مخاطر القرن الأفريقي على الأمن القومي المصري: صوماليلاند (الجزء الخامس)

 كتب: أشرف التهامي

القرن الأفريقي أو شبه الجزيرة الصومالية ‏ هي شبه جزيرة كبيرة ومنطقة جيوسياسية في شرق إفريقيا تقع في الجزء الشرقي من البر الأفريقي الرئيسي، وتعتبر رابع أكبر شبه جزيرة في العالم، وتتكون من إثيوبيا، وإريتريا، والصومال، وجيبوتي، تشمل التعريفات الأوسع أيضًا أجزاءً من كينيا والسودان وجنوب السودان وأوغندا أو كلها. ويمكن أن يشمل مصطلح منطقة القرن الأكبر كل من بوروندي ورواندا وتنزانيا.
يقع القرن الأفريقي على طول الحدود الجنوبية للبحر الأحمر ويمتد مئات الكيلومترات داخل مضيق غواردافوي وخليج عدن والمحيط الهندي ويشترك في حدود بحرية مع شبه الجزيرة العربية في غرب آسيا.

إقليم أرض الصومال (صوماليلاند)

التركيبة السكانية والدين
يبلغ تعداد سكان جمهورية أرض الصومال 3.5 مليون نسمة، ومعظم السكان المحليين ينتمون إلى العرق الصومالي. ومن ناحية ثانية، نجد أن 55 بالمئة من السكان من البدو الرحل أو شبه الرحل «سكان البادية»، بينما يعيش 45 بالمئة من السكان في المراكز الحضارية أو المدن، والتي تشمل العاصمة هرجيسا التي يقدر عدد سكانها بحوالي 650 ألف نسمة، ومدن أخرى مثل بورعو وبورما وبربرة وعيريجابو ولاس عانود.ويدين 100 بالمئة من السكان الإسلام، وفق المذهب الشافعي.

صوماليلاند بالصومالية (Jamhuuriyadda Soomaaliland) ‏، جمهورية أعلنت استقلالها عن بريطانيا عام 1960، واعترفت بها أكثر من 34 دولة عضو في الأمم المتحدة. (ولكن الشعب كان يريد تأسيس بلد لكل المتحدثين باللغة الصومالية (في منطقة الصومال الكبير ابتداًء من جيبوتي حاليًا إلى إقليم NDF في كينيا. ذلك الحلم بدأ بالاتحاد مع الصومال(الجنوب).

 

وبعد 18 عام من الوحدة قامت الحرب الأهلية والتي قُتل فيها ما يقارب من ربع مليون مدني. وبعد استيلاء الحركة الوطنية SNM وهزيمتها للحكومة، أعادت صوماليلاند إعلان استقلالها عام 1990 ولكن لم تنل اعترف رسميًا بها.
تقع صوماليلاند في القرن الأفريقي على شاطئ خليج عدن وبالتحديد في شمال الصومال. تحدها إثيوبيا من الغرب وجيبوتي من الشمال الغربي و‌خليج عدن من الشمال.
في عام 1988 تسبب الرئيس محمد سياد بري بعد استيلائه على السلطة وإقامة نظام عسكري ثوري في ظهور أزمات كبيرة واتهامات بمجازر كانت من جملة المسببات التي أدت إلى الحرب الأهلية الصومالية، مما أدى لانهيار البنية التحتية والاقتصاد الصومالي؛ فضلا عن تدهور وضع المؤسسة العسكرية الصومالية؛ مما أدى لانهيار الحكومة المركزية. وعقب انهيار الحكومة المركزية في عام 1991، أعلنت الحكومة المحلية بقيادة الحركة الوطنية (SNM) الاستقلال عن بقية الصومال، وكان ذلك في 18 مايو من العام نفسه.
منذ ذلك الحين، أصبحت صوماليلاند تتمتع بدرجة عالية من الاستقرار والأمن مقارنة ببقية أراضي الصومال. وتحتفظ حكومة صوماليلاند بعلاقات غير رسمية مع بعض الحكومات الأجنبية التي أرسلت وفوداً بروتوكولية إلى العاصمة هرجيسا. كما تملك إثيوبيا مكتباً تجارياً في هرجيسا. ومع ذلك، لا تزال أرض الصومال التي أعلنت الانفصال من طرف واحد عن بقية الإقليم الصومالي غير معترف بها من قبل أية دولة أو منظمة دولية.

