عاطف عبد الغنى يكتب: ثقافة “الكمبوند”
بيان
لاحظت فى معظم الإعلانات التى تروج للتجمعات السكنية المغلقة “الكمبوند” أن تمرينات “اليوجا” بند أساسى فى الإعلان، وفى تلك المشاهد (غالبا ما يؤديها فنانين ومشاهير) يتجاور الرجال والنساء فى جلسات صمت يطلق عليها “ميديتشن”.
ولا تعرف هذه المجتمعات التى تدعى “التحضر” ما وراء هذا الـ”ميدتيشن” ، وحقيقته، أللهم إلا إيهام النفس بالتميز الفئوى والاجتماعى، من خلال ممارسته، وتقليد هذه السلوكيات المستوردة، من حضارة تنتحر وتندحر.
المصطلح عرفته لأول مرة قبل ما يزيد على ربع قرن وكنت أعد لكتاب عن دين العولمة، أو عولمة الدين، وصدر الكتاب فى طبعته الأولى يحمل الاسم الأخير، وفى طبعة تالية جعلت عنوان الكتاب من باب التخفيف: “الدين الأمريكانى”، حيث تنطلق أفراد وجماعات ومنظمات “العولمة” وثقافتها التى تمثل أمريكا رأس حربتها، ورمزها، تروج لعقيدة بديلة عن الأديان الكتابية (المسيحية والإسلام بالأساس) وتستبدل الأروحيات وتمارين “اليوجا” بأديان السماء.
والحكاية فيها جانب سياسى، ضمن مخطط القضاء على العقائد التى تعادى “اليهود” ليتسرب هذا العنصر إلى المجتمعات المستهدفة، بدعاوى قيمية تدعى أنها إنسانية، وتتجاهل فى الحقيقة الأديان وقيمها وتعاليمها، بل وتتضاد معها فى الكثير.
وأظهر وأقبح الممارسات التى أنتجها هذا المخطط ، تجلت فى الانحطاط بعفة المرأة فى الغرب، وتحويلها إلى آلة لنشر الإباحية، بالتزامن مع نشر الشذوذ أو “المثلية” التى يتم الترويج لها تحت دعوى أن الإنسان حر فى جسده، وقس على ما سبق كل سلوكياته نحو الجسد، هذا المفهوم الذى أنتج – أيضا – ما يعرف بـ “الموت الرحيم”.
وقبل أيام قليلة تقدم الرئيس الفرنسى بقانون يقر هذا النوع من قتل النفس بنزع الروح (السر الإلهى ونفخة الله) من الجسد برغبة الإنسان، وما سبق مجرد عينة أخرى من إفساد براءة الحياة، وقليل مما أفرزته ثقافة الغرب الملعونة، وما خفى كان أفظع.
وبالطبع كل ما سبق له علاقة وثيقة بـ “الميدتيشن” الخارج من فلسفات دول وشعوب الشرق الأقصى، هذه الفلسفات المرشحة لأن تكون هى دين العولمة، بديل أديان السماء، وحين نتبنى ممارسة طقوسها فنحن نسرّب عن جهل ثقافة “الدين البديل”، ولا ننتبه، حين نقدمها فى صورة مبهرة لأجيال تكّون ثقافتها، وتصنع تصورارتها وأفكارها من “ميديا” الإعلام الرقمى (الإنترنت والفضائيات والمنصات).
إننا نحقنهم بالمرض، لا نحصنهم ضده، ونبعدهم عن قيم ديننا الحنيف، لصالح قيم كاذبة خداعة، انتجتها ثقافة السوق التى تسلّع الإنسان، أى تحوله إلى سلعة، وللأسف ننجر برغبتنا الآن إلى هذا المنزلق، عن تصور خاطىء أن فيه ما نبتغيه ونبحث عنه من راحة النفس وسلامها، أعازنا الله وأياكم من “الميدتيشن”.