب الهدف لكان قد أنهى الحرب مبكراً جداً فى أول يوم بسبب الخسائر الفادحة والتى كانت ستحدث بعد الإنفجار فى قلب إسرائيل .

ناهيك عن الحالة النفسية السيئة جداً ، والتى كان من شأنها القضاء على معنويات جنود وضباط جيش الدفاع فوراً .. لكننا نعود إلى قصة الطاقم المصرى مع ميخائيل الذى إنطلق خلفه.
يقول ميخائيل : “لأول مرة فى معركة جوية أدخل بها لا أستطيع أن أسقط حتى ذبابة ولم أفهم كيف لم أستطيع أن ألحق به وهو يقود طائرة ثقيلة جداً “.
الكتاب يقول : ” لقد إلتف الطيار المصرى بعد أن أطلق الصاروخ على تل أبيب بسرعة البرق فى اتجاه الحدود المصرية وفى دقائق كان قد ترك حدود إسرائيل وجيشها عائداً إلى مصر . لكنه جعل إسرائيل تعيش أكثر لحظات تاريخها رعباً بسبب التفكير فى حجم الضحايا والخسائر المادية والمعنوية التى كان سيحدثها صاروخه العجيب”.

انتهت القصة ولازال ميخائيل وإيتان يتذكران تلك اللحظات وكأنها تحدث الآن، لكن بعد أن هدأت الأحداث وانتهت الحرب إسترد الطيار الإسرائيلى (إيتان كارمى) شجاعته المفقودة وأدلى بحديث مختصر لجريدة يديعوت احرونوت الإسرائيلية حيث قال إنه اعتقد فى البداية أن ما شاهده كان عبارة عن طائرة حربية مصرية ولكنه عندما اقترب منها فوق سطح البحر أدرك أنه لايوجد طيار . وأن الحديث يجرى عن صاروخ موجه تم إطلاقه من طائرة قاذفة مصرية من طراز توبوليف 16 بإتجاه مدينة تل أبيب . فإقترب الطيار الإسرائيلى من الصاروخ وحافظ على مسافة 200 متر ثم بدأ بإطلاق النار عليه حتى سقطت أجزاؤه فى البحر.

هكذا دون أدنى ذكر لحالة الرعب والإنهيار التى عاشتها القيادة الإسرائيلية كلها وكأنها كانت حادثة عادية لاتستحق الذكر !! .

والكاتب البريطانى المؤرخ الشهير إدجار أوبلانس المتخصص فى حروب الشرق الأوسط يشير إلى هذه الحادثة فى كتابه ــ حرب أكتوبر العبور .. والثغرة ــ طبعة عام 1987 حيث ذكرها فى هذه هى قصة عملية قصف تل أبيب بصاروخ الكيلت المصرى خلال حرب أكتوبر عام وذكر أن الطيار الإسرائيلى تعامل مع الصاروخ المصرى الموجه كما تعامل الطيارون البريطانيون مع الصاروخ الألمانى الأرض / أرض فى / 1 فى الحرب العالمية الثانية أى الإلتحام به جويا ولإسقاطه بمدفع رشاش الطائرات البريطانية وكذلك ذكر ان الشعب فى إسرائيل لم يعلم شيئا عن هذه الواقعة

وبالمزيد من البحث عن تفاصيل أكثر عن هذه الواقعة الخطيرة تبين أن هذه الغارة المصرية على تل أبيب كان لها تداعيات عالمية خطيرة وأنها أحدثت إضطرابا وذعراً مفاجئاً فى العلاقات بين القوى الكبرى.
من تلك المشاهد الحصرية «يومية حرب » مصنفة تحت بند «منتهى السرية » مؤرخة بتاريخ السادس من أكتوبر 1973 أكشفها لأول مرة من الأرشيف الأمريكى والسوفيتى سجلت بدقة وقائع معركة جوية مصرية – إسرائيلية
هذا المشهد سر من أسرار المعارك الحربية الجوية خلال حرب أكتوبر 1973 تفاصيله وبياناته سجلت بدقة فى الوثائق الأمريكية «منتهى السرية » والسوفيتية «عظيمة السرية ».

كما أدرج ذات الملف بداية من الصفحة رقم 451 فى سجلات حرب القوات الجوية الإسرائيلية يثبت نجاح إحدى طائرات القوات الجوية المصرية القاذفة فى اختراق المجال الجوى لمدينة تل أبيب وتهديدها مقر وزارة الدفاع والأركان الإسرائيلية بشكل مباشر أضاء جميع الأنوار الحمراء فى العالم ذلك اليوم المشهود.