الاستعمار البريطاني

في نهاية القرن التاسع عشر وبعد أن قامت الدول الاستعمارية الأوروبية بتجزئة أفريقيا إلى مستعمرات؛ انقسمت القومية الصومالية المتمركزة في القرن الأفريقي إلى خمسة أجزاء، هي:
1- صوماليلاند (شمال الصومال)، واستعمرتها بريطانيا.
2- الصومال (جنوب الصومال)، واستعمرتها إيطاليا.
3- جيبوتي (جمهورية جيبوتي حاليا)، واستعمرتها فرنسا.
4- مناطق هاود وضواحيها؛ التي قامت بريطانيا بإهدائها لدولة إثيوبيا.
5- مناطق الحدود الشمالية لدولة كينيا، حيث قامت بريطانيا بضمها إلى كينيا.
كان مؤتمر “برلين” 1884-1885 م بداية للوجود الأجنبي الفعلي؛ ليس في القرن الإفريقي بل في سائر بقاع القارة الإفريقية، واستطاعت المملكة المتحدة أن تشمل أجزاء كبيرة من بلاد الصومال تحت حمايتها، تأمينًا للضفة الأخرى من خليج عدن، الذي كان معبرًا ازدادت أهميته الاستراتيجية عقب حفر قناة السويس.
وقد أخذت مقاومة أهل أرض الصومال أشكالا متعددة، منذ الاشتباك الأول للبريطانيين مع أهالي مدينة “بربرة”، وتوقيع المعاهدة الأولى، التي حددت نمطًا من المعاهدات والاتفاقيات، مرورًا بحركة (الدراويش) بقيادة “محمد بن عبد الله حسن”، وصولًا للمطالبة السياسية النامية بتسريع إجراءات نقل السلطة للوطنيين الصوماليين عقب الحرب العالمية الثانية.
كان البدء مع قدوم قوافل الاحتلال البريطاني لجمهورية أرض الصومال. وقد هاجمت قوات الاحتلال البريطاني سنة 1904 قوات الدراويش التابعة للزعيم الصومالي «سيد محمد بن عبد الله» الذي كان يلقبه البريطانيون بـ «الملا المجنون»، وأوقعت إصابات بالغة بين قواته. وقد استمر الملا في محاربة الاستعمار البريطاني للصومال حتى سنة 1920م؛ عندما لجأت بريطانيا إلى الطيران لقصف مواقع الثوار، ثم جاءت وفاة الملا لتضع حدا لثورته الإسلامية.
في حرب عالمية ثانية غزت إيطاليا على أرض الصومال البريطانية في حملة عسكرية في شرق إفريقيا وقعت في أغسطس 1940 بين القوات الإيطالية وقوات عدة دول بريطانية ودول الكومنولث. كانت الحملة الإيطالية جزءًا من حملة شرق إفريقيا.

آفاق النفط في أرض الصومال في مناطق صوماليلاند مع تقديرات 5 مليارات برميل في المنطقة الواقعة شرق هرجيسا وجنوب بربرة.

آفاق النفط في أرض الصومال في مناطق صوماليلاند مع تقديرات 5 مليارات برميل في المنطقة الواقعة شرق هرجيسا وجنوب بربرة
آفاق النفط في أرض الصومال في مناطق صوماليلاند مع تقديرات 5 مليارات برميل في المنطقة الواقعة شرق هرجيسا وجنوب بربرة

الاستقلال والوحدة

وفي شهر يونيو من عام 1960م كانت جمهورية أرض الصومال أول الأراضي الصومالية التي تنال استقلالها عن الاستعمار البريطاني، حيث تم رفع أول علم صومالي في مدينة هرجيسا عاصمة أرض الصومال في 26 يونيو عام 1960م، وبعدها بخمسة أيام أي في 1 يوليو 1960م حصل جنوب الصومال على استقلاله عن الاستعمار الإيطالي.
ومحاولة لتحقيق الحلم الذي كان يراود أبناء أرض الصومال لوحدة الأجزاء الخمسة للقومية الصومالية لتكوين الصومال الكبرى في القرن الأفريقي، قام صانعو القرار في جمهورية أرض الصومال بزيارة لإخوانهم في الجنوبي الصومالي لعرض فكرة وحدة الشطرين الشمالي والجنوبي للبلاد من أجل المواصلة لتحرير باقي أجزاء الأراضي الصومالية الكبرى وتحقيق الحلم الكبير. ورغم الشروط التعجيزية التي وضعها الإخوة في الجنوب لقبول الوحدة مثل أن تكون لأهل الجنوب الرئاسة ورئاسة الوزراء، ورئاسة مجلس النواب وكذلك الحقائب المهمة في مجلس الوزراء؛ إلا أن صانعو القرار في جمهورية أرض الصومال وافقوا على كل الشروط كما هي مردّدين مقولة شهيرة في تاريخ الصومال الحديث:” نحن هنا من أجل الوحدة بدون قيد أو شرط”، وقاموا بتسليم السلطة للإخوة في صوماليا، وتنازلوا عن مناصبهم جميعا، وتم الإعلان عما كان يسمى بوحدة الشطري الجنوبي والشمالي للصومال في 1 يونيو 1960م باسم جمهورية الصومال.
في بداية عام 1961م؛ أي بعد الاستقلال والوحدة بأقل من عام؛ زاد شعور شعب أرض الصومال بأن الإخوة في الجنوب ليسوا جادين فيما يتعلق بالصومال الكبرى، وأنهم ارتكبوا خطأ كبيرا عندما سلموا دولتهم لهم. واستقال جميع ممثلي أرض الصومال في مجلس النواب استقالة جماعية بعد أن اكتشفوا أن الحلم الذي كان يراودهم؛ والذي ضحوا بدولتهم وسيادتهم من أجله حلم عسير المخاض، وأن تأسيس دولة الصومال الكبرى لن يتحقق ما لم يكن هدفا لكل القومية الصومالية. وفي نفس الفترة حاول عدد من ضباط الجيش المنتمين لإقليم أرض الصومال القيام بمحاولة انقلاب فاشلة كان هدفها إعادة سيادتهم.
استمر الوضع على ما كان عليه إلى أن قام الجيش بانقلاب الحكومة المدنية في عام 1969م بقيادة عميد الجيش محمد سياد بري، وهو من أبناء الجنوب. وتوقع أهالي أرض الصومال أن يكون هذا التغيير استهلالة لتصحيح الوضع، وأن يكون الجيش نصرة لحقوقهم المسلوبة. ألا أن مرور الأيام والسنوات لم يصحبه تغير في الأوضاع المختلفة، وبخاصة المشاريع التنموية التي كان 90% منها يذهب للشطر الجنوبي.
في السبعينات من القرن العشرين كان الجيش الصومالي يعتبر أقوى الجيوش الأفريقية (الثالث من حيث العدد والعدّة) بعد مصر ونيجيريا. وفي عام 1977م شنَّ الجيش الصومالي حربا على إثيوبيا، وحقق انتصارا كبيرا سيطر؛ حيث خلال فترة وجيزة على كل أجزاء القوميات الصومالية التي احتلتها إثيوبيا؛ إلى أن تدخلت القوى الدولية الكبرى حينها (لاتحاد السوفيتي وبمباركة أمريكية)، وطردت الجيوش الصومالية إلى الحدود المعترفة بها دوليا، ومن هنا بدأ انهيار دولة الصومال.
هنا بدأ واضحا أن فكرة الصومال الكبرى باءت بالفشل، وأن هذا الحلم الكبير لن يتحقق ما لم يكن هدفا قوميا تكافح من أجله كل القوميات الصومالية. وفي نفس الفترة حصلت جيبوتي على استقلالها عن الاستعمار الفرنسي باسم جمهورية جيبوتي، وقرر أهلها عدم الانضمام إلى الدولة الصومالية؛ متأثرين في قرارهم بما حصل لجيرانهم أرض الصومال الذين خسروا سيادتهم من أجل هدف يواجه هذا القدر من الصعوبات.
لهذه العوامل، قرر أهالي أرض الصومال المطالبة بحقوهم السيادية، وفتحوا باب المفاوضات مع الجنوبيين الذين كانو يسيطرون على الحكم بواسطة المؤسسة العسكرية التي يرأسها الرئيس محمد سياد بري الذي أصبح فيما بعد واحدا من أكبر دكتاتوريي القارة السمراء. فالحكومات التي تناوبت على الحكم (المدنية منها والعسكرية) لم يولوا إقليم أرض الصومال العناية اللازمة من احتياجاته من المشاريع التنموية التي تمت في البلاد عقب الاستقلال؛ حيث لم تحصل أرض الصومال سوى على 5% فقط من المشاريع التنموية خلال هذه الفترة التي كانت قد بلغت 20 عاما. وكانت هذه النسبة متمثلة في مصنع الأسمنت في بربرة، والذي اشتغل بطاقة إنتاجية محدودة، بالإضافة إلى عدد قليل من الطرق بين المدن الرئيسية.

الحركة الوطنية الصومالية واضطهاد سياد بري

تآكلت السلطة الأخلاقية لحكومة بري تدريجياً، حيث أصيب العديد من الصوماليين بخيبة أمل من الحياة تحت الحكم العسكري. بحلول منتصف الثمانينيات، انتشرت حركات المقاومة المدعومة من قبل الإدارة الشيوعية الإثيوبية في جميع أنحاء البلاد. ورَدّ بري بإصدار أوامر بتدابير عقابية ضد من اعتبرهم يدعمون الميليشيات محليًا، خاصة في المناطق الشمالية. تضمنت حملة القمع قصف المدن، مع مركز إداري شمال غرب هرجيسا، أحد معاقل الحركة الوطنية الصومالية، من بين المناطق المستهدفة في عام 1988. قاد القصف اللواء محمد سعيد حرسي مورغان، صهر بري.
وفقًا لأبو جنك وعلماء آخرين، اتسم حكم نظام بري باضطهاد وحشي مستهدف لعشيرة إسحق. أكد محمد حاجي إنجيريس وكريس مولين ذكروا أن الحملة التي شنها نظام بري ضد الحركة الوطنية الصومالية ومقرها هرجيسا استهدفت عشيرة إسحاق، والتي كان معظم أفرادها تنتمي الحركة الوطنية الصومالية. يشيرون إلى حملة القمع على أنها إبادة جماعية في إسحاق أو محرقة هرجيسا. خلص تحقيق للأمم المتحدة إلى أن جريمة الإبادة الجماعية «تم تصورها وتخطيطها وارتكابها من قبل الحكومة الصومالية بحق أهالي إسحق»، ويقدر عدد الضحايا المدنيين بما يتراوح بين 50.000 و 100.000 بحسب مصادر مختلفة، فيما تقدر بعض التقارير عدد الضحايا المدنيين. أن يصل مجموع القتلى المدنيين إلى ما يزيد عن 200.000 مدني من إسحاق. إلى جانب القتلى، قصف نظام بري ودمّر ثاني وثالث أكبر مدن الصومال، هرجيسا وبوراو على التوالي. أدى ذلك إلى نزوح ما يقدر بنحو 400000 من السكان المحليين إلى هارتشيخ في إثيوبيا؛ كما نزح داخليا 400 ألف شخص آخر. استهدفت عملية مكافحة التمرد من قبل نظام بري ضد الحركة الوطنية الصومالية قاعدة الدعم المدنية للجماعة المتمردة، وتصاعدت إلى هجوم إبادة جماعي ضد عشيرة إسحق. أدى ذلك إلى فوضى وحملات عنيفة من قبل الميليشيات المجزأة، والتي انتزعت السلطة بعد ذلك على المستوى المحلي. لم يقتصر اضطهاد نظام بري على إسحاق، حيث استهدف عشائر أخرى مثل الهوية. انهار نظام بري في يناير 1991. وبعد ذلك، ومع استقرار الوضع السياسي في أرض الصومال، عاد النازحون إلى ديارهم، وتم تسريح الميليشيات أو دمجها في الجيش، وأعيد بناء عشرات الآلاف من المنازل والشركات من تحت الأنقاض.

الانفصال

5 مايو قرار مؤتمر برعو الكبير. في الاجتماع الوطني الثاني في 18 مايو، أعلنت اللجنة المركزية للحركة الوطنية الصومالية، بدعم من اجتماع شيوخ يمثلون العشائر الرئيسية في المناطق الشمالية، استعادة [[دولة أرض الصومال|جمهورية أرض الصومال]] في أراضي محمية الصومال البريطاني السابقة وتشكيلها حكومة للدولة المعلنة من جانب واحد.
بعد أن تمكنت الحركة من تحرير أراضيها قامت بتنظيم موْتمر في مدينة برعو، وهو المؤتمر الدي عرف باسم “مؤتمر برعو للمصالحة وتقرير المصير”؛ وذلك بمشاركة قيادات الحركة التحريرية، وزعماء وشيوخ القبائل، والسياسيين، ورجال الفكر، وممثلون من كافة شرائح المجتمع. وتم خلال هذا المؤتمر مناقشة كل وجهات النظر الحاضرة في الموْتمر بصدد مستقبل الإقليم، وانتهى الاجتماع باتفاق الجميع على الإعلان عن استعادة الاستقلال وقيام جمهورية أرض الصومال في 18 مايو 1991م على حدودها المعترف بها عام 1960م، كما كتبت مسودة الدستور المؤقت للبلاد الذي كان من أهم بنوده عودة سيادة أرض الصومال، وترك الحكم لحركة تحرير أرض الصومال لفترة مدتها سنتين؛ يتم خلالها وضع الدستور، واستكمال عملية المصالحة لتشمل البلاد عموما. وتم انتخاب رئيس الحركة حينها السفير عبد الرحمن أحمد علي ليكون أول رئيس لجمهورية أرض الصومال، وانتخب حسن عيسى جامع نائبا له للفترة الانتقالية.
ورغم وجود بعض العقبات في الفترة الانتقالية، إلا أنها مرت بنجاح، وقامت الحركة بتسليم السلطة لمجلس الشيوخ وهو مجلس مكون من زعماء القبائل الذين يملكون صلاحيات واسعة وهيبة كبيرة داخل المجتمع، وكان ذلك في مؤتمر بورما في عام 1993م. وخلال هذا المؤتمر الذي حظي بحضور كبير من أصحاب الشأن، صدر البيان الختامي الذي أكد فيه قيادات التكوينات الاجتماعية والسياسية التمسك بسيادة جمهورية أرض الصومال على حدودها المعترف بها دوليا قبل عام 1960م. وتم في هذا الموْتمر انتخاب السياسي المخضرم محمد حاجي إبراهيم عقال رئيسا والعميد عبد الرحمن شيخ علي نائبا للرئيس، كما تمت تسمية أعضاء مجلسي النواب والشيوخ وعددهم 164 عضوا؛ نصفهم يمثل مجلس الشيوخ والنصف الآخر يمثل مجلس النواب. وكان أهم الأعمال الموكلة للحكومة الجديدة إنجاز المسودة النهائية للدستور الرسمي للبلاد وعرضه على الشعب للاستفتاء، واستكمال عملية نزع السلاح من الميليشيات القبلية، وتأسيس مؤسسات أمنية وعسكرية لفرض النظام وحماية البلاد.
وفي عام 1997م، تم انتخاب الرئيس محمد حاجي إبراهيم عقال رئيسا لفترة ثانية لكي يستمر في استكمال أعمال بناء الدولة التي بدأها، وانتخب طاهر ريالي كاهن نائبا له لفترة 4 سنوات.
الاستفتاء الدستوري في صوماليلاند
في أغسطس 2000، وزعت حكومة الرئيس إيغال آلاف النسخ من الدستور المقترح في جميع أنحاء أرض الصومال لينظر فيها ويراجعها الشعب. أحد البنود الحاسمة في المواد الفردية البالغ عددها 130 مادة من الدستور تصادق على استقلال أرض الصومال المعلن ذاتيًا والانفصال النهائي عن الصومال، واستعادة استقلال الأمة لأول مرة منذ عام 1960. في أواخر مارس 2001، حدد الرئيس إيغال موعدًا للاستفتاء على دستور 31 مايو 2001.
تم إجراء استفتاء دستوري في أرض الصومال في 31 مايو 2001. وأجري الاستفتاء على مشروع دستور أكد استقلال أرض الصومال عن الصومال. شارك 99.9% من الناخبين المؤهلين في الاستفتاء وصوت 97.1% منهم لصالح الدستور.

