د. ناجح إبراهيم يكتب: وفاة الحجاج المصريين .. لماذا ؟

كتب الدكتور ناجح إبراهيم، مقالاً بعنوان وفاة الحجاج المصريين .. لماذا ؟، وتم نشره في جريدة الوطن وهذا هو نص المقال:

كان الحج هذا العام مختلفاً عن كل الأعوام السابقة،وخاصة في ازدياد عدد الحجاج الغير رسميين” أي الذين أدوا الحج عن طريق تصريح الزيارات” ودخلوا عرفات مع الحجاج الرسميين بعد أن حاولت السلطات السعودية منعهم بكل الوسائل وحاولت ترحيل بعضهم دون جدوى،وأكثر الحجاج الغير رسميين كان من مصر .

وقابل هذه الزيادة الكبيرة في عدد حجاج الزيارات زيادة عدد الوفيات عن كل الأعوام السابقة فقد قدرت بعض وكالات الأنباء وفيات الحجاج هذا العام بـ 900 حاجاً معظمهم من الحجاج المصريين الغير رسميين الذين وصل عدد وفياتهم حسب الإحصائيات 635 حاجاً مصرياً ونسب وفيات الحجاج هذا العالم كالتالي أولاً مصر ، تليها اندونيسيا ، الهند ، الأردن ، تونس ، كردستان ، إيران ، السنغال .

وهذه الدول هي الأكثر في الحجاج الغير رسميين الذين دخلوا المملكة السعودية عن طريق الزيارات .

ومعظم الوفيات كانت لكبار السن معظمهم جاوز الستين وكان يعاني من أمراض مزمنة لا تتحمل هذا الطقس الحار حيث وصلت درجات الحرارة في عرفات والمزدلفة ومني 47 درجة علي الأقل.

وكان منظر جثث الحجاج الملقاة علي الأرض دون ساتر أو خيمة مؤثراً جداً ، ومعها العشرات الذين أصيبوا بالغيبوبة من شدة الحر وتم إفاقتهم بالإمكانيات البسيطة بصعوبة ، لم يستطيع الحجاج الذين يمرون علي الجثث الملقاة فعل شيء سوئ نشر الصور في مواقع التواصل الاجتماعي ، كذلك قام أهالي الحجاج المفقودين بنشر صور ذويهم في هذه المواقع للاستدلال عليهم ،كل حالات الوفاة كانت من حرارة الطقس عدا حالة اصطدام واحدة أدت إلي الوفاة .

ولقد بذلت المملكة حكومة وشعباَ جهوداً حثيثة للتخفيف عن الحجاج بتوزيع الشمسيات ، والمياه المثلجة والأيس كريم ولكن دون جدوى، والبعض يسأل: لماذا كان هذا العدد الكبير من الوفيات بين الحجاج الغير رسمين خاصة وبطريقة غير مسبوقة ويمكننا تلخيص ذلك في الآتي :-
أولاً :- وصل عدد الحجاج الغير رسميين هذا العام إلي رقم كبير قد يضاهي أو يزيد عدد الحجاج الرسميين وكلهم دخل عرفات، وهذا أدي إلي أن خدمات الحجيج لم تكن كافيه لهذا العدد الذي لم يحسب أحد حسابه .
ثانياً :- المسافة بين مكة وعرفات تبلغ أكثر من 20 كم وفي الحج الرسمي لديك وسيلة مواصلات جيدة ومكيفة وفيها كل شيء ، أما الحاج الغير رسمي فهو يتعرض للنصب والابتزاز من وسائل مواصلات غير مجهزة تدفع فيها مبلغاً كبيراً وتتركك بعد 3 أو 4 كم من عرفات، ليجد الحاج الغير رسمي نفسه في صحراء مكشوفة في حالة كر وفر بعيداً عن الشرطة ، ويقطع هذه المسافة تحت حر الشمس القاتل.

ثالثاً :- في الحج الرسمي لديك مخيم مكيف الهواء في عرفات وفيه الطعام والشراب وهناك أطباء طوارئ عندهم بياناتك الطبية المسجلة من بداية الرحلة،أما الحاج الغير رسمي فيظل يوم عرفات كله يجلس حيثما اتفق في الشمس المحرقة لقرابة 10 ساعات علي الأقل تهلك الصحيح فما بالك بالمريض ، وقد يبحث عن الماء الذي ينفذ منه فلا يجده ، وقد لا يجد الطعام الذي يحتاج للبحث عنه ساعات في الشمس المحرقة .
رابعاً :- الحاج الرسمي يتم تصعيده من عرفات إلي المزدلفة ومني بسهولة ويسر في أتوبيس مكيف ومعه كل ما يلزمه من طعام وشراب ودواء ، أما الحاج الغير رسمي فيضطر للسير علي قدميه بين عرفات لمزدلفة أي قرابة 11 كم بعد يوم مرهق صعب في عرفات.
خامساً :- الحاج الرسمي لديه قطار المناسك أو أتوبيسات حملته للانتقال من مزدلفة لمني ” مسافة 7 كم ” فبتنقل بسهولة ويسر دون مزيد إرهاق، أما الحاج الغير رسمي فنادراً ما يجد وسيلة مواصلات جيدة لقطع المسافة وإذا وجدها يتعرض للنصب أو الابتزاز من سائقي الباصات الصغيرة وعادة ما يقطع الحاج الغير رسمي هذه المسافات سيراً علي الأقدام ولا يجد مكاناً للنوم أو الراحة بعيداً عن الشمس .
سادساً :- بعد وصول الحجاج لرمي الجمرة الكبرى يذهب الحاج الرسمي للاستراحة في خيمة مكيفة في مني وفيها طعامة وشرابه أما الحاج الغير رسمي فيذهب لرمي الجمرة الكبرى بصعوبة ، ولا يجد بعد رميها مكاناً للراحة فيضطر للبقاء بمني في شمس النهار وينام علي الأرض والأرصفة .
سابعاً :- معظم الحجاج الذين ماتوا هذا العام كان في عرفات ومزدلفة ومني وهم أشق وأصعب أيام الحج،وخاصة لمن لا يملك وسائل مواصلات ولا خيمة تؤويه ، والحاج الغير رسمي يحتاج كل يوم للوصول من مقر إقامته بمكة إلي مني أو يعيش ثلاثة أيام في العراء .
ثامناً :- بعض شركات السياحة أوهمت حجاجها بأنهم سيحجون رسمياً وهم قلة أما الأكثرية فصارحتهم بالمغامرة وهم قبلوا ذلك .
تاسعاً :- الحج المصري الرسمي غالي جداً ومبالغ في سعره ولا يناسب المواطن المصري العادي ، وفيه تكلفة إضافية غير مطلوبة مثل سفر الوعاظ والأطباء وغيرهم علي نفقة الحجيج المصري ، وهؤلاء لا يقدمون للحاج المصري أي خدمة جوهرية والجميع يعلم ذلك ، وزيادة السعر هذه دفعت الأغلبية حباً في الحج للمغامرة بأرواحهم ومشقتهم الزائدة .

وفي الختام رغم ذلك كله فقد اصطفي الله هؤلاء الحجاج الذين ماتوا في أشرف موطن ووقت وعبادة ليبعثوا يوم القيامة ملبين،رحم الله هؤلاء الحجاج وتقبل الله من الجميع حجهم وعمرتهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى