مصر تحاصر أحلام اثيوبيا الإمبرطورية فى القرن الأفريقى
يشهد القرن الإفريقي تحولات متسارعة، حيث تسعى العديد من الدول إلى تعزيز نفوذها وتوسيع حدودها، وسط صراعات مستمرة وتوترات متزايدة.
وأدت التوترات الإقليمية في القرن الإفريقي، خاصة الصراع بين إثيوبيا وإريتريا، إلى تعزيز الرغبة الإثيوبية في تأمين حدودها وتوسيع نفوذها.
كما تسعى الدول الإقليمية إلى السيطرة على الموارد الطبيعية، خاصة المياه، مما يزيد من حدة التنافس والتوترات، وتلعب القوى الدولية دورًا مهمًا في تشكيل المشهد الإقليمي، حيث تسعى كل دولة إلى تعزيز نفوذها في المنطقة وتحقيق أهدافها الاستراتيجية.
وعلى هذه الخلفية يأتي اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال على استئجار ميناء بربرة كأحدث فصل في هذا المسلسل الطويل من الصراعات والتنافس الإقليمي، ويشكل تحولًا جديدًا في المشهد الإقليمي، ويزيد من تعقيد الأوضاع.
ووقع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي مذكرة تفاهم في يناير الماضي مع إثيوبيا، وهذه المذكرة تمنح الأخيرة بموجبها حقّ استخدام واجهة بحرية بطول 20 كيلومتراً من أراضي أرض الصومال لمدة 50 عاماً، عبر اتفاقية “إيجار”، وهو ما رفضته مقديشو ومصر، واستدعى اجتماعاً عربياً طارئاً آنذاك أدان الاتفاق، وتضامن مع الموقف الصومالي، الذي عدّها “باطلة وغير مقبولة”.
الأطماع الإثيوبية
تسعى إثيوبيا منذ فترة طويلة إلى تأمين منفذ بحري لها على البحر الأحمر، وذلك لتجاوز مشكلة كونها دولة حبيسة وتعزيز مكانتها الإقليمية، ويعتبر ميناء بربرة خطوة مهمة في هذا الاتجاه، حيث يمنحها إثيوبيا قاعدة عسكرية واقتصادية مهمة في المنطقة.
ومن جانبها تسعى أرض الصومال إلى الحصول على اعتراف دولي بوجودها كدولة مستقلة، وتعتبر الاتفاقية مع إثيوبيا خطوة مهمة في هذا الاتجاه، حيث تعزز من مكانتها الإقليمية وتجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعتبر الاتفاقية مع إثيوبيا خطوة مهمة في هذا الاتجاه، حيث تعزز من مكانتها الإقليمية وتجذب الاستثمارات الأجنبية.
قد يؤدي الاتفاق إلى تفاقم التوترات الداخلية في أرض الصومال، خاصة بين العشائر المختلفة، مما قد يؤدي إلى اندلاع صراعات جديدة.
وقد تستغل القوى الدولية هذا الاتفاق لتعزيز نفوذها في المنطقة، مما قد يؤدي إلى مزيد من التعقيد والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الإقليمية.
التداعيات الإقليمية
أدى الاتفاق إلى تعميق الانقسامات الإقليمية، حيث أثار غضب الصومال وجيبوتي وإريتريا، وهدد بتقويض الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وتسعى مصر إلى استكشاف جميع الخيارات المتاحة للتعامل مع هذا التحدي، سواء من خلال الدبلوماسية أو التعاون الإقليمي أو حتى من خلال التحالفات مع دول أخرى.
كما تسعى مصر إلى الضغط على إثيوبيا للعودة إلى طاولة المفاوضات وحل الأزمة بشكل سلمي.
يمكن لمصر تعزيز التعاون مع الدول الإقليمية الأخرى، مثل السودان وجيبوتي وإريتريا، لبناء جبهة موحدة لمواجهة التحديات المشتركة.
كما يمكن زيادة الضغط الدبلوماسي على إثيوبيا من خلال المؤسسات الدولية والإقليمية.
يمكن – أيضا – لمصر تعزيز تحالفاتها مع الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، للحصول على الدعم السياسي والعسكري.
ويجب على مصر التحضير للسيناريوهات المختلفة، وأن تكون مستعدة للتعامل مع جميع السيناريوهات المحتملة، بما في ذلك التصعيد العسكري.
