” قل شكوتك “.. ما قبل العاصفة

كتبت: أسماء خليل

سيدتي أرجو التماس العذر لي، فليست مشكلتي مع أسرة زوجي أو أولادي أو ما شابه ذلك؛ فربما يرى القارئ تلك المشكلة بعقله على غير ذات أهمية، ولكن حتمًا إذا التمسها بقلبه سيشعر بما أتحدث عنه.

أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لشكوى أرسلتها السيدة “ص. م”، عبر البريد الإلكتروني راجيةً من الله تعالى أن يجد من يؤازرها ويشاركها آلامها، التي بثتها عبر سطورها.

الشكوى

أنا “ص.م” زوجة منذ ما يقرب من خمسة عشر عامًا.. ربة منزل ثلاثينية العمر.. على قدر من الجمال والثقافة حاصلة على مؤهل عال بالإضافة إلى دراسات تكميلية، زوجي يكبُرني بخمس سنوات ويعمل مهندسًا ناجحًا وقد خطبني لمدة قصيرة كنت أرى في خجله معي أدبًا وكذلك أيضًا أكد أبي.

رزقني الله ابنًا وبنتًا في العقد الثاني من سني عمرهما.. تبدأ مشكلتي ليس من ثاني أو عاشر عام بالزواج ولكن منذ أول يومٍ عُقِد فيه قراننا؛ حيث أنه بمجرد أن تم غلق باب الزوجية علينا وكأنما غُلق معه كل شيء.. زوجٌ لا يُريد أن يتحدث معي.. لكم تعجبتُ جدًا.. لم أحاول أن أحدثهُ في تلك الليلة؛ فقد كان الخجل يتملكني.. وبشكل روتيني مرَّت البضع أيام الأولى من حياتنا.. صمت.. رجل يستيقظ لا يقول صباح الخير.. فقط العبارات المعهودة.. أحضري الإفطار أو الغداء أو ناوليني شيئًا ما وفقط.

لا يعبر بأى كلمة عن أي تصرف أتصرفه، ولا يبدي استحسان أو استهجان لما أرتدي أو أتزين به.. كل شيء يفعله بقوة مرور الحياة.

كُنتُ قد رُزقتُ بالحمل منذ بداية الزواج اشتكيتُ لأمي صنيعه معي وطريقته التي جعلتني أتعجب بحق الله؛ فقد كنتُ أرى أبي يتحدث لأمي ويتشاركان الحديث والحياة، للأسف قالت لي أمي مثلًا لن أنساه حتى الآن؛ إن الزوج بالنسبة للفتاة كأنه الرداء، فهل تخلعين عنكِ رداءكِ وتسيرين بين الخلائق عارية ؟!.

لن أُنكر أنني خفتُ.. فقد أصابني كلامها بالوجل الشديد خشية أن يقع عني ما لبسته يومًا ويراني الناس بأسوأ حال.. تحدثتُ معه مرارًا وتكرارًا لسنوات طويلة وبحثت في الأمر وذهبت إلى خبيرة إرشاد أسري وحاولت تطبيق كل ما تعلمته بحب ومحاولة للتمسك بحياتنا الزوجية في أفضل حال؛ ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل.

لم أيأس حاولتُ وحاولت.. ولا مبرر على لسانه سوى أنني امرأة نكدية.

سارت الحياة هكذا.. بيتٌ لي يعني التنسيق وتربية الأولاد ويعني له ”ترانزيت” من عناء العمل للطعام والشراب وقضاء احتياجاته حتى فى يومي إجازته، فقد كان يزيد على روتينه فقرة القراءة، وبالأخير الإمساك بالهاتف وأنا لا فقرة لي!!.

سارت الحياة على نفس الوتيرة يتخللها شعوري بالاحتياج العاطفي الشديد؛ إلى أن تعرفتُ على رجل عن طريق الفيس بوك حاولتُ أن أسعد بمعرفته ولكن رغم كونه مرموق المكانة؛ إلَّا أنني لم أشعر معه بالأمان لأنه بدأ يطلب مني صورًا شخصية ولم تخلو كل حواراته من الكلمات الجنسية والأمرُّ من ذلك تأنيب الضمير الذي بدأ يعكر صفو حياتي؛ فاستغفرتُ الله وتركته بلا رجعة،، إنَّني الآن أشعر بالضياع ولا ألتمسُ جمال الحياة.. ماذا أفعل سيدتي.

الحل

عزيزتي ص. م كان الله بالعون..

ليست القضية التي تطرحينها بالهينة أبدًا؛ بل هي من أعمدة الحياة، وقياسًا على ذلك فالمرض النفسي أشد وطأة من المرض العضوي.

إن إهمال الأرواح أشد ألمًا من إهمال البطون؛ إذ أنَّ تصنُّم الرجال شيء معهود في مجتمعاتنا الشرقية؛ ولكن المُلفت في قضيتكِ هو أن زوجكِ بدأ هذا الصمت والخرس الزوجي منذ أول يوم بزواجكما؛ فربما عزيزتي كان يعرف فتاة قبل أن يتقدم لخطبتكِ وحالت الظروف في سبيل زواجهما، وربما عانى من الانطواء طوال حياته وأنتِ لا تعلمين.

بصرف النظر عن كل الحيثيات التي صنعت ذلك الرجل بتلك الصفات؛ فقد كبر وكان عليه أن يدرك حتمية وجود زوجة في حياته لها حقوقًا عليه.. ولابد على من حصلوا أعلى الشهادات وقد علمتهم المدارس ولم يعلمهم أهلهم كثيرًا من المهارات؛ أن يتعلموا من فصول محو الأمية في مدارس الحياة المنتشرة في كل البيوت بخبراتها، فقط إن الرجال لا يريدون العلو في ذلك الشأن على وجه الخصوص.. إنهم يريدون التفوق في كل شيء إلا في الحياة الزوجية؛ فوقودها من جهة نظرهم الطعام والشراب وفقط.. لا للمشاعر.. لا الأحاسيس.. لا المشاركة.

اتقوا الله في النساء؛ فلهم مثل ما تطلبون من الاحتواء والعطف والحنو؛ بل إن موقف المرأة أضعف وأهش لأن الرجل في حال إذا أساءت زوجته إليه يبحث عن حب وزواج آخر؛ ولكن ماذا عساها أن تفعل؟!.

عزيزتي.. إنَّني لا أقوم بالتنظير وألقى اللوم عليكِ باعتباركِ قد تواصلتِ مع رجل غير زوجكِ؛ فقد تعرفتي بنفسكِ على نوعية الرجال المنتشرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ إنهم لن يعدو عن كونهم أشخاصًا نرجسيين يلتفون حول الفرائس الأنثوية بفرض جاذبيتهم الجنسية وحسب.. ليس لديهم ما يمنحونه للنساء اللاتي تلتجئن لعلاقات الفيس؛ اعتقادًا منها أنها ستسد الثغرة العاطفية التي ثقبها الزوج بأفعاله الشنيعة.

إنني ومن مكاني هذا أحذر كل فتاة وامرأة من علاقات التواصل الاجتماعي؛ فأولئك الرجال هم المتحرشون القدامى، ولكن بدلًا من التحرش في وسائل المواصلات؛ أصبح التحرش في وسائل الاتصالات.. إنهم كانوا قديمًا يستندون على ضعف المرأة بعدم مواجهة العالم بأن أحدهم يحاول أن يلمس جسدها فيلقون اللوم عليها هي.. والآن يستندون على ضعفها العاطفي وأيضًا صمتها مهما يحدث.

أيتها المرأة لا تجعلي الرجل يتحرش بكِ برغبتكِ وأنت تضحكين على نفسكِ وتتوهمين أنكِ بذلك يتم إشباعكِ عاطفيًا، وعلي الفتيات اللائي تأخرن عن الزواج الصبر حتى يأذن الله ولا تجرحي كرامتكِ.

عزيزتي إن لكِ رسالة بالحياة منحكِ الله إياها دون غيركِ من مخلوقات العالم، إنها رسالة الأنبياء؛ ألا وهي تعليم أولادكِ وتربيتهم وبناء جيل كامل.. لن تجدي عند رجل آخر ما افتقدينه لدي زوجكِ حتى أنصحكِ بالطلاق، ولكن استمري في طاعته ورعايته مأجورة، ولا تعيشي متألمة بواقع مرير.

حاولي عرض مشكلتك على عم أو خال أو أخ أكبر قريب لزوجك، فإن كان بها فنِعم، وإلَّم يكن، فمعيشتك في بيت رجل قاسي القلب خيرٌ من الانفصال.

انظري إلى السماء واستقوي بالله وأكثري التسبيح حتى يطمئن قلبك، ثم انهضي لتهتمي بذاتكِ فهي تستحق.. مارسي هواياتكِ وقومي بعمل أي مشروع من منزلك، صلى رحمكِ.. تناقشي مع إخوتكِ وأصدقائكِ.. وزعي مشاعركِ الراقية التي بداخلكِ حول العالم.. فقط انظري للحياة فلها أوجه كثيرة تؤدي بكِ إلى نفس طريق السعادة.

اقرأ أيضا فى هذه السلسلة:

زر الذهاب إلى الأعلى