يضمن إعادة اللاجئين والإعمار.. مسار جديد للعلاقات الخليجية السورية
كتب: أشرف التهامي
تعمل دول الخليج، بقيادة المملكة العربية السعودية، على تطبيع العلاقات مع سوريا، واستئناف الرحلات الجوية والتبادلات الدبلوماسية بعد خلاف استمر عقدًا من الزمان في أعقاب الحرب السورية ضد الإرهاب.
بدأت عملية تطبيع العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وسوريا تتخذ خطوات عملية متسارعة بعد أكثر من 12 عاماً من القطيعة إثر الحرب السورية ضد الإرهاب التي شهدتها سوريا في أعقاب الربيع العربي.
وبدأت السعودية، أكبر دولة خليجية، علاقاتها رسمياً هذا العام بعد تبادل السفراء مع دمشق، فيما بدأت الرحلات الجوية بين دمشق والرياض والمنامة وأبو ظبي والكويت تعود تدريجياً لنقل المواطنين.
إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم
كما بدأت عدة دول خليجية بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم ، وذلك بوقف منح الامتيازات الخاصة للسوريين، حيث لا تعتبر دول الخليج السوريين لاجئين، ولكنها بعد بدء الصراع في سوريا، منحتهم امتيازات خاصة لتسهيل حصولهم على الإقامة والعمل.
وبالتزامن مع ذلك، بدأت عدة دول عربية أيضاً بنفس الخطوة، منها مصر والعراق ولبنان، التي بدأت رسمياً بترحيل اللاجئين وطلبت منهم المغادرة. وفي المقابل، لا يزال وضع اللاجئين السوريين في الأردن مجهولاً.
ولا توجد إحصائيات رسمية عن عدد اللاجئين السوريين في دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء السعودية التي أعلنت أن مليون سوري يقيمون على أراضيها ولا تعتبرهم لاجئين بل لهم معاملة خاصة، إلا أن تقديرات غير رسمية تشير إلى أن عدد السوريين في الخليج يصل إلى 1.5 مليون.
إعادة إعمار سوريا
كما يتوقع عقد المزيد من المؤتمرات خلال الفترة المقبلة لإعادة إعمار سوريا والتي ستوفر منح تصل إلى مليارات الدولارات بعد أن دمرت الحرب أكثر من نصف مساحة سوريا، وهناك أكثر من نصف السوريين نازحين داخل بلادهم.
وجاءت عودة العلاقات بعد اتفاق عربي على عودة سوريا إلى الجامعة العربية مقابل خطوات متزامنة اتخذها الرئيس السوري بشار الأسد، من بينها إصدار عفو عام عن جميع السوريين وإجراء انتخابات وتغيير دستوري يمهد الطريق لحياة سياسية مستقرة في دمشق.
ولا تزال قطر تحافظ على الموقف الأكثر تحفظاً تجاه القيادة السورية، ففي ظل التوجه العربي الحالي لإعادة دمج سوريا في محيطها، أعلنت قطر أنها لن تطبع علاقاتها مع الدولة السورية، لكنها أكدت أيضاً أنها لن تكون “عقبة” أمام الخطوة التي اتخذتها جامعة الدول العربية.
ورغم أن دول الخليج ـ باستثناء قطر ـ أعادت علاقاتها مع سوريا، إلا أنه بعض المراقبين السوداويين للموقف العربي من سوريا يتوقعون أن هذه العلاقات لن تدوم طويلاً ، في ظل التقارب الإيراني السوري، والتدخل الإيراني الكبير في دمشق، وسيطرتها على قراراتها بحسب رؤيتهم .
تاريخ العلاقات الخليجية السورية
وتاريخ العلاقات الخليجية السورية مليء بالخلافات السياسية والقطيعة، حيث كانت العلاقات الإيرانية السورية دائماً نقطة خلاف بين هذه الأنظمة.
وتعود الخلافات إلى الثورة الإسلامية في إيران عندما اختلفت سوريا مع الموقف العربي الذي دعم العراق في “الحرب العراقية الإيرانية” التي استمرت من عام 1980 حتى عام 1988.
واستمر الخلاف أيضاً بعد أن وقعت سوريا عدة اتفاقيات أمنية كبرى وغير مسبوقة مع إيران في عام 2006، ما شكل مصدر قلق كبير بين دول مجلس التعاون الخليجي.
كما كان التدخل السوري في لبنان أحد أهم أسباب الخلاف الخليجي السوري. فقد وقفت دول الخليج إلى جانب لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في فبراير 2005، واتهم الرئيس الأسد بشكل غير مباشر بدعم حزب الله في عملية الاغتيال.
في بداية عام 2011، دعمت عدة دول خليجية عدة فصائل معارضة إرهابية سورية، بما في ذلك فصائل مسلحة إرهابية، وسارعت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق على خلفية المواجهات بين الدولة السوري والمتمردين المدعومين خارجياً في محاولة كانت يائسة لسقوط الدولة السورية برئاسة الرئيس بشار الأسد. لكن هذا الدعم توقف بعد عدة سنوات بسبب دخول تنظيم داعش الإرهابي على خط المواجهة مع الجيش العربي السوري.
وسبق أن اتهمت عدة دول خليجية القيادة السورية بتوفير بيئة مناسبة لتدريب “الطابور الخامس”، وهم مواطنون خليجيون يبايعون إيران ويعملون كخلايا نائمة، و اتهام الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس بتدريبهم في معسكرات في إيران والعراق وسوريا ولبنان.
الموقف العربي من سوريا
وقال عوض الشمري، الباحث السياسي السعودي في الشؤون العربية، لـ “ميديا لاين”: “لا يمكن التنبؤ بمصير العلاقات السورية الخليجية، فهي باردة حتى الآن، وما حدث هو مجرد إعادة تفعيل بعض الاتفاقيات الدبلوماسية، وعودة اللاجئين إلى وطنهم، وفتح باب العلاقات التجارية”.
وأضاف أن “التاريخ مليء بالخلافات السياسية مع سورية، ولكن الآن هناك تقارب خليجي إيراني، وربما يؤثر ذلك إيجاباً على عودة هذه العلاقات”. ويقول أيضاً إن “سورية الآن أيضاً بحاجة إلى كل الدعم لإعادة إعمار البلاد وإعادة الحياة إلى طبيعتها، وهذا يتطلب علاقات متوازنة مع كل الدول، وربما هذا أحد أسباب نجاح هذه العلاقة”.
وقال الباحث والكاتب السياسي السوري محمد هويدي لـ«ميديا لاين»: «أدركت الدول العربية، بما في ذلك دول الخليج، أنها ارتكبت خطأ عندما وقفت ضد الرئيس الشرعي في سوريا وأنه من غير الممكن دعم الإرهاب أو الجماعات المسلحة على حساب القيادة الشرعية».
وتابع “الآن أصبحت سوريا مفتوحة أمام العرب، والدول العربية مفتوحة أمام سوريا، وعلينا أن نطوي صفحة الماضي ونبدأ علاقات جديدة متوازنة قائمة على احترام سيادة الدول، ولا يجوز لأحد أن يتدخل في شؤونها بأي شكل من الأشكال”.
وقال هويدي أيضا “إن علاقات سوريا مع أي دولة هي مسألة سيادية ولا يجوز لأحد التدخل فيها، لقد ساهمت إيران في الحفاظ على استقرار سوريا وحاربت الجماعات الإرهابية المسلحة ودعمت الجيش العربي السوري، وهي دولة حليفة ولا يمكن لسوريا الاستغناء عنها”.
وقال أيضا “إن دول الخليج تستعيد علاقاتها الآن مع إيران لأنها أدركت أنه من غير الممكن قطع العلاقة مع دولة مجاورة نشترك معها في أشياء كثيرة، بل على العكس فإن بعضها متحالف مع دول بعيدة وليس لدينا أي علاقات معها وهذه الدول لا تقف إلى جانبها”. كما وقفت إيران إلى جانب سوريا في محنتها على مدى السنوات الماضية”.