“قل شكوتك”.. ومازال في قلبهِ حب الحياة

كتبت: أسماء خليل

“زواج بلا أهداف”.. هذا أنسب وصف يتم قوله في مشكلتي، معاناتي التي حملتها وحدي، ربما بإرادتي؟!.. ربما رغمًا عني ؟!.. الأهم أنني أصبحت رجل مُقيد بالهموم والمشكلات التي لا طاقة لي بها.

أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لشكوى السيد “ل.ك”، والتي أرسلها عبر البريد الإلكتروني راجيًا من الله – سبحانه وتعالى – أن يجد من يشاركه في حمل ولو جزء ضئيل من شكواه، ربما يجد حلًّا لمعاناته.

الشكوى

سيدتي.. لقد ترددتُ كثيرًا قبل أن أكتب إليكِ مشكلتي؛ فكل ما يتملكُني الآن هو أنه قد فات الأوان.. أنا “ل. ك” قد تخطيتُ الأربعين من سني عمري، حاصل على مؤهل متوسط وأعيش بإحدى مدن الدلتا.. تبدأ مشكلتي حينما كنت في العشرين من عمري أعيش وسط أسرتي في سعادة معهودة تحيط بالفقراء رغم كل شيء، الذين ترتسم البسمات بشفاههم رغم خواء بطونهم، كان أبي عاملًا بسيطًا وأمي ربة منزل ولي كثير من الأخوة أنا أوسطهم.

كنت في تلك المرحلة الزمنية أعمل في ورشة عمي للميكانيكا وكان حبي لعمي يحتل منزلة الأول مكرر مع أبي ويكأنهما في سباق لاكتساب محبتي.. كنت أكوّن نفسي وأدخر كل جنيه عسى أن أتزوج فتاة كانت بشارعنا مال قلبي لها وتمنيت أن أخطبها، وبالفعل بعد مرور بضع شهور قرأنا الفاتحة، ولكن أمها كانت دائمًا تُعيرُني بضيق سعة يدي وتتعجل أمري رغم تسلسلي بقيود الفقر.

مرت شهور ومات أبي، وخلفه عمي، فسلسلتني قيودٌ أخرى لا تُقارن بقيود الفقر، قيود ضيق الدنيا رغم اتساع سطحها.

تملَّكني اليأس وظللتُ أعمل بورشة عمي لكي يقتات أولاده الذين هم في مثل سني عمري، وأيضًا أعطى لأمي ما تبقى حتى أساعدها، فقد كان لي أخوة يصغرنني كنا نُساعدهم أنا وباقي أخوتي الأكبر.. ومن الطبيعي أن تطردني أم خطيبتي فليس هناك من أمل أن أكوِّن نفسي وأتزوج ابنتها في القريب العاجل.

كنت أذهب بشكل يومي لدار عمي أعطيها إيراد الورشة ونقتسم نصيبنا كل على حدى.. كانت زوجة عمي تكبرني بعشرين عامًا ولكنها كانت تبدو أصغر من ذلك بكثير ولا أعلم لماذا عندما كانت تراني تدخل الغرفة سريعا لتضع شيئًا من مساحيق التجميل على وجهها وكانت تخاطبني بشيءٍ من التدلل والخضوع ليطمع قلبي- المُعبأة بمرض الشهوة تناسبًا مع سن الشباب – في ودها، وقد كان.

قصصتُ على أمي ما يحدث، فقالت لي تزوجها يا بني فلديهم عمارة وستكون الورشة ملك يمينك حتى تنعم بالحياة الهينة ومازالت زوجة عمك جميلة وأيضًا ترعى أبناء عمك.. لم أفكر طويلا، وما بين عشية وضحاها كنت في فراش عمي.

كانت المرأة شديدة التعلق بي لا تعرف ماذا تفعل كي تُرضيني، توفر لي كل سبل الراحة، وتتجمل وتغار عليَّ بشكل جنوني ولاسيما إذا كنا بأحد المطاعم ونعتني أحدهم بأنني ابنها.

وأنجبت لي ولدًا جميلًا.. ومن ناحيتي تجاوزتُ عن الكثير أيضًا فيما يخص مشاكل أولاد عمي وعدم تقبلهم إياي زوجًا لأمهم، ووصفهم لي في كثير من المرات أنني طامع بما لديهم، حتى هداهم الله وتزوجوا جميعا وتزوج أخوتي وماتت أمي، وسارت الدنيا بنفس الوتيرة التي تنتهجها مع البشر.