بناء الدولة

واستمرت عملية بناء الدولة، وقام نظام تعددية حزبية تنافس فيه الأحزاب السياسية المختلفة على الحكم في انتخابات عامة. ونجحت ثلاثة أحزاب في اجتياز شروط الأحزاب الوطنية التي نص عليها الدستور، وهم (حزب اتحاد الأمة – أدوب) برئاسة الرئيس محمد حاجي إبراهيم عقال، و (حزب التضامن للتنمية – كولميي) برئاسة أحمد محمد سيلانيو، و (وحزب العدالة – أعيد) برئاسة السياسي الجديد في الساحة السياسية فيصل علي حسين.
وفي عام 2002م توفي الرئيس محمد حاجي إبراهيم عقال أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا. ورغم مرارة الخبر المتمثل معنويا في وفاة رجل اعتبره شعب أرض الصومال الموْسس والأب الروحي للبلد؛ إلا أن ذلك لم يعرقل مسيرة تكريس الديمقراطية في البلد الوليد. وعقب فترة قصيرة، أعلن مجلس الشيوخ برئاسة الشيخ إبراهيم شيخ مطر انتخاب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيسا للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية، واختير عضو مجلس النواب آنذاك أحمد يوسف ياسين نائبا للرئيس في انتقال سلس ودستوري للسلطة.
في عام 2003م، أجريت أول انتخابات رئاسية في أرض الصومال، تنافس فيها رؤوساء الأحزاب الثلاثة، وأسفرت عن فوز حزب اتحاد الأمة –أدوب – بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن ونائبه أحمد يوسف ياسين بفارق بسيط لا يتعدى الثمانون صوتا عن السياسي البارز أحمد محمد سيلانيو. ورغم هذا الفارق البسيط في النتيجة إلا أن جميع الأحزاب رحبت بالنتيجة المعلنة من لجنة الانتخابات.
بعد ذلك بسنتين أي في عام 2005م، حان موعد انتخاب مجلس النواب المكوّن من 82 مقعدا، والتي تنافس فيها 246 مرشحا عن الأحزاب الثلاثة. وانتهت هذه الانتخابات بفوز حزبي المعارضة بثلثي الأصوات بينما حصل الحزب الحاكم على ثلث أصوات الناخبين؛ مما أعطى أحزاب المعارضة الحق في رئاسة مجلس النواب، وانتخب عبد الرحمن عيرو من حزب العدالة رئيسا لمجلس النواب والأستاذ عبد العزيز سمالي من حزب التضامن نائبا له.
واستمرت مسيرة التقدم في البلاد رغم كل المعوقات الاقتصادية التي واجهتها في هذه الفترة، وكان أهمها مقاطعة دول الخليج للمواشي القادمة من القرن الأفريقي، والظروف الأخرى المحيطة من حروب تدور في جنوب الصومال وقراصنة البحار. ومع كل ذلك، تمكنت أرض الصومال من أن تحافظ علي أمنها واستقرارها، وأن تكمل مسيرة بناء دولة عصرية تعتمد على المؤسسات المنتخبة ديمقراطيا من قبل شعبها.
وفي شهر يونيو من عام 2010م؛ أجريت ثاني انتخابات رئاسية للبلادن تنافس فيها الأحزاب الثلاثة، وتمكن السياسي أحمد محمد محمود سيلانيو ونائبه عبد الرحمن زيلعي من الفوز برئاسة البلاد لفترة خمسة سنوات، وتم تنصيبه رئيسا للبلاد في يوليو من نفس العام. ولأول مرة حضر حفل تنصيب الرئيس وفود رفيعة المستوى تمثل دور الجوار، بالإضافة إلى ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أفريقية عديدة.

العلاقات الخارجية

صوماليلاند لديها اتصالات سياسية مع جيرانها إثيوبيا وجيبوتي، دولة غير عضو في الأمم المتحدة جمهورية الصين،وكذلك مع جنوب إفريقيا،السويد، في المملكة المتحدةوأمة ليبرلاند الدقيقة. في 17 يناير 2007، أرسل الاتحاد الأوروبي وفدًا للشؤون الخارجية لمناقشة التعاون المستقبلي. أرسل الاتحاد الأفريقي (AU) وزير خارجية لمناقشة مستقبل الاعتراف الدولي، وفي 29 و30 يناير 2007، صرح الوزراء بأنهم سوف تناقش الاعتراف مع الدول الأعضاء في المنظمة. في أوائل عام 2006، وجهت الجمعية الوطنية لويلز دعوة رسمية إلى حكومة أرض الصومال لحضور الافتتاح الملكي مبنى سنيد في كارديف. واعتبرت هذه الخطوة بمثابة اعتراف من قبل الجمعية الويلزية بشرعية الحكومة المنشقة. ولم يعلق وزارة الخارجية والكومنولث على الدعوة. ويلز هي موطن لجالية صومالية مغتربة كبيرة من أرض الصومال.
في عام 2007، كان وفد بقيادة الرئيس كاهين حاضرًا في اجتماع رؤساء حكومات الكومنولث في كمبالا، أوغندا. على الرغم من أن أرض الصومال تقدمت بطلب للانضمام إلى الكومنولث بموجب وضع مراقب، إلا أن طلبها لا يزال معلقًا.
في 24 سبتمبر 2010، صرح جوني كارسون، مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، أن الولايات المتحدة سوف تعدل استراتيجيتها في الصومال وستسعى إلى مشاركة أعمق مع حكومتي أرض الصومال وبونتلاند مع الاستمرار في دعم الصومال. الحكومة الانتقالية. قال كارسون إن الولايات المتحدة سترسل عمال إغاثة ودبلوماسيين إلى بونتلاند وأرض الصومال وألمح إلى إمكانية مشروعات التنمية المستقبلية. ومع ذلك، أكد كارسون أن الولايات المتحدة لن توسع الاعتراف الرسمي بأي من المنطقتين.
التقى وزير إفريقيا البريطاني آنذاك، هنري بيلينجهام، برئيس صوماليلاند سيلانيو في نوفمبر 2010 لمناقشة السبل التي يمكن من خلالها زيادة مشاركة المملكة المتحدة مع أرض الصومال. قال الرئيس سيلانيو خلال زيارته إلى لندن: “لقد عملنا مع المجتمع الدولي وكان المجتمع الدولي يتواصل معنا، ويقدم لنا المساعدة ويعمل معنا في التحول الديمقراطي وبرامج التنمية. ونحن سعداء جدًا بالطريقة التي يتعامل بها المجتمع الدولي معنا، ولا سيما المملكة المتحدة والولايات المتحدة والدول الأوروبية الأخرى وجيراننا الذين يواصلون السعي للحصول على الاعتراف.”
تم أيضًا دعم الاعتراف بأرض الصومال من قبل المملكة المتحدة من قبل حزب استقلال المملكة المتحدة، الذي جاء في المرتبة الثالثة في التصويت الشعبي في الانتخابات العامة لعام 2015. التقى زعيم UKIP، نايجل فاراج مع علي عدن أوالي، رئيس بعثة المملكة المتحدة في أرض الصومال في اليوم الوطني لأرض الصومال، 18 مايو، في عام 2015، للتعبير عن دعم UKIP لأرض الصومال. قال نايجل فراج إن «أرض الصومال كانت منارة للسلام والديمقراطية وسيادة القانون في القرن الأفريقي على مدار الـ 24 عامًا الماضية. لقد حان الوقت لأن تعترف المملكة المتحدة وبقية المجتمع الدولي بقضية أرض الصومال للاعتراف بها.لقد حان الوقت لمكافأة السلام. بالنسبة للمملكة المتحدة أن تدير ظهرها لمطالبها المشروعة بالسيادة، فهذا أمر خاطئ. ومن غير العادي أننا لم نضغط من أجل قبولهم في الكومنولث. وفي السنوات الأخيرة، أيدنا قبول دول مثل موزمبيق التي ليس لها روابط تاريخية ببريطانيا، لكن أرض الصومال، المحمية السابقة تُركت في البرد. هذا يجب أن يتغير”.
في عام 2011، دخلت كل من أرض الصومال ومنطقة بونتلاند المجاورة في مذكرة تفاهم متعلقة بالأمن مع سيشيل. في أعقاب إطار اتفاق سابق تم توقيعه بين الحكومة الاتحادية الانتقالية وسيشيل، تنص المذكرة على “نقل الأشخاص المدانين إلى سجون “بونتلاند” و”صوماليلاند”.: “دخلت حكومة سيشيل في اتفاق مع الحكومة الاتحادية الانتقالية، ومذكرات تفاهم مع سلطات” بونتلاند “و” صوماليلاند “، من أجل نقل المدانين إلى سجون” بونتلاند “و” صوماليلاند “. كما هو مبين في القسم أعلاه المتعلق بالصومال، يتطلب كل نقل مقترح بموجب هذه الترتيبات طلبًا من سلطات سيشيل وموافقة السلطات الصومالية ذات الصلة “.
في 1 يوليو 2020، وقعت أرض الصومال وتايوان اتفاقًا لإنشاء مكاتب تمثيلية لتعزيز التعاون بين البلدين.

التقسيم الإداري

تنقسم جمهورية أرض الصومال إلى 6 أقاليم، وهي: الاقاليم الستة الكبيرة:
1- إقليم مرودي جيح: وعاصمة الإقليم هي مدينة العاصمة هرجيسا عاصمة البلاد
2- إقليم توغدير: وعاصمة الإقليم هي مدينة بورعو وهي العاصمة الثانية للبلاد
3- إقليم عدل: وعاصمة الإقليم هي مدينة بورما
4- إقليم سناج: وعاصمة الإقليم هي مدينة ايرجافو
5- إقليم صول: وعاصمة الإقليم هي مدينة لاس عانود
6- إقليم ساحل: وعاصمة الإقليم هي مدينة بربرة
الموانئ

ميناء جديد لمحطة حاويات موانئ دبي العالمية بربرة.
ميناء جديد لمحطة حاويات موانئ دبي العالمية بربرة.

في يونيو 2016، وقعت حكومة أرض الصومال اتفاقية مع موانئ دبي العالمية لإدارة ميناء بربرة بهدف تعزيز القدرة الإنتاجية والعمل كميناء بديل لإثيوبيا غير الساحلية.

اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال

في الأول من يناير 2024 أعلن رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد التوصل إلى اتفاق تمنح بمقتضاه “جمهورية” أرض الصومال (غير المعترف بها دوليا) إثيوبيا مرفأ على البحر الأحمر يطل على خليج عدن.
ولم يمض يومان على ذلك الإعلان إلا وأكده بيان رسمي إثيوبي، واندلعت المظاهرات في مقديشو عاصمة دولة الصومال المركزية احتجاجا على الاتفاق الذي فتح الباب أمام اعتراف أديس أبابا بأرض الصومال دولة مستقلة.
ومن المرجح أن تفيد الصفقة بشكلها المعلن كلا الطرفين، ولكن حتى لو لم يتم تنفيذ الاتفاق بشكل كامل فإنه كفيل بإعادة صياغة التوازن الإقليمي وخارطة التحالفات الجيوسياسية على ضفتي هذا الجزء من جنوب البحر الأحمر، ناهيك عن إحياء صراعات قديمة في هذا الجزء المضطرب من أفريقيا.
وتبدو إثيوبيا مستعدة لأن تكون الدولة الوحيدة التي تعترف بـ”جمهورية” أرض الصومال مقابل الوصول إلى البحر الأحمر رغم أن هذا الإعلان أثار غضب دول شرق أفريقيا، حيث يمكن أن يشعل التحالف الجديد الصراع من جديد في المنطقة المضطربة بالفعل.
ومنذ أن فقدت إثيوبيا سواحلها على البحر الأحمر عقب استقلال إريتريا في العام 1993 باتت طموحات أديس أبابا الإمبراطورية للهيمنة على القرن الأفريقي مرهونة بإيجاد موطئ لقدمها على البحر الأحمر مرة أخرى.
فمنذ فقدانها سواحل إريتريا يزعم الإثيوبيون أن بلادهم تعرضت لعملية سطو لجزء أصيل من أراضيها، وذلك على الرغم من أن إريتريا حصلت على استقلالها من خلال تفعيل مواد الدستور الإثيوبي التي منحت أسمرا الحق في استعادة استقلالها.
وفي أكتوبر 2023 ترجم رئيس الوزراء آبي أحمد تلك الدعاوى الشعبوية بتصريحه بأن البحر الأحمر هو “الحدود الطبيعية” لإثيوبيا، زاعما أن الإثيوبيين لا يمكنهم أن يحيوا داخل هذا “السجن الجغرافي”.
وبشأن هذه المزاعم الإثيوبية والتي تساق كمبرر للاتفاقية التي أبرمتها مع أرض الصومال التي تمثل انتهاكا صارخا لميثاق الاتحاد الأفريقي أكد البروفيسور توماس ماندروب الأستاذ في معهد دراسات الحرب والإستراتيجية بكلية الدفاع الملكية الدانماركية للجزيرة نت أن ما شهدته إثيوبيا في عام 1993 جرى طبقا لدستورها الاتحادي.
واستطرد البروفيسور قائلا “أما فيما يتعلق باتفاقية استئجار إثيوبيا جزءا من ساحل أرض الصومال فإن ما شاب الاتفاقية من حديث عن اعتراف الأولى باستقلال الأخيرة فإنه يمثل اعتداء على السيادة الوطنية وتهديدا لها”.
وعلى مدى العقود الماضية اعتمدت إثيوبيا على جيبوتي في نقل أكثر من 95% من وارداتها وصادراتها، لكن جيبوتي -التي تستضيف العديد من القواعد العسكرية الأجنبية-تفرض على إثيوبيا رسوما للموانئ بما يتجاوز مليار دولار سنويا، وهو الأمر الذي أنهك الاقتصاد الإثيوبي المنهك بالفعل، والذي وصل إلى حد أن فشل في سداد ديونه الخارجية مؤخرا، مما جعل الوصول المباشر إلى البحر الأحمر طوق نجاة له.