الصومال وأريتريا
الصومال، كعضو في جامعة الدول العربية، له الحق في الدعم الدفاعي في إطار ميثاق المنظمة، لن نسمح بتهديد أمن إخواننا… محدش يجرب مصر”.
والصومال الآن يرغب في إثبات أحقيته في السيادة على كامل أراضيه، وعدم حصول أي اعتراف بأرض الصومال، لذا لم يقتصر الأمر على رفضه الاتفاق، والتصعيد ضد إثيوبيا، بل لجأ لخصوم أديس أبابا، فكانت أسمرا المحطة الأولى للرئيس حسن شيخ محمود “12 يناير/ كانون الثاني”، ثم القاهرة “21 يناير.
وترى إريتريا أن هذا الاتفاق لن يأتي فقط على حساب موانئها التي تستخدمها إثيوبيا في عملية التصدير” مصوع وعصب”.
لكن وهذا هو الأهم تخشى إريتريا من إمكانية قيام آبي أحمد بمحاولة الاستيلاء على ميناء عصب من جديد في ظل طموحاته التوسعية من ناحية، وبعد البيان الصادر من الحكومة والذي يرى أن أديس أبابا فقدت منفذها إلى البحر” المنفذ الإريتري” نتيجة “خطأ تاريخي وقانوني” في إشارة إلى الموافقة عام 1991 على استفتاء استقلال أسمرا عن أديس أبابا، لذا وحسب البيان فإن “الحكومة الإثيوبية تعمل منذ سنوات “لتصحيح هذا الخطأ” .
ومما يزيد من تعقيد العلاقات بين الجانبين، رفضت أسمرا اتفاق بريتوريا الذي وقعته إثيوبيا مع جبهة تيغراي في نوفمبر 2022، لوقف الحرب، وما تردد من دعم أسمرا لجبهة فانو الأمهرية في حربها الأخيرة ضد النظام، علاوة على بداية التقارب “مجددًا” بين إريتريا و الدولة المصرية.
مطلوب خطة مصرية
ويمكن أن تستغل مصر هذه التطورات في محاولة تشكيل هذا التحالف مع كل من الصومال، وإريتريا،
لكن يظل هذا التحالف المصري المقترح رهنًا بوجود خطة مصرية مدروسة بدقة وعناية، تسعى لإذابة الخلافات بين دول التحالف وبعضها البعض من ناحية، وقوة الحوافز المقدمة لها من ناحية ثانية، ومدى قبول هذه الدول التي تحتفظ أيضًا باتفاقيات اقتصادية وتجارية وأمنية مع أديس أبابا من ناحية ثالثة، وأخيرًا رد الفعل الإثيوبي المحتمل ضد هذه التحرّكات المصرية.
وقبل أقل من أسبوع أعلنت الحكومة الصومالية خلال «اجتماع استثنائي» لمجلس الوزراء الصومالي، عن الموافقة، على اتفاقية دفاعية بين مصر والصومال، تم توقيعها بين البلدين في شهر يناير الماضي.
ما هو أقليم أرض الصومال؟
وإقليم «أرض الصومال» هو محمية بريطانية سابقة، أعلن استقلاله عام 1991، لكن لم يعترف به المجتمع الدولي.
احتواء استراتيجي.
تستهدف الاتفاقية المصرية – الصومالية، وفق الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، «تعزيز العلاقات ودعم الصومال، عبر تدريب الجيش الصومالي، في ظل الحرب الشرسة التي يخوضها ضد الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها (حركة الشباب)، في ظل الخبرات الكبيرة للجيش المصري، ومن دون أي وجود لقواعد عسكرية»، وهو أمر سبق أن نفّذته القاهرة خلال السنوات الماضية.
فالصومال مهم لمصر، كما يقول اللواء سمير فرج، لـ«الشرق الأوسط»، كونه يلعب دوراً كبيراً في الملاحة بالبحر الأحمر لموقعه قرب مضيق باب المندب، الذي يمثل بوابة جنوبية للبحر الأحمر، وهو ما يؤكد الأهمية الجيوسياسية بالنسبة للقاهرة.