اقتصت تلك الأحداث من الزمن أكثر من عشرين عامًا، كبرت الآن زوجتي وأنا مابرحتُ متخطيا الأربعين من عمري، ولم تعد زوجة الفراش لي، وتغيرت اهتماماتها وأصبح مبيتها عند أولادها المتزوجين كثيرا فهي سعيدة جدا بهم، وكل مناسبة وضع لإحدى زوجاتهم أو أعياد ميلادهم تذهب ولا تود العودة للمنزل، وهذا شيء مستجد، فمنذ زمنٍ ليس بالبعيد وكنت أنا أحتل الصدارة في اهتمامها.

سافر ابني للعمل بإحدى الدول العربية وأصبحت أنا رهين محبس الوحدة ومحبس اللا شريك الذي يرافقني.

منذ بضع أيام علمت أن خطيبتي السابقة تزوج رجلها بأخرى وتم طلاقها ولديها بنتان قد تزوجتا.. ففكرت أن نتشارك الحياة وأبدأ من جديد، فمازالت الدنيا لها قدر في قلبي .. وما إن اقترحتُ ذلك، حتى اعترض أولاد عمي بحجة أنني أكلت لحم أمهم وأريد أن أرميها عظامًا، وهي الأخرى رغم أنها همشت وجودي بحياتها ومازالت تصر على إهمالها لي؛ إلا أنها معترضة تماما، وقالت لي سألقيك بالشارع وليس لك علاقة بالورشة وهذه حياتنا نعيشها سويا حتى النهاية.. ماذا أفعل بحق الله؟!

الحل

عزيزي “ل. ك” كان الله بالعون لولا أن الحياة تشغل من قلوبنا جزءًا ما سعينا بالعمل والعيش بها، فقلبك مازال بخير.

عزيزي: إنك في بداية حياتك سعيت نحو زينة الدنيا، ألا وهي المال والبنون.. والآن حينما تزوج البنون ولم يعد للمال محلٌّ للإنفاق، حتى الزوجة هجرتك؛ فلُذت تبحث عن زينة أخرى تُزين بها حياتك كي تشعر أنك مازلت مقيدًا بأسماء الأحياء.. وليس هناك أجمل من المرأة لتزين الدنيا.

عليك أولًا بمواجهة زوجتك التي لم تكن مخطئًا يومًا بزواجك منها، فقد اقتديت برسول الله – صلى الله عليه وسلم – حينما تزوج خديجة – رضي الله عنها – وهي تكبره بعشرين عامًا، وكما أعطتك هي المال والولد والعمل والاستقرار،كنت لها أنت في المقابل الخادم المساعد الأمين، حافظت على مالها وساندتها في تربية أولادها حتى تزوجوا جميعا.

قل لها عليكِ أن تعودي لي كما كنتِ زوجة مخلصة محبة ولا يهم فارق السن فشباب القلب يجمل الوجه ويكسو العظام لحما، فمازلن نرى الممثلات في غاية الجمال وهن في سن متقدم من العمر، وما فَهِمتُهُ من كلامك أنها محبة للحياة بدليل أنها لم تتفرغ لتربية أولادها بعد وفاة زوجها كما تفعل كثيرات من النساء، ولكنها أرادت أن تتزوج وخير ما فعلت.

إذا لم تقتنع زوجتك، وذلك بعد استعطافها ومحاولة اجتذابها باللين والحنو والعطف من كل قلبك؛ فعليك كما اقتديت بالرسول – صلى الله عليه وسلم – في الأولى، أن تقتدي في الثانية.. فقد بدأ رسالته النبوية وهو في سن الأربعين.

تزوج من الإنسانة التي وضعها القدر في طريقك للمرة الثانية رفقًا ومكافأةً لك.. ابدأ حياتك من جديد إذا اختارت زوجتك اعتنائها بأولادها وأصرت على تهميش دورك.. فلا بأس ،أنت الآن أصبحت حاذقًا في مجال الميكانيكا ولك زبائن كُثر وسيرزقك الله في أي مكان، ولن تجد زوجتك من هو في مهارتك وأمانتك وإذا تركت العمل ستُعيدك هي.

لا تكترث لكلام أولاد عمك فالحياة كفيلة بأن تعلم من لم يعلمه والديه.. غدًا سيتيقنون أنك كنت على صواب، وما بين اليوم وغدٍ شيء اسمه الحياة.. فعليك أن تعيشها.

اقرأ فى هذه السلسلة:

زر الذهاب إلى الأعلى