صفوت سليم يكتُب: أزمة سد النهضة .. لعب بكل الأوراق
يُخطئ من يتوهم أن مصر ستفرط في أمنها القومي، وواهم أيضًا من يتفهم أن الكياسة السياسية ستكون أولوية قصوى في التعامل مع التهديدات الناجمة في الإقليم التي من شأنها الإضرار بمصالح مصر المائية، والحديث هُنا عن أزمة سد النهضة التي كشفت المخططات كافة، من دولة لا تحبذ التعاون ولا الوصول لحل يرضي جميع الأطراف (مصر – السودان – إثيوبيا) حيث تتمسك القاهرة رمانة الميزان في الإقليم بحقوقها في مياه النيل، وفقًا لاتفاقيات 1902 و1929 و1959 بنسبة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان.
مصر والسلام المشروط
جنحت مصر خلال السنوات المنصرمة نحو المفاوضات بشأن سد النهضة، وكل جولة نعود لنقطة الصفر الكبير، بسبب شيطنة المفاوض الإثيوبي للمفاوضات وعدم وجود نية للوصول لحل يرضي أطراف النزاع، وسنة تلو الأخرى حتى أعلنت عن اكتمال ملء سد النهضة دون الوصول لاتفاق ملزم يضمن حقوق دولتي المصب، إذًا النية باتت واضحة والكلام أصبح على المشاع، ولا يمكن الحديث عن مفاوضات أخرى، مع طرف غير مستأمن وكأننا نحاور حفنة من “أطفال صغار يلهون في فناء خلفي”، ولكن رغم كل رغم لا تعلم إثيوبيا أن الصبر لن يدوم طويلًا وهناك كروت لم يتم استخدامها، وكل السيناريوهات متاحة.
الغرور الإثيوبي وطريق الهلاك
ونظرًا لوجود تعنت إثيوبي واضح، كشفت مصر في ديسمبر 2023 انتهاء المسار التفاوضي بشأن السد الإثيوبي بسبب “استمرار المواقف الإثيوبية الرافضة للوصول لاتفاق، ومنذ ذلك الوقت لا نسمع سوى تصريحات إثيوبيا في الفضاء الإلكتروني مستعدين للتفاوض، هل نركن للحديث “الفارغ” أو نقف ولو دقائق عند ذلك، إثيوبيا تنفذ مخططات واضحة لأطراف واضحة، ومعلومة، ولكن المتغطي بهؤلاء عريان، وعندما تنشب المعركة لن ترى سوى الجري وترككم تواجهون الطوفان وحدكم، وغضبة مصر لم يراها سوى الكيان الصهيوني ويعلمها جيدًا، “وإن كنتم نسيتم اللي جرى هاتوا الدفاتر تنقرى”.. فلماذا الغرور والمضي قدمًا نحو طريق الهلاك!.
الغلام الإثيوبي وبداية النهاية
إن إعلان الغلام الإثيوبي آبي أحمد، اكتمال بناء سد النهضة على النيل الأزرق، لن يكون عائقًا في دفاع مصر عن مصالحها، وهناك من يديرون الملفات بحنكة ويضعون السيناريوهات كافة التي تحافظ على كل قطرة مياه لمصر، ولكن أتوقع أن المرحلة الجارية هي مرحلة دراسة من قبل المسؤولين، فلا يخفى على أحد حالة الاضطراب في القرن الإفريقي التي تنذر بحدوث انفجار يهدد مصالح الجميع، وأظن أن هناك من سيتدخل لحل الخلاف، والحيلولة دون حدوث نزاعات المنطقة في غنى عنها، فمن سيرى حياة شعب تهدد ويقف مكتوفي الأيدي؟!.. أثق تمامًا أن الحول بأي وسيلة باتت قريبة أقرب من أي وقت مضى، ستقولون من أين الثقة؟.. سأقول أن قوة مصر معروفة للأصدقاء والأعداء، ولن يراهن أحد على الصبر الطويل، عندما يتعلق الأمر بشريان الحياة.
آبي أحمد والرسالة الأخيرة
وفي خطوة حبست المياه في مثانة أبي أحمد، قامت مصر بتفعيل الاتفاقيات العسكرية مع الصومال وإرسال عدد من القوات المصرية لـ دولة الصومال الشقيقة، وهي رسالة لمن يعي ويتفهم ما بين السطور، للحفاظ على مقدرات الوطن، ولكن من الأفضل لأي دولة عميلة عدم اختبار مصر خاصة أنها قادرة على الوصول إلى أي مكان، وإن كانت القوات مساعدة للجيش الصومالي ورفع كفاءته القتالية ودعم وحدة الأراضي الصومالية ، إلا أن المفاوض الأثيوبي بات لا ينام الليل وعاد للحديث عن المفاوضات مرى أخرى، وتباكى بخطاب لمجلس الأمن بأن مصر تلوح بالقوة!.. أين القوة يا بني!.
السيادة الفارغة.. وأحلام الحبشي الضال
وفي خضم حالة الهيستريا من التحركات المصرية، خرج آبي أحمد يهذي بأحاديث غير مفهومة هي بشكل عام، ولكن تكشف مدى الضغوط التي يتعرض لها، معلوم الرعب بلغ مداه، وكانت الرسالة “بلاده سوف تتصدى لأي دولة تهدد سيادتها”.. ولا أعلم عن أي سيادة يتحدث الرجل هناك من همس في أذنيه بأن اتفاقات الدول مع بعضها لإحداث تنمية تخص السيادة، أو تنال من هيبة الدولة أي دولة، عليك مراجعة نفسك يا فتى وعدم السماع لشرذمة ضالة تريد إيقاعك في معركة أنت في غنى عنها، ستعيد بلادك إلى القرون الوسطى، فمنطقة القرن الإفريقي باتت على المحك ولا تحتاج إلى نزاعات أخرى.