د. ناجح إبراهيم يكتب: “البروفيسور خميس الإسي.. والتغربية الفلسطينية”
بيان
كتب د/ناجح إبراهيم مقالاً بعنوان: “البروفيسور خميس الإسي.. والتغربية الفلسطينية” وتم نشره في جريدة الشروق السبت وهذا هو نص المقال:
= حصل علي الماجستير في تخصصه النادر ثم حصل علي البورد الفلسطيني ثم الزمالة الفخرية من جامعة أكسفورد الشهيرة وأصبح زميلاً متقدماً في جامعتها،وهو أول فلسطيني وعربي يصبح عضواً في المعهد المتخصص لتأهيل الأعصاب وعلاج الألم في جامعة أكسفورد وذلك عام 2018 ،وفي العام الذي يليه حصل علي زمالة جامعة كمبردج في وضع السياسات الصحية وتطوير النظام الصحي في العالم العربي والشرق الأوسط.
= وفي عام 2021 اختير عضواً بمنظمة الصحة العالمية ولجنة الخبراء بها لتأهيل الأعصاب وعلاج الألم والجلطات والغضاريف ، وفي عام 2023 حصل علي جائزة أفضل باحث من جامعة الشرق الأقصى وحصل علي ميداليتها الذهبية.
= قدمت له عروض كثيرة للخروج من قطاع غزة قبل حرب 7 أكتوبر، كانت كلها مغرية رفضها جميعاً دون تردد ليكون بجوار والدته وخاصة بعد وفاة والده، فقد آثر البقاء لمساعدة المرضى في غزة في هذا التخصص النادر ونقل خبراته لزملائه الأطباء لتقديم خدمة طبية متميزة في مستشفيات القطاع ،عمل أستاذاً بكلية الطب بالجامعة الإسلامية بغزة.
= مع بداية حرب 7 أكتوبر تطوع للعمل في مستشفي المعمداني والشفاء في ظل الحصار الإسرائيلي الخانق علي غزة ومستشفياتها.
= أغرب ما في قصة هذا العالم الكبير هو نزوحه مع أسرته 12 مرة داخل القطاع منذ بداية الغزو الإسرائيلي لغزة،هذه الرحلة التي رواها بنفسه قائلاً ” مع بداية الحرب الإسرائيلية كنت أسكن في حي تل الهوى فاضطررت مع تدمير الأبراج السكنية هناك للنزوح حيث جاءني اتصال من ابني يخبرني بضرورة مغادرة المنزل فوراً بناءً علي طلب الجيش الإسرائيلي فنزحت مع أسرتي بالقليل من أمتعتي تحت نيران الطائرات المسيرة الإسرائيلية، وصلنا إلي منزل شقيقتي المحترق،وما إن جلسنا في المنزل حتى فوجئنا بأحزمة نارية تضرب المنطقة من الطائرات والدبابات الإسرائيلية التي توغلت في الحي فجراً فاضطررنا للنزوح مجدداً إلي حي النصر.
= ظل يعدد البروفيسور د/ خميس ترحاله وأسرته الصغيرة من تل الهوى إلي الدرج فالزيتون فالأندلسية فالرمال فالدرج فالزيتون ثم الدرج ألخ ، 12 مرة للنزوح الإجباري وسط حلقة مرعبة من مسلسل الجرائم الإسرائيلية كما وصفها البروفيسور خميس في حواراته .
= في أثناء نزوحه أحب أحد أولاده أن يوثق عملية نزوح والده وأسرته فصورهم صوراً متعددة وهم ينزحون برفقة الآلاف، ونشر الصور كوثيقة لعملية إخلاء قسري للمدنيين، ومنهم بروفيسور في الطب وزميل لبعض الجامعات الأوروبية العريقة، وأرفق الصور بصورة الأيقونة الفلسطينية الشهيرة “جمل المحامل”التي تمثل التغريبة الفلسطينية، وكتب تحتها “التاريخ يعيد نفسه ما أشبه الليلة بالبارحة من تاريخ 1948 واليوم نحن في عام 2024 وما زالت المأساة هي المأساة والمعاناة هي المعاناة” .
= فوجئ البروفيسور خميس عبد الكريم الإسي بصورته مع ” جمل المحامل” تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي وتحصد 30 ألف مشاركة خلال ليلة واحدة.
= أما صورة ” جمل المحامل” فقد أبدعها الفنان الفلسطيني ” سليمان منصور” عام 1973 وتصور شخصية مسن فلسطيني حافي القدمين وبذارعين قويتين، ويرتدي ثياباً رثة حاملاً علي ظهره هموم الوطن، وتحولت هذه الصورة إلي أيقونة فلسطينية حتى يومنا هذا.
= تحول البروفيسور/ خميس الإسي إلي أيقونة فلسطينية جديدة فهو يعمل دون أجر، حيث لم يتقاضى مرتبه منذ غزو إسرائيل لغزة وهدمها للجامعة الإسلامية بكلياتها جميعاً، باع سيارته ، ثم باع ذهب زوجته، ثم باع بعض المقتنيات الثمينة التي كانت عنده، ثم بدأ في الاقتراض من أقاربه، ثم أصدقائه ثم تلامذته أملاً في قرب الفرج.
= لم يعد هذا البروفيسور يملك من حطام الدنيا شيئاً،ورغم ذلك يقف في المستشفي شامخاً كالأسد يعالج المرضى بصبر وإصرار .
= أقصى أمانيه الآن أن تتوقف عملية الإبادة الجماعية لشعبه الأعزل في غزة،ويعود السلام إلي القطاع مرة أخرى ،البسمة لا تفارق وجهه، حديثه كله أمل في غد أفضل.
= قامة عظيمة تتضاءل أمامها عزمات الأفذاذ،هو واحد من أبطال فلسطين في القطاع الطبي الذي قدم مئات الشهداء من الأطباء وطواقم التمريض والإسعاف ، نموذج يجعلك تخجل من نفسك ومن أهدافك التافهة وصراعاتك علي الحطام وتنافسك علي الدنايا وعزماتك في الحياة.
= بروفيسور لا يجد مالاً ينفق به علي أسرته ويضطر لبيع كل شيء بدءً من سيارته حتى مجوهرات زوجته ومقتنياته الثمينة التي يعتز بها، عزماته وصبره واهتماماته تفضح ضحالة اهتماماتنا بتوافه الأمور، تحية لكل أطباء غزة خاصة والشعب الفلسطيني عامة.