ماذا جاء بالاتفاق و ما أهميته؟

وبموجب الاتفاق مع أرض الصومال، ستؤمّن إثيوبيا وصولا أقل تكلفة وأكثر اعتمادية إلى البحر الأحمر عبر ميناء بربرة، وذلك باستئجار شريط ساحلي بطول 20 كيلومترا لمدة 50 عاما يسمح لها أيضا ببناء قاعدة بحرية وتطوير ميناء تجاري على خليج عدن الإستراتيجي، وهي منطقة -على عكس جيبوتي-ليست مركزا إقليميا، على الأقل حتى الآن.
ويتضمن الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال العديد من بنود التعاون، بما في ذلك بنود لجلب الاستثمار إلى ميناء بربرة وعلى طول الممر التجاري بربرة-هرجيسا -واجالي، وستحصل أرض الصومال -بموجب الاتفاق- على حصة 20% من الخطوط الجوية الإثيوبية، بالإضافة إلى تعاون عسكري على مستوى عال مع أديس أبابا، ولكن يبقى السؤال هو ما إذا كانت إثيوبيا ستعترف رسميا باستقلال أرض الصومال، وهو الأمر الذي أصبح أكثر إلحاحا وتعقيدا بعد اكتشاف احتياطيات النفط مؤخرا قبالة ساحل أرض الصومال، وهو ما يحرص الطرفان على عدم الترويج له.

يشكل تهديدا حيويا للأمن القومي

وقوبلت الصفقة بحماسة في أرض الصومال، لكنها في الوقت نفسه أثارت احتجاجات، فبعد أسبوع فقط من الإعلان عن الاتفاق وفي 8 يناير استقال وزير الدفاع عبد الغني محمود عطية احتجاجا على الاتفاق، منتقدا رئيسه موسى عبدي لعدم استشارة مجلس الوزراء بشأن صفقة الميناء وأنهم علموا بمذكرة التفاهم من وسائل الإعلام الخاصة، وأن الاتفاق يسمح للقوات الإثيوبية بدخول أرض الصومال، مما يشكل تهديدا حيويا للأمن القومي.
وينحدر عطية من منطقة أودال في أرض الصومال، حيث يقال إن إثيوبيا تريد إقامة قاعدتها العسكرية في مدينة لوجايا الساحلية.
من جانبه، أعلن الصومال أن الاتفاق لاغ وباطل، واصفا إياه بأنه عدوان مباشر على سيادته وسلامة أراضيه، وأنه يتعارض مع سياسة الصومال الواحد ويضعف جهود تحقيق الاستقرار في مقديشو.
وفي عام 2006 تدخلت إثيوبيا عسكريا في الصومال وأوقعت هزيمة كبيرة باتحاد المحاكم الإسلامية الذي كان يسيطر على أجزاء من البلاد، وهو ما اعتبرته حركة الشباب غزوا تطور إلى احتلال إثيوبي، وذلك بالنظر إلى أن القوات الإثيوبية الغازية تحولت لتصبح أكبر الكتائب المشاركة في قوات حفظ السلام بالبلاد.
وقد أدانت حركة الشباب الصفقة بين أرض الصومال وإثيوبيا، ومن المرجح أن تستغلها لكشف نقاط ضعف الحكومة الفدرالية.
وقد تجد الحكومة الصومالية نفسها بين المطرقة والسندان، فقد يكون لتحدي أديس أبابا عواقب على الأمن الصومالي، بالنظر إلى أن القوات الإثيوبية تشكل واحدة من أكبر الوحدات بين مجموعات حفظ السلام في البلاد.
وعلى صعيد إريتريا، فقد أدت طموحات إثيوبيا المتجددة إلى إشعال التوترات القديمة بين الجارتين، وهو ما دفع أسمرا إلى السعي للتقارب مع مقديشو.
أما الاتحاد الأفريقي فقد أعرب عن قلقه وحث جميع الأطراف على ممارسة “ضبط النفس ووقف التصعيد”، فبعد الموجة الأخيرة من الانقلابات العسكرية التي شهدتها القارة تخشى المنظمة أن تسفر الاتفاقية بين أرض الصومال وإثيوبيا عن تجدد عدم الاستقرار في القرن الأفريقي قد يؤدي إلى نزاع مسلح.

