عاطف عبد الغنى يكتب: حكاية “يوم الاثنين المجنون” (1)
يطن في رأسي منذ مدة حكاية دول “النمور الآسيوية”، ولما كنا في شهر الحكايات، تحاصرنا الدراما من كل جانب، والواقعي منها أصعب وأكثر فجاجة من دراما الخيال المؤلفة، قلت لماذا لا نستعيد حكاية دول “النمور الآسيوية” لعلنا نجد فيها العظة والعبرة أكثر من كثير من الدراما الرديئة التي باتت تقتحمنا ليل نهار.
ومن منا لم يسمع من قبل بمصطلح “النمور الآسيوية” الذي أطلق على 4 دول تقع في جنوب شرق آسيا، وهي دول: تايلاند وكوريا الجنوبية، وسنغافورة، وهونغ كونغ.
.. ومن منا لم يسمع عن تجربة هذه الدول في النمو الاقتصادي الهائل الذي حققته خلال حقبة التسعينيات من القرن الماضي؟، ذلك قبل أن يضرب اقتصاديات هذه الدول الانهيار المفاجئ، بين عشية وضحاها، والذي بدأ يوم الاثنين من الأسبوع الرابع لشهر أكتوبر عام 1997.. وهذا اليوم الفارق في تاريخ هذه الدول عُرف فيما بعد باسم “يوم الاثنين المجنون”، وبدأت الأزمة العاصفة تضرب تايلاند، قبل أن تكر باقي “النمور” الأربعة، واحدة تلو الأخرى، ويضيف إليها البعض دول أخرى، في شرق آسيا، لكن تبقى الدول المشار إليها آنفًا، المثال البارز على تجربة اقتصادية مهمة أثارت الدهشة في وقت من الأوقات، ونالت إعجاب العالم، وخاصة الدول النامية والفقيرة، حيث استطاعت دول “النمور” خلال مدة زمنية لا تتجاوز 30 عامًا أن تحقق نموًا اقتصاديًا هائلاً وتطورًا نال استحسان ومديح حكومات الدول، والمؤسسات، وشعوب العالم، وخبراء الاقتصاد خاصة هؤلاء الذين ينتمون إلى مؤسسات العولمة مثل البنك وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية.
وبالأرقام: خلال الفترة من عام 1965 إلى 1980، استطاعت كوريا الجنوبية أن تحقق متوسط معدل نمو سنوي بلغ حوالي 9.6%. وخلال الفترة من 1980 إلى 1990، بلغ هذا المعدل 9.4%. ومن 1990 إلى 1995، بلغ 7.2%.
أما سنغافورة، فبلغت هذه المعدلات خلال الفترات نفسها على التوالي: 10.1%، 6.4%، 8.7%. فيما حققت هونغ كونغ معدلات 8.6%، 6.9%، 5.6%.
وكانت هذه المعدلات للنمو الاقتصادي هي الأعلى على مستوى العالم في هذا الوقت، وتزيد عن ضعف معدلات النمو الاقتصادي في الدول النامية، وأكثر من ثلاثة أضعاف النمو في الدول المتقدمة.
ومع هذا الانتعاش الاقتصادي، زادت في دول النمور معدلات دخل الأفراد، وتحسنت معيشتهم، وارتفعت معدلات الادخار والاستثمار، وزاد الناتج المحلي الإجمالي، وصب هذا بدوره في حجم الإنجازات التي حققتها تلك الدول، قبل أن تضربها صاعقة “الاثنين المجنون” انطلاقًا من تايلاند.
وتؤكد ورقة بحثية وضعها د. جاسم المناعي، أحد خبراء صندوق النقد العربي، أن سببًا أساسيًا من أزمة هذه الدول كان ارتباط عملتها بالدولار.. وعوامل أخرى بالطبع.
وللحديث بقية.
اقرأ للكاتب:
– عاطف عبد الغنى يكتب: ثقافة «الكمبوند»
– عاطف عبد الغنى يكتب: نظام الغذاء العالمي الجديد