“قل شكوتك”.. حفل زفاف دمر حياتي

كتبت: أسماء خليل

“ربما أكون أنا المُخطئة”..هذا هو لسان حالي بشكل دائم، كاد الجنون أن يُطيح بعقلي من كثرة التفكير، أرجح تارة أن ما حدث لي هو قدري حتما لا محالة، وتارة أخري أجدُني المُذنبة فيما حدث لي، لا أعلم ماذا أفعل في حياتي الحاضرة وما هو شكل مستقبلي بعد كل ما حدث لي؟!.

أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لشكوى أرسلتها الفتاة “ج.أ”، عبر البريد الإلكتروني راجيةًمن الله – سبحانه وتعالى – أن تجد من يؤازرها في حل تلك المشكلة التي تصفها بأنها محور حياتها حاليًا.

الشكوى

منذ كنتُ طفلة صغيرة، وأنا أعيش وسط أسرتي بأحدى مدن الوجه القبلي، بروح وجمال الفراشة متناغمة الألوان، طائرة في السماء محلقةً في أفق حب الحياة والبحث عن السعادة والتعلم والأحلام الوردية، أنا “ج.أ”.. فتاة قد تجاوزت العقدين من عمري بخمس أعوام، جميلة جدا كما يصفني الآخرون، حاصلة على بكالوريوس علوم.

أبي وأمي موظفان بأحد مؤسسات الدولة، وأبي يمتلك شقة وقطعة أرض، وأنا ابنتهما الوحيدة؛ مما جعلني أعيش وسطهما مُنعمة بالخيرات، كما أنني حظيت بحب وحنان لم ينلهم الكثير ممن حولي؛ ويعود ذلك إلى محاولات أمي المتكررة للحمل ولو مرة أخرى، ولكنها إرادة الله سبحانه وتعالى.

ورغم كل ذلك لم يدللني أبوايا للحد الذي تفسد فيه أخلاقي، ولكنهما كانا يربياني على الأخلاق والصفات الحميدة، فكنت مثال الإبنة الصالحة أمام الجميع إلى أن حدث ما حدث.

لم ينغص علينا حياتنا – منذ ولادتي – سوى بعض أقارب لأبي، ولكنه لم يستطع الانفصال عنهم، رغم شكوى أمي المتكررة لأبي من حقدهم الدفين وغيرتهم من جمالي مقارنةً ببناتهم، ولكن أبي كان طيب القلب عطوف.

مرت السنوات وأنا أشعر بالبهجة والسرور والسعادة اللا محدودة، إلى أن جاء اليوم الذي قلب حياتي رأسًا على عقب؛ فقد كان حفل زفاف أحد أولاد أصدقاء أبي بالمؤسسة الحكومية التي يعمل بها، وكان الحفل بقاعة أفراح بعيدة على أطراف المدينة.

وبعد أن قضينا وقتًا لطيفًا بالحفل، حان وقت الرجوع إلى بيتنا، وحينها وجد أبي سيارته معطلة، وكذلك الحافلات تعج بالمعازيم، وكانت هناك سيارة لابن عم العريس وبها شابان يركبان بالمقعد الأمامي للسيارة، فعرض أحدهم على أبي أن نركب معهم أنا وصديقتان في مثل سنِي عمري، وبسبب الزحام وخوف أهلنا علينا وافق الجميع.

ركبنت أنا والفتاتان في المقعد الخلفي، والشباب بالمقعد الأمامي، كم كان الجو مبهجًا والشباب يغنون ويضحكون ويتبادلون أطراف الحوار معنا، إلى أن حدثت المصيبة؛ دخلت بالسيارة شاحنة لا نعرف من أين ظهرت، وتم نقلنا جميعا – على إثر ذلك الحادث – إلى المستشفى.

استفقتُ على قبلات تلمس قدمي لأبي وأمي وهما يبكيان بحرقة شديدة، وحينما لاحظ أحدهما أني أهمس فسارع بالإقبال نحوي بكل فرحة، ثم سرعان ما تلاشت الفرحة وعم الحزن.

فقد أصبت بكسور وجروح بكل جسدي، وكذلك باقي الأفراد الستة، الذين كانوا معي، فأصبح الجناح الذي استقلَّنا بالمستشفى عبارة عن انتحاب لآباء وأمهات، وقد تراوحت الإصابات لدى الجميع بين متوسطة وخطيرة.

ظللتُ شهرًا بالمستشفى، إلى أن تعافيتُ إلى حدٍّ ما، لأستكمل باقي علاجي بالمنزل، ولكن المؤسف أن العام الدراسي قد ضاع على الجميع، فقد كانت الامتحانات المنعقدة لآخر العام الجامعي بعد الحادثة بيومين، فلم يحضر أحدنا امتحان أي مادة، ولم يلتفت ذوينا إلا إلى صحتنا.

تعافيتُ بعد عامٍ من الجروح الجسدية، لأبدأ عهد جديد من الجروح النفسية؛ فقد طالني ما قاله عني أقارب أبي الذين يحقدون علينا، ولم أرَ أثر ذلك إلا حينما خرجتُ إلى الشارع لأول مرة بعد العام.

لأجد شائعات يتم قولها في وجهي من قِبَلِ الجيران والأقارب، فمنهم من قال إن الحادثة تمت بسبب انشغال الشباب بمغازلتنا، ومنهم من قال إنهم كانوا يتحرشون بنا فانقلبت السيارة، ومنهم من قال إننا كنا على علاقات سابقة بهؤلاء الشباب وركبنا معهم دون علم من آبائنا وهذا جزاؤنا.

خمس سنوات منذ تلك الحادثة، وانفض من حولي كل صديقاتي، لم يتبقَ سوى البنتين اللتين كانتا معي بالحادثة؛ لمرورهما بنفس الظروف، لم يتقدم لخطبتي إلا أشخاص أقل بكثير من مستوى علمي ومالي وجمالي، فالجميع فرَّ مني بسبب الشائعات.

أبي وأمي يقفان جواري، ولكني أرى الغُصة التي في قلبيهما يتبدى أثرها على الوجوه، وبخاصة كلما زارنا أحد أقارب أبي الذين يمتهنون مهنة قذف المحصنات وتحوير المواقف واختلاق الشائعات.

لقد تبدلت حياتي من البهجة والسرور إلى الاكتئاب والتفكير السلبي، لا أعلم ماذا أفعل بحياتي؟!..ساء بي الحال إلى أن فكرتُ بالانتحار، هل من حل لمشكلتي؟!..هل من بصيص أمل وسط كل تلك العتمة؟!..

الحـــل

عزيزتي“ج.أ”..كان الله بالعون..

لا شك أنَّ الإنسان – في تلك الدنيا – مُخير لا مُسيَّر؛ لذلك يجب عليه التفكير جيدًّا قبل اتخاذ القرارات، ومن التفكير السليم اتقاء الشبهات؛ وعليه فكان على والدكِ التريث قبل اتخاذ ذلك القرار بالسماح لكِ بالركوب في تلك السيارة مع بعض الشباب أنتِ وصديقاتاكِ، لأن ذلك موطن شبهة لا محالة.

ولكن الأمر قد تم، ولسنا بصدد العدول للوراء لتصحيح أحداث الماضي، ولكننا نذكرها للعبرة والاستفادة، إذ لا معنى لتكوين خبرة لدى المرء إذا لم يعتبر من المواقف الحياتية التي يمر بها، وبخاصة المؤثرة.

عزيزتي.. والآن يجب عليكِ بالآتي:

أولًا: عليكِ باللجوء لله – سبحانه وتعالى – والدعاء بتفريج الهم والحزن.

ثانيًا: الإيمان بأن ما حدث لا دخل لكِ به، إذ كنتِ صغيرة بالسن، وثقي بنفسكِ طالما أنكِ فتاة شريفة المنبت ذات خلق رفيع.

ثالثًا: لقد أخطأ والدكِ باستمراره في مصاحبة الرِفقة الحاقدة عليكم من أقريائه؛ فقد أوصانا الرسول – صلى الله عليه وسلم – باختيار الرفيق قبل الطريق؛ فينبغي على والدكِ الابتعاد عن هؤلاء.

رابعًا: عليكِ بعلاج الاكتئاب بالعمل ثم العمل، قومي بافتتاح معمل للتحاليل الطبية، أو العمل في أحد المدارس الخاصة كمعلمة علوم، أو افتتاح مشروع صغير في بيتك، لا تعلمي كيف سيؤثر فيكِ ذلك العمل برفع روحك المعنوية، والتعافي من الاكتئاب.

خامسًا: اطرحي كلام الناس أرضًا، فهم في كل الأحوال سيتكلمون، وكوني أنتِ تلك الفتاة الواثقة من نفسها ولا تهمكِ تلك الآراء السلبية.

سادسًا: حاولي السماع كثيرًا لهؤلاء الأطباء وخبراء الإرشاد النفسي والسلوكي، عبر شبكة الإنترنت، فمحتواهم غالبه هادف ويحاولون فيه إعادة بناء الشخصية.

عزيزتي، حاولي الاستمتاع بحياتكِ، ولا تجعلي السنوات تمر هكذا وأنتِ مكتوفة الأيدي، تفاءلي واعملي وازرعي بداخلكِ نبتة الأمل والطاقة الإيجابية، ومع مرور الوقت سيدرك من حولك الحقيقة وسيتقدم لخطبتكِ الشخص المناسب.

انهضي من تلك الغفوة، واحمدي الله جل وعلا أنكِ لم تخرجي من تلك الحادثة بعاهة مستديمة لا قدر الله، اتركي الشائعات لأهلها ورافقي أهل الدين والعلم ولا تيأسي ولا تقومي بعمل أفعال تندمين عليها لاحقًا، بل تأكدي من أن اليسر سيأتي بعد العسر لا محالة.

  المزيد فى هذه السلسلة:

“قل شكوتك”.. فُندق الزوجية

زر الذهاب إلى الأعلى