طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين؟ (32)
بيان
فشل إسرائيلى مزدوج استخباراتى وعسكرى يضاف إلى قائمة الفشل الطويلة التى تنصب شباكها بقوة رهيبة حول نتنياهو الذى وقع فى شرك يطلق عليه أهل بورسعيد “المخيط” بضم الميم، وهو عبارة عن خلطة لصق محكمة يتم نصبها لطائر وبمجرد وقوفه عليها يلتصق بها وكلما حاول الخلاص منها غاص فيها أكثر.
هذا هو موقف نتنياهو ببساطة شديدة بعد “المخيط” الذى وقف عليه يوم السابع من أكتوبر 2023.
وتأتى عملية المواصى اليوم فى إطار غوص نتنياهو أكثر وأكثر فى مستنقع وهى عملية فاشلة بكل المقاييس حيث وردت معلومات استخباراتية لجهاز الأمن الداخلى “الشاباك”، عن وجود محمد الضيف القائد العسكرى لحماس داخل قطاع غزة ورافع سلامة قائد لواء خان يونس فى مبنى منخفض الإرتفاع واقع بين منطقة المواصى وخان يونس وهى المنطقة الإنسانية التى حددتها إسرائيل وأكدت الاستخبارات أنه لاتوجد رهينة إسرائيلية واحدة فى هذه المنطقة.
وعلى الفور قام الجيش الإسرائيلى بصب الحمم فوق المنطقة مما أسفر عن مصرع عشرات الشهداء، حتى بلغ العدد ٩٠ قتيلا من المدنيين بالإضافة إلى مئات الجرحى الذين تجاوزوا رقم ٣٠٠ جريحا.
واعترف الجيش الإسرائيلى بعلمه التام بقصف المدنيين وأن ذلك كان لازما لاغتيال محمد الضيف.
وأعلنت هيئة البث الإسرائيلية اغتيال محمد الضيف أو إصابته إصابات بالغة مع التأكيد على قتل رافع سلامة قبل أن يتم التراجع عن هذا الإعلان وحجب اسم الضيف وسلامة واستبدالهما باستهداف قياديين من حركة حماس مما أعطى دليلا قاطعا على أن الرجلين لم يتم اغتيالهما.
وبعد أكثر من مائة يوم على اختفاءه عن المؤتمرات الصحفية أطل نتنياهو فى مؤتمر صحفى ليعلن أن الغارة التى استهدفت خيام النازحين اليوم فى منطقة المواصى استهدفت محمد الضيف ونائبه إلا أنه لايعلم مصير الضيف.
وهو اعتراف صريح بالفشل فى عملية نوعية هى الأكبر على الإطلاق منذ اندلاع حرب غزة ومن المفترض أنه تم الإعداد لها جيدا وتأخر تنفيذها ليوافق يوم السبت الذى يهوى نتنياهو إعلان انتصاراته الوهمية فيه، فقد سبق أن اختار يوم السبت لتنفيذ عملية إطلاق الأسرى الإسرائيليين الأربعة في مخيم النصيرات وأعلن يومها أنه كان يمكن تنفيذ العملية يوم الخميس إلا أنه فضل تاخيرها الى يوم السبت.
وحاول نتنياهو توريط الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق تعريف المعرف بتصريحه أن أمريكا تدرك أن الاغتيالات جزء أساسى في سياسة إسرائيل لهزيمة حماس وهو الشرط الأساسى للنصر على المحور الإيرانى.
وركز نتنياهو على مزيد من الضغط العسكرى فى الفترة القادمة لتحقيق تقدم فى مفاوضات تبادل الأسرى.
والولايات المتحدة أصلا ليست بحاجة لمزيد من الفشل يضاف إلى فشلها في البحر الأحمر ضد الحوثيين، وفشلها فى التنصت على الرهائن الإسرائيليين فى غزة لتحديد أماكنهم وصولا إلى فشلها الذريع في الرصيف العائم الذى أعلنت عن قرب تفكيكه لفشله في أداء مهمته نظرا لسوء حالة البحر وهى بالطبع ذريعة واهية لاتبرر هذا الفشل.
أما حركة حماس فقد بادرت فور إعلان وسائل الإعلام الإسرائيلية عن اغتيال محمد الضيف بأن هذه الإدعاءات كاذبة وأنها ليست المرة الأولى التى تعلن فيها إسرائيل استهداف قيادات فلسطينية ويتبين كذبها لاحقا.
واعتبرت حماس هذه الادعاءات محاولة للتغطية على مجزرة اليوم فى المواصى.
وتعتبر مجزرة اليوم محطة هامة حيث أعلن الحوثيون أنهم سيوسعون عملياتهم العسكرية ضد إسرائيل.
وبالتوازى مع هذا الإجراء فمن المؤكد اشتعال جبهة جنوب لبنان حيث أكد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله مرارا وتكرارا ارتباط هذه الجبهة بجبهة غزة اشتعالا وهدوءا.
ويعلم حزب الله تماما كيف يرفع وتيرة الاشتباكات مع إسرائيل وكيف يخفضها حيث نجح تماما فى منع التهديدات الإسرائيلية بفتح حرب مفتوحة على لبنان عن طريق بث فيديو الهدد ١ الخاص بحيفا والهدهد ٢ الخاص بالجولان مع التأكيد على ظهور الهدهد ٣ قريبا.
ولازلت أرى أن التوصل لإتفاق وقف لإطلاق النار سواء بشكل مؤقت أو عن طريق هدنة ما يزال بعيدا جدا وبالتأكيد فإن عملية المواصى ستلقى بظلالها الكثيفة على المفاوضات.
وشدد حسن نصر الله على منح حماس الصلاحية الكاملة للتفاوض باسم محور المقاومة بأكمله، والتأكيد على أن حزب الله لن يسمح مطلقا بهزيمة حماس.
ويتبقى الحديث عن حماس وأداءها السياسى الذى يرى فيه الجميع تراجعا في الموقف التفاوضى ولكنى أراى على العكس نجاحها في إدارة التفاوض بدفع الكرة باستمرار إلى ملعب نتنياهو وحصاره داخل ركن رفض التفاوض وإفشال المحادثات وهو مايدفع هذه التهمة بعيدا عن حماس التى تبدى مرونة واضحة في كل مرة ويظهر نتنياهو بمظهر الشخص الذى ينسف المفاوضات.
ومايزال المخاض بعيدا وإن كانت الأيام قد ضاقت بحملها إلا أن الحمل سيستمر لفترة قادمة لا أعتقد أنها ستكون قصيرة.