الانعكاسات السياسية الناجمة عن غارة تل أبيب

طبقًا لتفاصيل يومية الحرب كلفت الطائرة المصرية صباح السادس من أكتوبر 1973 بمهمة شديدة الخطورة لم يعلن عنها نهائيًا فى مصر من قبل، وقد خطط لها الرئيس محمد أنور السادات بنفسه مع قائد سلاحه الجوى اللواء مبارك.
والوثائق الرسمية الأمريكية المصنفة تحت بند «منتهى السرية » تكشف أن اللواء حسنى مبارك قائد سلاح الجو المصرى نفذ مشروعات مصرية جوية سرية للغاية قبل أكتوبر 1973، كشف عدد منها أثناء المعارك الجوية بين مصر وإسرائيل ولايزال عدد آخر قيد الأسرار الممنوعة حتى يومنا هذا.
كان الأمر عند التحقق من بيانات الرادار الإسرائيلى بالنسبة للقيادة السياسية العبرية يعنى أنها مسألة حياة أو موت لآلاف السكان فى قلب مدينة تل أبيب، ناهيك عن إمكانية الطائرة المصرية قصف أى هدف عسكرى أرضى إسرائيلى بقدرة تدميرية بالغة التأثير.

على الفور كان الجنرال «بينى بيليد » قائد لسلاح الجو الإسرائيلى الثامن في تاريخها ، أول من أبلغته غرفة الرصد الأرضية الإسرائيلية بحقيقة دخول القاذفة المصرية الاستراتيجية المجال الجوى الإسرائيلى.

موقف الحكومة الإسرائيلية عندما تلقت خبر هجوم القاذفة المصرية:

انطلقت صفارات الإنذار لأول مرة فى تاريخ إسرائيل معلنة عن ضربة جوية مصرية وشيكة على المدينة الساحلية التى هرع سكانها فورًا إلى المخابئ.
فى نفس التوقيت طلب موشيه ديان من السيدة «جولدا مائير » رئيس وزراء فى تاريخ إسرائيل – إخلاء مكتبها الحكومى فورًا، والنزول إلى مخابئ الطوارئ حيث بدأت عملية الإخلاء فى هدوء ورئيسة الوزراء الإسرائيلية فى ذهول غير مصدقة لما يحدث من حولها.
نفس الأمر أبلغه وزير الدفاع موشيه ديان إلى مقر إقامة «إفرايم قاتصير » الرئيس الرابع لدولة إسرائيل فتم إخلاء رئيس الدولة العبرية وأسرته فى دقائق.
تحولت كل الأهداف العسكرية والسياسية أو حتى المدنية داخل مدينة تل أبيب منذ لحظة رصد دخول القاذفة المصرية الاستراتيجية العملاقة الأجواء الإسرائيلية هدفًا محتملً.
على ضوء معلومات الرادار الجوى المركزى فى تل أبيب اتخذت رئاسة هيئة الأركان العبرية قرارها بالإخلاء الفورى لجميع المواقع الحكومية الحساسة المواجهة لساحل البحر المتوسط، ومن بينها السفارات الأجنبية المتواجدة ضمن نطاق مبانى ومقار وزارة الدفاع الإسرائيلية.
وفى نفس الوقت تلقى هاتف هنرى كسينجر وزير الخارجية الأمريكية إتصالات إسرائيلية وصلت لحد الإستغتاثة الدبلوماسية الرسمية

