قل شكوتك.. أسحار وأوهام الحب

كتبت- أسماء خليل

“لا أتصور الحياة بدونه”.. إنني أحبه حبًّا فاق الحدود، ولا أتخيل أن يفرق أحد بيننا، ولكني لا أقوى على التصدي للرياح العاتية التي يصوبها أهلي في وجهي، ربما ظروف الحياة تبعدنا، لا أصدق.

أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لشكوى أرسلتها الفتاة“ ي.ط”، عبر البريد الإلكتروني، راجيةًمن الله أن تجد من يؤازرها في طريقها نحو حلٍ يخفف عنها آلامها النفسية، وتستطيع استكمال حياتها بكل هدوء.

الشكوى

أنا“ ي.ط” فتاة في مقتبل العمر، حاصلة حديثًا على بكالوريوس الخدمة الاجتماعية، جميلة مثقفة كما يصفني الآخرون، أعيش بأحد مدن الوجه البحري، وسط أسرة ميسورة الحال؛ فأبي لديه محل تجاري للأدوات الكهربائية وسط مدينتنا، ما يدر عليه دخلًا كبيرًا، بالإضافة إلى العمل بمجال تشطيب كهرباء بالعقارات المختلفة.

أمي ربة منزل، ولي أخت وأخ يكبراني، كل منهما حاصل على تعليم عالٍ ومتزوج ومستقر بحياته العائلية، أستطيع القول أن حياتي كانت-قبل مشكلتي- مستقرة.

تقدم لي الكثير من الخُطاب منذ التحاقي بالجامعة، إلى أن وافق أبي على أحدهم منذ خمسة أشهر، يعمل مهندسًا ويعيش في نفس حينا، يكبرني بست سنوات، ووالده يعمل مُعلمًّا، ووالدته حاصلة على شهادة متوسطة وربة منزل، ولديه أربعة أخوة.

لا أعتقد أنه كان يحيا برغد من العيش، لضعف راتب أبيه وكثرة أخوته، لكنهم جميعًا مجتهدون وحاصلون على أعلى الشهادات من أفضل الكليات.

لا أخفيكِ سرًّا سيدتي، أنني كنتُ معجبة به سرًّا، فكان كلما غدا أو راح أقف في الشرفة متمنيةً من الله- سبحانه وتعالى- أن يتقدم للزواج مني بيوم من الأيام، ولولا حيائي لكلمته.

وكم سعدتُ حينما تقدم لي، ولم أكن أتوقع ما سيحدث، فكان على الجانب الإيجابي رجل لطيف جدًّا معي، رقيق المشاعر، أسرني بأسلوبه الجميل، وتأكدتُ أنني كنتُ محقة في اختيار قلبي له.

المشكلة الحقيقية أن له جانبًا سلبيًّا، جعل أسرتي على وشك أن تنهي خطبتنا؛ فقد اتفقت الأسرتان على الأشياء الخاصة بالجهاز والشقة ومستلزمات المنزل وغيره، وكل طرف عرف ماله وما عليه، ولكن تصرفاته غريبة بشأن ذلك جدًّا، فنحن نتحاور سويًّا سواء وهو يزورنا بالمنزل أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما يخلو حديثنا من سؤاله لي عمَّا أحضرته أسرتي لي.

يكون كلامه معي لطيفًا جدًّا، ولكنه يأخذ إجاباتي، وفي كل مرة يتعمد الجلوس مع أبي أو أمي، ويظل معاتبًا لهم بكل جرأة، أن لماذا أحضرتم من ذلك الفرش نوعين فقط لابد من إحضار أربعة أنواع، أن لماذا أطقم الزجاج ليست بأعلى سعر ونقشها شعبي، أن لماذا أحضروا لي طاقم أواني شكله كذا …..إلخ.

تضايقت أسرتي جدًّا، لدرجة أن الأمور وصلت للاحتدام، وكم من مرة أتوا بالذهب الذي اشتراه ليعيدوه إليه، لولا بكائي وانتحابي، إنني أحبه ولا أستطيع أن أعيش الحياة بدونه، ولا أعلم لماذا يعاملني بشكل جيد ويفعل ذلك مع أسرتي.

إنه يتدخل في كل شيء، وما يجعل أبويًّ يصبران عليه هو ضغطي عليهم من الناحية العاطفية، وأزج عليهم بعمي أو خالي ليقنعوهم.