الاتفاق سيؤدي إلى تأسيس حركات انفصالية أخرى

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأفريقي يخشى في الوقت ذاته من أن تؤدي الاتفاقية إلى تأسيس سابقة لحركات انفصالية أخرى في القارة فإن هذا التخوف يبدو متعارضا مع تعمد لجنة تقصي الحقائق التابعة للاتحاد الأفريقي في العام 2005، والتي خلصت إلى أن مطالبة أرض الصومال بالاستقلال تعد فريدة من نوعها تاريخيا ومبررة ذاتيا.
وبدا الاتحاد الأفريقي بذلك الوصف الذي أتت عليه لجنة تقصيه للحقائق -المسيطر عليها من جانب إثيوبيا الدولة المضيفة للاتحاد الأفريقي-وكأنه يبقي الباب مواربا لاستقلال محتمل لأرض الصومال.
وبشأن ماهية الإجراءات التي يمكن أن يتخذها الاتحاد الأفريقي بخلاف البيان المعتاد الذي يعبر عن القلق ويحث جميع الأطراف على ممارسة ضبط النفس ووقف التصعيد، أوضح البروفيسور توماس ماندروب أنه لا يمكن للاتحاد الأفريقي قبول تصرف دولة عضوة بما يخالف الميثاق، مشيرا إلى أن الاعتراف بأرض الصومال كأمر واقع ينظر له كعمل عدائي ضد الصومال ومبادئ الاتفاقيات الخاصة بمستقبله.
وقال ماندروب إن أرض الصومال ظلت منطقة مستقرة نسبيا لسنوات وإن امتنعت عن الرغبة في إعادة التوحيد مع بقية الصومال، أما بونتلاند فهي حالة مختلفة حيث إنها تتمتع بالحكم الذاتي، ولكنها ترغب في أن تكون جزءا من الصومال الكبير، وهو الأمر الذي يطرح احتمالين للصراع: الأول أكثر عدوانية ويكون مسلحا، والآخر يكون مكتوما.
أما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة -اللتان استثمرتا بشكل ضخم في تحقيق الاستقرار في الصومال-فإن الاتفاق يمثل تحديا خطيرا، فلأسباب تاريخية وجيوسياسية تعاون البلدان مع قادة أرض الصومال، ولكنهما امتنعا حتى الآن في الاعتراف بها رسميا كدولة.

سيناريوهات ناشئة عن الاتفاق

الشاهد أن الاتفاق أسفر عن توترات جديدة في منطقة مزقتها الحروب، وهو ما يجعل استشراف ما هو قادم محصورا بشكل رئيسي في مشهدين:

المشهد المرجح: توترات متصاعدة

حيث إن طموحات إثيوبيا في الهيمنة من جانب وسعي أرض الصومال إلى الاعتراف بها من جانب آخر كفيلان بأن يؤديا إلى زيادة التوترات الجيوسياسية وتغيير الولاءات الإقليمية، ومن بين تلك التغيرات:
تقارب بدأ بالفعل بين مقديشو والقاهرة.

تعاون أوثق بين مصر وإريتريا

تصادم وشيك بين أديس أبابا وأسمرا، وفي هذا الصدد أكد ماندروب أن الدخول في حرب يعتمد على درجة التحالفات مع الصومال، وهو الأمر الذي ما زال ضبابيا، مضيفا أنه يمكن للاتحاد الأفريقي أن يتوسط، وأن من خلال أجهزته المعنية لا يبدو حتى الآن أنه من المرجح حدوث صراع مسلح بين إثيوبيا وإريتريا.
تنسيق وتعاون وثيق بين جيبوتي وكل من مصر والصومال وإريتريا بالتزامن مع ارتفاع وطيس المنافسة بينها وبين أرض الصومال.
الاتفاق سيؤدي إلى إضعاف عملية بناء الدولة الجارية في الصومال.
المشهد المرجح هو أن التوترات وإعادة صياغة التحالفات في المنطقة لن تصل إلى حد الصراع المسلح الإقليمي، وهذا المشهد لا يتضمن اعترافا دوليا بأرض الصومال، ولكنه سيرسخ وجودها كأمر واقع.

المشهد الأقل ترجيحا: صراع إقليمي

وفي ظل المشهد الثاني الأقل احتمالية فإن التوترات المتصاعدة من شأنها أن تؤدي إلى صراع إقليمي مسلح يشمل العديد من اللاعبين الفاعلين، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من الانقسام.

أثر الاتفاق على مصر

أما مصر فبالنظر إلى نزاعها مع إثيوبيا بشأن مياه النيل فإنها تخشى منافسة محتملة في البحر الأحمر، ومن أن الصفقة محاولة من أديس أبابا لزعزعة استقرار المنطقة وتأكيد هيمنتها.
وقد يكون السبب وراء ذلك هو سياسة آبي أحمد لإحياء القومية الإثيوبية لحشد الإثيوبيين ضد عدو خارجي، وفي هذا المشهد سيتأكد لمصر أن طموحات إثيوبيا في البحر الأحمر -بما في ذلك القاعدة العسكرية على أرض الصومال-تشكل تهديدا وجوديا لأمنها القومي.
ومثل نهر النيل يعد البحر الأحمر حيويا بالنسبة لمصر، حيث تعتبر عائدات قناة السويس -التي وصلت في عام 2023 إلى أكثر من 9 مليارات دولار-أهم مصدر ثابت للعملة الصعبة لها.
ومن الممكن أن تؤدي الصراعات الداخلية إلى إشعال حرب إقليمية، مثل تصعيد الاشتباكات المسلحة في مدينة لاس عانود، وهي العاصمة الإدارية لمنطقة سول في أرض الصومال المتنازع عليها، والتي تقع على طول وادي نوجال الغني بالنفط بين أرض الصومال وبونتلاند، أو هجمات حركة الشباب في إثيوبيا.

زر الذهاب إلى الأعلى