موقف الحكومة الأمريكية من كارثة الهجوم الجوى المصرى على تل أبيب

وأمرت قيادة الجيش الإسرائيلى المسئولين عن السفارة الأمريكية الواقعة على بعد بلوكات قليلة من مبنى وزارة الدفاع الإسرائيلية الإخلاء العاجل خشية أن يتعرض مبنى السفارة الأمريكية نفسه للقصف.
قرر السفير الأمريكى كينيث كاتينج قبل أن يترك مكتبه مهرولً فى اتجاه ملاجئ الطوارئ إبلاغ وزارة الخارجية الأمريكية، لكن ضباط طاقم حراسته التابع لأمن السفارة الأمريكية رفضوا السماح له بالبقاء دقيقة واحدة أخرى داخل مكتبه بينما راحت صفارات الإنذار تدوى بقوة فى كل أرجاء إسرائيل.
لم يجد هنرى كيسنجر أمامه سوى إبلاغ الرئيس الأمريكى «ريتشارد نيكسون » طالبًا منه اتخاذ قرار عاجل لإنقاذ مدينة تلأبيب ومقر وزارة الدفاع الإسرائيلية.
فأجرى الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون على الفور اتصال مع السكرتير العام ل أمم المتحدة – وقتها – النمساوى الجنسية «كورت فالدهايم » .فى الحديث طلب نيكسون من فالدهايم التدخل الفورى بثقل نفوذ منظمته لدى الرئيس المصرى محمد أنور السادات لإقناعه بالعدول عن منطق قصف مدن العمق الإسرائيلية.
فأجرى الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون على الفور اتصال مع السكرتير العام للأمم المتحدة – «كورت فالدهايم » .فى الحديث طلب نيكسون من فالدهايم التدخل الفورى بثقل نفوذ منظمته لدى الرئيس المصرى محمد أنور السادات لإقناعه بالعدول عن منطق قصف مدن العمق الإسرائيلية.
لكن عندما أحيط السادات علمًا طلب من معاونيه أن يبلغوا فالدهايم باسمه عبر الهاتف أن مصر تحترم الاتفاقيات الدولية، ولن تهدد حياة المدنيين فى إسرائيل مهما كلف الأمر.
المثير أن العملية النوعية للقاذفة المصرية التى خطط لها حسنى مبارك قائد سلاح الجو المصرى فوجئ السادات أنها أدت بشكل غير مباشر إلى تحقيق فكرة الردع العسكرية الشاملة، وقيدت إسرائيل بشكل نهائى طيلة فترة الحرب من التفكير الانتقامى ضد المدن المصرية.

موقف الحكومة السوفيتية

فى ذات المسار السياسى اتصل الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون بالعاصمة السوفيتية موسكو، وتحدث هاتفيا مع «ليونيد بريجينيف » الزعيم الروسى.
فى المكالمة حمل الرئيس الأمريكى ريتشاردنيكسون موسكو المسئولة عن نتائج مهمة القاذفة المصرية الاستراتيجية الروسية الصنع «توبوليف -»TU16 حال إسقاط حمولتها المدمرة فوق مدينة تل أبيب.
فرد عليه الزعيم الروسى بريجينيف ساخرًا أن روسيا عندما تبيع أسلحتها لأى دولة بالعالم لا تسلم تلك الدول قائمة بالأهداف المسموح بقصفها فى الحروب من عدمه، وأن مصر حرة فى اختيار أهدافها.
وأكد الزعيم الروسى فى رده على محدثه أن الاتحاد السوفيتى ليس طرفًا فى الحرب فعلت نبرة صوت الرئيس الأمريكى وتوتر الحديث بينهما بشكل غير مسبوق، لدرجة أن نيكسون هدد بتدخل القوات الجوية الأمريكية ضد الجيش المصرى لو تطلب الأمر….!!!!!!!!
مرت الثوانى والدقائق التالية داخل مقر قيادة القوات الجوية الإسرائيلية بتل أبيب كأنها ساعات، وأمر اللواء بينى بيليد قائد القوات الجوية العبرية لاعتراض القاذفة المصرية المقتربة من شواطئ تل أبيب. والجانب العسكرى سبق الحديق عنه بأعلاه

تــعــقيــب :

بعد أن قرأنا القصة بالكامل يجدر بنا التوقف قليلاً لإلتقاط الأنفاس وإستخلاص بعض النتائج كالتالى :
ــ يجب على الجانب المصرى بعد كل هذه السنوات أن ينشر تقرير طاقم الطائرة المصرى الأبطال عن نتيجة هذه العملية لكى نقف على حقيقة العوامل التى أدت لعدم نجاح مهمته الخطرة أو إستضافة البطل نفسه أو زملائه من الملاحين المساعدين فى أحد البرامج التليفزيونية لنسمع منه أو منهم أسرار القصة بلسانه هوشخصياً إذا كان لازال على قيد الحياة أو نشر قصته إن أمكن