كما أن الاتفاقية تمثل أيضاً «رسالة غير مباشرة» لإثيوبيا بعد اتفاقيتها مع “أرض الصومال” ومساعيها لإنشاء قاعدة عسكرية هناك، في ظل طموحها لفرض السيطرة، ما دفع القاهرة إلى «الاحتواء الاستراتيجي» لدول جوار إثيوبيا، كما تسعى مصر لموازنة الوجود التركي بالمنطقة، بحسب فرج.
وتولي القاهرة أهمية كبيرة لتعزيز علاقاتها مع دول القرن الأفريقي، وفق وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال استقباله الأسبوع الماضي مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي، أنيت فيبر.
وأجرى عبد العاطي أولى رحلاته الخارجية، منذ توليه منصبه مطلع يوليو الحالي، إلى الصومال وجيبوتي، لافتتاح أول خط طيران مباشر بين الدول الثلاث، وهو ما يعكس «عمق وأهمية علاقات مصر مع الدولتين، وحرص مصر على تحقيق قدر أعلى من الترابط مع دول القرن الأفريقي لما تمثله من عمق استراتيجي للأمن القومي المصري»، وفق بيان للخارجية المصرية.
أمين سر «لجنة الدفاع والأمن القومي» في مجلس النواب المصري ، النائب محمد عبد الرحمن راضي، ربط بين تصريحات الرئيس المصري خلال زيارة نظيره الصومالي حسن شيخ محمود للقاهرة في يناير والاتفاقية الجديدة، حين أكد آنذاك «الوقوف ضد أي تهديد» يواجه دولة عربية في ظل محاولات إثيوبية لـ«بثّ الاضطرابات» في محيطها الإقليمي.
موقف مصر، وفق راضي، ثابت تجاه أمن الصومال ودعمه، لافتاً إلى أن رسائل السيسي آنذاك عكست إدراك القيادة المصرية لوضعية الصومال الخاصة وأهميتها للقاهرة، مشيراً إلى أن اتفاقية الدفاع الحالية “ترميم ثغرات في جدار الأمن القومي العربي”.
وفي يناير الماضي، استقبل السيسي الرئيس الصومالي، وشهد المؤتمر الصحافي «رسائل قوية» إلى إثيوبيا بشأن اتفاقها مع “أرض الصومال” لاستخدام واجهة بحرية من أراضيها عبر اتفاقية «إيجار»، فضلاً عن رسائل دعم قوية إلى الصومال، تضمنت التذكير بميثاق الجامعة العربية بالدفاع المشترك لأي تهديد له وحماية سيادته.
وفي 4 يوليو الحالي، تلقى الرئيس المصري اتصالاً هاتفياً من نظيره الصومالي، تناول «سبل تعزيز العلاقات الثنائية» والترحيب بـ«الزخم الذي يشهده التعاون بين البلدين» في الفترة الأخيرة، وحرصهما على توسيع آفاق هذا التعاون لتشمل مختلف المجالات، فيما أكد السيسي حرص مصر على أمن واستقرار وسيادة الصومال.
دلالات الاتفاق
يحمل الاتفاق الجديد بين البلدين أبعاداً ودلالات مهمة في ظل احتدام الصراع بين كثير من القوى الإقليمية والدولية في منطقة القرن الأفريقي، خصوصاً في ظل «حمى القواعد العسكرية» من جيبوتي إلى الصومال، كما يشير المحلل السوداني في الشأن الأفريقي، محمد تورشين.
ويرى تورشين أن «مصر تثبت حضوراً قوياً في منطقة تتمتع فيها بعلاقات جيدة مع دولها، في ظل تنامي دور إثيوبيا وتركيا وغيرهما من الدول»، وعدّ “الاتفاقية رسالة لأديس أبابا بأن القاهرة حاضرة وبقوة”.
ومن خلال الاتفاق، ستوظف مصر كثيراً من مقدراتها فيما يتعلق بتدريب الجيش الصومالي والتعاون الاستخباراتي والأمني، خاصة أن الصراعات في المنطقة لديها تأثير كبير على الأمن القومي المصري، ومن ثم استبقت القاهرة أي مخاطر بتعزيز وجودها بشكل رسمي، بحسب تورشين.
ويتفق المحلل الصومالي المختص في قضايا الأمن والإرهاب في منطقة القرن الأفريقي، عبد الرحمن سهل، بأن «مقديشو في ظل تنامي الإرهاب باتت تحتاج إلى من يقف معها في حماية وحدتها، وتحقيق الأمن والاستقرار لدحر حركة (الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة).