شريف عبد القادر يكتب: فى صحتك.. وصحتى

بيان

منذ ثورة 23 يوليو 1952 لم يحدث التطور المُفترض في المستشفيات الحكومية، ويرجع ذلك إلى عدم اهتمام الرؤساء والمسؤولين الذين كانوا يُعالجون بالخارج. فعبد الناصر كان يُعالج في الاتحاد السوفيتي ومبارك في فرنسا ثم ألمانيا، حيث أجرى عملية انزلاق غضروفي، وكان من السهل أن يُجري هذه العملية في مصر، لكنه فضّل العلاج بالخارج.

وأتذكر ما نُشر في تلك الفترة عن تعجب طبيب ألماني بالمستشفى التي أجرى بها مبارك العملية عندما علم بمرور ثلاثين عامًا على رئاسته لمصر دون أن يُطورها طبيًا.

كما تم التوسع في إنشاء مستشفيات خاصة ومستشفيات استثمارية، حيث أُنشئت بكثافة في حقبة مبارك. ومن العجائب في تلك الفترة تعيين حاتم الجبلي وزيرًا للصحة، وهو كان مالك مستشفى دار الفؤاد الاستثمارية ذات السبع نجوم في مدينة 6 أكتوبر. والأعجب أنه أجرى لزوجته عملية في أمريكا تكالفتها مليون دولار على نفقة الدولة!

وكان رده على منتقديه أن زوجته مواطنة مصرية ومن حقها العلاج على نفقة الدولة.

وفي تلك الفترة أيضًا أجرى يوسف بطرس غالي، وزير المالية، عملية في عينة بأمريكا تكالفتها مليون دولار على نفقة الدولة. وردّ على منتقديه بأنه مواطن مصري ويحق له العلاج على نفقة الدولة. ويُقال أنّ غالي ووزير الصحة كانا يحملان الجنسية البريطانية.

وتجاهل هؤلاء المسؤولون أن قيمة ما أُنفق على علاجهم يُمكن أن تُعالج مئات الحالات المرضية.

ورغم ذلك، لم تُحاول الدولة الاهتمام بتطوير المستشفيات الحكومية ولم تُهتم برفع مرتبات الأطباء والتمريض بها لمستوى العاملين بجهات متميزة مثل المحصن. فهؤلاء اللذين أطلقنا عليهم “الجيش الأبيض” إبان تفشي جائحة كورونا، ومنهم من اُضِيروا أو توفوا إلى رحمة الله، كان من المفترض الاهتمام بهم لإيقاف اضطرار بعضهم إلى الابتعاد عن مهنتهم بسبب ضعف الراتب وسوء الأوضاع في المستشفيات الحكومية واللجوء للعمل بالمستشفيات الخاصة أو السفر للخارج.

أمّا ما يُثير الاستغراب حقًا، فهو موافقة مجلس النواب على مشاركة القطاع الخاص في تشغيل المنشآت الصحية العامة. وكأنّ القطاع الخاص لا ينشد الربح، ولا يتنازل عن حقوقه حتى لو مات مريض لديه ولم يُسدد بقية المبلغ المستحق عليه. فمستشفيات القطاع الخاص تفتقر إلى الرحمة، فكيف ستكون الأحوال عندما يشارك القطاع الخاص في تشغيل المنشآت الصحية العامة؟

ولا يفوتنا أن الكثير من المستشفيات الحكومية أصبحت أشبه بالقطاع الخاص، مثل مستشفى الصدر ومستشفى العباسية للأمراض النفسية، حيث لا يُسمح بحجز المرضى إلا في القسم الاقتصادي. ففي مستشفى الصدر، يُسدد أهل المريض ألف جنيه تحت الحساب، بينما يُسدد أهل المريض في مستشفى العباسية أكثر من ألفين جنيه شهريًا. أما القسم المجاني في مستشفى العباسية، فيستقبل من ارتكبوا جرائم وقررت النيابة إيداعهم بالمستشفى للتأكد من حالتهم العقلية.

إنّ تطوير المستشفيات الحكومية يتطلب أسلوبًا مشابهًا لأسلوب الدكتور غنيم، مدير مركز الكلى في المنصورة، حيث يُحظر عمل الأطباء خارج المركز مع تمييز مرتباتهم. ولا أعتقد أنّ وزارة الصحة تفتقر إلى قيادات قادرة على تطوير المستشفيات الحكومية دون إجهاد المرضى ماديًا وتمييز العاملين أيضًا ماديًا.

والأهم من ذلك كله هو علاج كبار المسؤولين في الدولة، وخاصة أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، في المستشفيات الحكومية إذا احتاجوا للعلاج، ومنع علاجهم بالخارج. فبذلك سيتم تطوير المستشفيات الحكومية لتردد المسؤولين عليها للعلاج، وعدم شعور المواطن البسيط بالظلم.

اقرـأ ايضا للكاتب:

شريف عبد القادر يكتب: الصهيونية والاستعمار (٤) هل يفعلها الأمريكان من أصول عربية وإسلامية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى