النهاية السعيدة لحبيبين فى جزيرة فيلة
سردية يكتبها: محمد أنور
مجموعة نادرة من المعابد قل أن يوجد لها مثيل في أى مكان فى العالم أو مصر، تنفرد بها “النوبة”، فهناك ستة عشر معبدا وخمسة هياكل في النوبة نحت أكثرها في صميم الصخور الصلبة التي حفظتها من عوامل الطبيعة
وقامت نلك المعابد والهياكل جميعها بعيدا عن المدن الكبيرة فلم يسكنها أحد، ولم يحاول إنسان أن يهدمها أو يستعمل أحجارها بعد أن زالت عنها قدسيتها، ولهذا ليس بعجيب أن تصل إلينا أكثر هذه المجموعة الفريدة بحالة لا تكاد تختلف عن الحالة الأولى التي شيدت بها.
جزيرة فيلة “أنس الوجود”
أما جزيرة فيلة أو “أنس الوجود” فتقع جزيرة فيلة بين خزان أسوان والمكان الذي تم إنشاء السد العالي فيه، وهى جزيرة صغيرة يدعوها البعض جزيرة فيلة، ويدعوها البعض الآخر جزيرة أنس الوجود، والاسم الأول انحدر إلينا مأخوذا من بيلاق، وهو الاسم الذي عرفت به الجزيرة في اللغات المصرية القديمة واليونانية والقبطية والعربية، ومعناه في اللغة المصرية القديمة (الحد أو النهاية) إشارة إلى وجودها في نهاية البلاد، والاسم ذاته في تفسير النقوش في العصر اليوناني الروماني بمعنى الزمان، وقد وجدت هذه الجزيرة في زمان الإله رع.
وصف المعبد
وعندما نصف المعبد من الجنوب نرى مقصورة صغيرة للملك نفطانبو الأول ( القرن الرابع قبل الميلاد) وهو الملك الذي أنشأ اخر أسرة من الأسرات المصرية القديمة – ونمر بعدها بممر طويل من عهد الرومان، وفي آخر الممر نجد أنفسنا أمام المعبد، وعلى صرحه الأول نرى الملك بطليموس الثاني ( القرن الثالث قبل الميلاد) يتعبد للإلهة إزيس التي خصص المعبد لعبادتها والتى اشتهرت بقدرتها على شفاء المرضى في العصور المتأخرة – و ورائها ابنها مربوقراط وبعض الآلهة الأخرى، ثم نمر بعد الصرح الأول برواق واسع يقع إلى الجهة الغربية منه معبد الولادة، وينتهى بصرح آخر في نهايته الهيكل.
وخلف بيت الولادة من الجهة الغربية توجد بوابة هدريان حيث توجد نقوش تمثل إله النيل محاطا بثعبان ضخم داخل مغارة، وهو يصب الماء من إنائين في يديه إشارة إلى أنه يمد البلاد بالمياه من هذا الموقع، وهى عقيدة كان يدين بها المصريون قديما، ولعله من المدهش أن نجد لهذه العقيدة الخاطئة أثرا من الحقيقة اليوم.
وفى شرق المعبد يوجد معبد للالهة حاتحور آلهة الحب والجمال، ثم تجد الكشك المعروف بكشك تراجان حيث يزدان بالاعمدة ذات التيجان الجميلة التي تمثل النباتات المختلفة، وكلا المبنين يرجع إلى العصر اليوناني الروماني، وقد وجد بها أسماء الكثير من الأباطرة الذين قاموا بالبناء أو النقش فيهما، ولقد اقيمت بعض الكنائس على الجزيرة، إلا أنه لم يبق منها إلا آثار قليلة.
لماذا سميت باسم أنس الوجود ؟
يحكى أنه كان في بلاط أحد ملوك العرب في إقليم مصر فتى جميل الصورة طيب القلب جرئ وشجاع إسمه (أنس الوجود) وكان لوزير هذا الملك ابنة شابة بلغت حد الفتنة في جمالها وكان اسمها (زهرة الورد) واتفق أن التقى الفتى بالفتاة فوقع كلاهما في حب الآخر وتعددت اللقاءات بينهم حتى وشى أهل السوء بالحبيبين إلى الوزير الذى غضب وخشى الفضحية، فصمم أن يبعد ابنته عن العاصمة وظل يبحث عن مكان حصين يبعدها فيه عن مواطن الفتنة حتى اخبروه عن معبد أزيس، وما اتصف به من الضخامة والمنعة التي لا تسمح بمن يسجن فيه أن يخرج منه بسهولة.
ولما طالت غيبة ( زهرة الورد) عن الفتى (أنس الوجود) اشقاه الوجد واضناه البعاد، فكان أن هجر البلاط وهام على وجهه يسأل من يلقاه عن حبيبته، وطاف على ضفاف النيل متنقلا من بلد إلى أخر، وكان في طوافه يعطف على من يقابله من حيوانات الصحراء مما جعلها تأنس إليه.
مسجونة فى المعبد
وفي طوافه في صحراء نائية لقى أحد الرهبان فأخبره أن حبيبته سجينة في معبد الآلهة أزيس، فسار الفتى وجد في السير حتى وصل إلى ضفة النيل التى تقابل الجزيرة، ورأى هناك بناء ضخما هو المعبد، وكانت مياه النيل مليئة بالتماسيح تفصله عن الجزيرة، وقف الحبيب المشتاق ينظر إلى المعبد الضخم الذي يحوى حبيبته والحسرة تملأ قلبه لعجزه عن الوصول إليها، حتى أن أحد التماسيح الكبيرة اخذته الشفقة عليه وعرض عليه أن ينقله إلى الجزيرة على ظهره جزاء عطفه على حيوانات الصحراء التي كانت تصادفه.
ولما وصل الفتى إلى الجزيرة أخذ يدور حول المعبد حتى اخبرته بعض الطيور أن حبيبته الجميلة قد هجرت المعبد سرا إذ نزلت من نافذة حجرتها على حبل اتخذته من ملابسها.
النهاية السعيدة
وأخذ الفتى يندب حظه وظل ينتقل من مكان إلى مكان حتى جمع الله بينه وبينها، وتوسط أهل الخير لدى الوزير الغاضب حتى رضي أخيرا بزواجهما، وبهذا انتهى الأمر بزواج ( زهرة الورد) بحبيبها ( أنس الوجود).