إلى أن حدثت الطامة الكبرى؛ فقد طلب خطيبي تعجيل موعد الزفاف، وفي نفس الوقت مرِض عمي الأصغر مرضًا مُميتًا وأبي يحبه جدا فهو الذي قام بتربيته، فاضطر أبي إلى تجميع كل السيولة المالية التي لديه لكي لا يبيع من أصول تجارته، ليسافر عمي بالخارج للعلاج وزرع عضو جديد بجسده.

وقال أبي طالما أن خطيبي أراد تعجيل الزفاف والأسرة تمر بأزمة مادية، بالإمكان بيع الشبكة الذهبية على أن يعيدها لي بعد عدة أشهر، ما إن علم خطيبي بذلك إلا هاج وماج ، فاقترحت عليَّ عمتي أن أقترض منها مبلغًا من المال ولا أقول لأبي وأشتري الذهب مرة أخرى، ولا أخبر أبي أو أمي بالأمر؛ حتى يتم الزواج على خير.

إنني في حالة نفسية سيئة جدا، حبي لذلك الرجل لا يعادله أي حب في قلبي، كأنه سَحَرَ لي فلم تقوى كل تعويذات ونصائح أمي وأبي على فك طلاسم ذلك السحر، هل أساوي الأمور كي يتم الزفاف على خير، أم ماذا أفعل، إنني وسط بحرٍ عميق ولا أستطيع السباحة للوصول إلى الشاطئ.

ماذا أفعل بحق الله؟!.

الحل

عزيزتي“ ي.ط”..كان الله بالعون..

إن السحر الحقيقي الموجود في الحياة هو عمل الشيطان، فلم يدل المشعوذين يومًا على أعمال الخير؛ لذلك عزيزتي لا تتوهمي ما أنتِ عليه أنه سحر الحب، بأية حالٍ من الأحوال.

إن تفسير حالتكِ هو تعلقكِ بأول شخص تعجبين به وقلبكِ كان بريئًا، صفحة بيضاء استطاع خطيبكِ نقش كلمات الحب والهوى عليها ولكن بآلة حادة، جرَحَت أبيكِ وأمكِ.

وللأسف كنتِ أنتِ عزيزتي معول الهدم في تلك المشكلة، وعمقتِ الجُرح بنظرتكِ القاصرة للأمور، وبالمرآة العمياء الصديقة للمحبين، التي تجعلهم لا يرون الحقيقة على الإطلاق، فخطيبكِ أناني لا يحب سوى نفسه ومصلحته فقط.

ربما الفقر الذي نشأ به هو ما رسم شخصيته على تلك الشاكلة، ولكن ليس على أي شخص تكبُّد الأخطاء التربوية للآخرين دون إرادته، حاولي رؤية ما يحدث وأنتِ في صفوف المشاهدين، ولستِ فردًا من طاقم التمثيل، وحينها سترين الصورة بشكل أوضح.

إذا نجحتِ اليوم في تسوية الأمور بشكل مؤقت وإتمام الزفاف، ستكونين كمن تغاضى عن العلة ومعرفة أسبابها وعلاجها واكتفى بتناول المُسكنات فقط، حتمًا سيأتي اليوم الذي ينفجر فيه العضو المُعتل.

إن أكثر الزيجات الفاشلة، كان لها من منذر في بداية الطريق، ولكن أحدهم كان يتغاضى عن رؤية الإشارات الحمراء، فستجدين أن هناك أب أو أم للمُطلِق أو المُطلَقَة أشار عليهما أن الطرفين لا يصلح أحدهما للآخر، ولكن ياليت الصغار يستمعون لحِكَمِ الكِبار!.

عزيزتي..عليكِ الآن بعدم تكبيد أسرتكِ الهموم وخاصة وهم يمرون بظروف مرض عمكِ، أعيدي لذلك الخاطب ذهبه وما أهداهُ لكِ، وقفي جوار أسرتكِ ولا تكون مصدر آلامهم، وانظري للحياة بنظرة جديدة، أساسها تلك التجربة التي مرت عليكِ لتتعلمي منها، وغدًا سيرزقكِ الله بشريكٍ خير منه.

منحكِ الله السعادة وراحة البال.

زر الذهاب إلى الأعلى