ــ واضح أن العملية كانت سرية وإنتحارية معاً ، بالنسبة للجانب المصرى فكان الأمر محصوراً بين رئيس الجمهورية المصرى وقائد قواته الجوية فقط وتعتمد على السرعة الخاطفة وإلا كانت القيادة الجوية المصرية أرسلت سرباً كاملاً من التوبوليف 16 لتوسيع رقعة الدمار فى ساحة العدو الإسرائيلى لكن على ما يبدو أنه القيادة لم تكن تأمل فى عودة الطيار المصرى حياً لذا لم ترسل قاذفات أخرى خوفاً من زيادة معدل الخسائر فى صفوف طياريها وطائراتها وحتى لاتهدى إسرائيل نصراً رخيصا وتعتبر هذه الحادثة هى أول هجوم جوى تتعرض له تل أبيب من بعد حرب فلسطين 1948 حتى ذلك الوقت

ــ أثارت الطائرة المصرية حالة من الذعر العالمى فى صفوف القوى الكبرى فى أمريكا والأمم المتحدة وصلت إلى حد التوسل بالجانب السوفيتى للتدخل لدى مصر للحيلوية دون قصف تل أبيب مع التهديد بتدخل أمريكى مباشر ضد مصر.

كل ذلك والطائرة المصرية لازالت تقطع جو السماء فى طريقها إلى تل ابيب ولم تنفذ مهمتها بعد .

أما التأثير المعنوى والنفسى على إسرائيل ككل كان فظيعاً جدا من غارة طائرة مصرية واحدة فقط أثارت ذعراً رهيباً وإضطراباً بالغاً فى صفوفهم لدرجة أنهم تكلموا عن إنهاء الحرب مبكراً جداً فى حالة نجاح مهمتها.

طائرة التوبوليف

 

ــ طائرة التوبوليف 16 المصرية سوفيتية الصنع طائرة ضخمة كالطائرات المدنية فى حجمها من فئة الطائرات قاذفات القنابل الإستراتيجية بعيدة المدى يمكنها حمل رؤوس نووية أو صواريخ كروز الطوافة الجو / أرض بعيدة المدى لقصف عمق المدن المعادية والأهداف الإستراتيجية الأخرى
دخلت الخدمة فى سلاح الطيران المصرى قبل حرب 1967 وشاركت فى حرب اليمن وإمتلكت مصر سربين منها شاركت فى حرب أكتوبر 1973 إبتداءاً من الطلعة الجوية الأولى يوم 6 أكتوبر واوكل لها أثناء تنقيذ الضربة الجوية الأولى تدمير مراكز القيادة والتشويش الإليكترونية الإسرائيلية فى منطقة أم مرجم وأم خشيب فى وسط سيناء بصواريخها كيليت البعيدة المدى وذلك دون أن تحلق قوق سيناء نفسها فقد أتاح لها المدى البعيد لصواريخها تنفيذ مهامها من فوق سماء محافظات الدلتا وكذلك قامت بطلعات أخرى متفرقة طوال أيام الحرب وشاركت فى قصف قوات العدو فى الثغرة ولم يكن لإسرائيل طائرة منافسة لها سوى الفانتوم إف / 4 وذلك على مستوى الحمولة وليس فى المدى الإستراتيجى البعيد الذى كان لصالح التوبوليف وقد فقدت مصر طائرتين فقط من هذا النوع خلال حرب 1973 وخرجت التوبوليف 16 من الخدمة نهائياً من القوات الجوية المصرية عام 1992 لتقادمها.

صاروخ الكيليت

صاروخ الكيليت الشهير الذى ظن الإسرائيلين أنه طائرة ميج 15 مطورة كصاروخ
صاروخ الكيليت الشهير الذى ظن الإسرائيلين أنه طائرة ميج 15 مطورة كصاروخ

ــ صاروخ الكيليت ليس طائرة ميج 15 معدلة حسب ما ظن الإسرائيليين وإنما هو صاروخ متخصص فى قصف المدن والأهداف الكبيرة ربما يشبه طائرة الميج 15 فى الشكل لكنه يختلف قطعاُ
الميزة الفائفة لصاروخ الكيليت فى مداه الفائق 150 كلم كصاروخ كروز وضخامة حمولة رأسه الحربى المتفجر بطن ونصف من المتفجرات اما العيب القاتل فى هذا الصاروخ وأفسد ميزاته هو بطء سرعته نسبيا مما جعل طائرة الميراج الإسرائيلية تستطيع إسقاطه وتدميره بمدفعها الرشاش وتنقذ مبنى وزارة الدفاع الإسرائيلية من الدمار وكذلك على باقى مراحل الحرب تمكنت المدفعية الإسرائيلية المضادة للطائرات ـ فى بعض الأحيان ـ من إسقاط عدد اخر من صواريخ الكيليت بنيرانها أثناء قصف بعض الأهداف الإسرائيلية فى سيناء وساعد على ذلك هو بطء طيران الصاروخ نحو هدفه كما سلف القول.

صاروخ الشفرير الإسرائيلى

 

ـــ صاروخ الشفرير الإسرائيلى جو / جو الذى إستخدم فى إعتراض صاروخ الكيليت المصرى لم يكن فعالاً طوال حرب أكتوبر أو ربما لم يستعمل قط بعد هذه الحادثة
ــ مفهوم البطولة عند الإسرائيليين يثيرالدهشة إذ أعتبروا الطيار / ميخائيل فرميه . بطلاً أسطورياً بما يناسب الشخصية اليهودية الغادرة الجبانة لمجرد أنه نجح فى تدمير عدد كبير من الطائرات العربية وهى جاثمة على الأرض فى يونيو 1967 .. أى بطولة وشجاعة فى ضرب طائرات عاجزة على الأرض بلا مقاومة ..؟؟ البطولة الحقيقية تقاس بالهجوم الجسور والنجاح فى المبارزات الجوية فى السماء بين طيارين نداً لبعضهم البعض أو طائرات متكافئة أو الهجوم على أهداف أرضية محمية بدفاع جوى قوى و شرسة فى مقاومتها .. هنا فقط تتجلى البطولة والشجاعة الحقيقيتين فى هذا المضمار وعلى هذا المعيار وحده
ــ لايفوتنا الإشادة ببديهة وبراعة وسرعة رد فعل الطيار الإسرائيلى الأخر إيتان كارمى الذى تصرف من واقع إحساسه العالى بالمسئولية وأنه لا بد أن ينقذ إسرائيل بأى شكل من الضربة القادمة حيث لم يقف مكتوف الأيدى أمام الصاروخ المصرى الجبار بوزن طن ونصف الطن حينما فشل فى إصابته بصاروخ طائرته الشفرير فلجأ إلى الإقتراب الخطر لمسافة 300 أو 200 متر من الصاروخ المنطلق فى الجو والتعامل معه بطلقات مدفعه الرشاش دون أن يبالى بالنتيجة على الرغم من خطورتها وفى ذلك شجاعة تحسب له لإنقاذ دولته فى لحظات حرجة

ــ وأخيراً .. كنا نتمنى لو وفق الطيار المصرى فى مهمته نظراً لما كان سينعكس ذلك التوفيق المرجو فى تغيير نتيجة الحرب منذ بدايتها بسرعة حسمها أو سريانها فى مسارات أخرى غير ما صارت عليه بما قد يزيد من مساحة النصر المصرى العظيم لكن منذ متى والتاريخ يعترف بكلمة لو !!.
…………………………………………………………………….
المصــادر :
1 ــ مجلة روزاليوسف عدد أول أكتوبر 1996 ( مقال توحيد مجدى / طيار مصرى يثير الذعر فى تل أبيب)
2 ــ مقال لتوحيد مجدى بعنوان (إنفراد سر الطائرة المصرية فوق تل ابيب ـ موقع المجموعة 73 مؤرخين)
3 ــ إشارة فى كتاب إدجار أوبلانس المترجم تحت عنوان حرب أكتوبر العبور والثغرة 1987
4 ــ موقع جلوبال سكيورتى تحت عنوان العمليات الجوية خلال حرب أكتوبر 1973
5 ــ مقال بعنوان (وثائق إسرائيلية سرية تكشف عمق إسرائيل كان مكشوفاً كان فى مرمى صواريخ المصريين فى الحرب ) ومذكور فيه حديث إيتان إلى جريدة يديعوت أحرونوت وأوردته جريدة المصرى اليوم
صورة الطائرة TU-16
صور مقطعية للقاذفة TU-16

طالع المزيد فى هذه السلسلة:

تاريخ أغفله التاريخ: فى حرب فلسطين هل لجأت إسرائيل إلى استخدام أسلحة فوق تقليدية؟

تاريخ أغفله التاريخ: المساهمة الفلسطينية فى حرب أكتوبر 1973

زر الذهاب إلى الأعلى