طارق صلاح الدين يكتب: فصل من كتابى عبدالناصر بلاتشويه 

بيان
الجزء الرابع 
ترددت في الآونة الأخيرة أكذوبة تم نسجها بدقة شديدة وتنص على أن: الإصلاح الزراعى كان مشروع الملك فاروق الأول وليس مشروع ثورة ٢٣يوليو وزعيمها عبدالناصر.
وأن الملك فاروق سبق رجال الثورة بهذا المشروع بل وأيضا تفوق عليهم.. حيث قام بتوزيع ثلاثة آلاف فدان من أراضيه على ٦٠٠اسرة بقرية كفر سعد بمحافظة دمياط.
ولم يمس الملكيات الخاصة بالإقطاعيين.
عكس قوانين الإصلاح الزراعى التى صدرت في ٩ سبتمبر ١٩٥٢، والتى بموجبها تمت مصادرة أراضى الإقطاعيين وتوزيعها على الفلاحين.
وتتسع الأكذوبة لتشمل نوعية الأراضى التى تم توزيعها على الفلاحين فى عصر الملك فاروق، وذلك بأنها كانت أراضى بور اشترط فاروق على الفلاحين استصلاحها، عكس أراضى الاقطاعيين التى تم توزيعها على الفلاحين بموجب قانون الإصلاح الزراعى، والتى كانت مزروعة ومنتجة مما أدى إلى تفكيك الملكيات الزراعية الكبيرة.
…..
وقبل الرد على هذه الاكذوبة لابد من توضيح عدة نقاط:
أولا: كيف حصل الملك فاروق على أراضيه الزراعية التى وزع منها ثلاثة آلاف فدان على الفلاحين؟.
سنعود الى الوراء قليلا لنكتشف أن: محمد علي باشا قام بنزع ملكية جميع الأراضى الزراعية من ملاكها المصريين.
وطلب بصفته نائب الخليفة العثمانى حجج ملكية الأراضى الزراعية لمراجعتها وفحصها.
ثم قام بإحراق جميع حجج الملكية وأعلن نفسه المالك الأوحد لأرض مصر.
المصدر:
(كتاب تاريخ مصر من الفتح العثمانى إلى قبيل الوقت الحاضر.. تأليف عمر السكندرى وسليم حسن..صفحة ١٤٩)
ثانيا: نعود إلى الملك فاروق لنجد أن: توفى الملك فؤاد وترك لفاروق ١٥ ألف و٤٠٠ فدان تنازل لفريدة عن ألفين فدان هدية الزواج، لتصبح أراضيه ١٣ ألف و٤٠٠ فدان.
وعند رحيل فاروق عن مصر عام ١٩٥٢ وصلت ملكية فاروق إلى ٩٦ ألف فدان، بالإضافة إلى ٩٦ ألف فدان أخرى ملك الأوقاف كان يديرها الملك فاروق لحسابه الخاص.
أى أن فاروق مات وهو يمتلك ويدير قرابة ٢٠٠ ألف فدان من إجمالى مساحة مصر الزراعية التى تبلغ خمسة ملايين فدان، وضعت فاروق على رأس الاقطاعيين فى مصر.
واستخدم فاروق أساليب ملتوية للحصول على هذه الأراضى الشاسعة، سواء بإرغام ملاك الأراضى التى يريدها على بيعها بأبخس الأثمان، أو بوضع اليد على الأراضى التى يريد ضمها، أو استصلاح آلاف الافدنة عن طريق المساجين الذين لايحصلون على مقابل الإستصلاح، أو التمويل من ميزانية الدولة ووضع أراضى أبناء الأمراء المتوفين تحت وصايته.
(كتاب فاروق ملكا..تأليف أحمد بهاء الدين..الصفحات أرقام ١١٣ و ١١٤ و١١٥).
…..
وأذكر الآن الأسباب الحقيقية التى دفعت فاروق لتوزيع ثلاثة آلاف فدان على فلاحين كفر سعد.
أولا: رتفاع الأصوات المطالبة بتحديد الملكية الزراعية على صفحات الصحف، وكذلك داخل قاعات البرلمان خلال حكم فاروق.
ثانيا: قيام مريت غالى بنشر كتيب قدم به مشروع عن الإصلاح الزراعى، ويتضمن تحديد الملكية الزراعية بمائتى فدان، بعد أن تستولى الحكومة على مايزيد عن هذا الحد من الملكيات القائمة.
ثالثا: أصدر صادق سعد أحد كتاب مجلة (الفجر الجديد) الماركسية كتيبا عام ١٩٤٥، باسم (مشكلة الفلاح).
وطالب فيه بتحديد الملكية الزراعية بخمسين فدان وتوزيع الباقى على الفلاحين.
رابعا: تقدم محمد خطاب عضو مجلس الشيوخ وعضو الهيئة السعدية بمشروع تحديد الملكية الزراعية، بحد أقصى خمسين فدان، ولكن مجلس الشيوخ فى جلسة ٢٦ يونيو ١٩٤٥ هاجم المشروع وأتهم خطاب بالشيوعية.
أما الملك فاروق والذى يدعى أنصاره كذبا أنه استبق مشروع الإصلاح الزراعى، فقد واجه مشروع تحديد الملكية الزراعية بمنتهى الشراسة لأنه كان أكبر اقطاعى فى مصر.
(كتاب ثورة ٢٣ يوليو..تأليف أحمد حمروش..صفحة ٢٥٦)
…..
ويعود السبب الأعظم لقيام فاروق بتوزيع أراضى كفر سعد على الفلاحين إلى رغبة الإحتلال البريطانى فى استرضاء الفلاحين خوفا من إنطلاق ثورتهم على الاقطاعيين، ومراقبة الولايات المتحدة الأمريكية لأوضاع الفلاحين بحذر شديد، وترديد المسئولين الأمريكيين الذين يزورون مصر لفكرة الإصلاح الزراعى، والقيام بإصلاحات إجتماعية تمنع اشتعال ثورة الفلاحين.
ولذلك قام فاروق بهذه الخطوة تنفيذا لرغبة أسياده البريطانيين والأمريكيين.
ولم يكرر هذه التجربة مرة أخرى أبدا، رغم أنه استمر فى حكم مصر لمدة أربعة سنوات بعد توزيع أراضى كفر سعد ١٩٤٨.
وكذلك لم يوجه فاروق أوامره بتنفيذ هذه التجربة إلى اقطاعى واحد فى مصر.
ولم يضع فاروق أبدا سقفا للملكية الزراعية، ويعود السبب في ذلك إلى أن فاروق نفسه كأكبر اقطاعى فى مصر، ومعه أعضاء البرلمان ومعظمهم من الاقطاعيين، وهم الذين يشكلون الحكومة، فقد اجتمعوا كنسيج واحد على رفض تحديد الملكية الزراعية، والزج بها فى متاهات لاتنتهى.
وقام أعضاء الحكومة بالدفاع عن أصحاب الأراضى الزراعية من الاقطاعيين.
ودستور ١٩٢٣ نفسه وضعه أصحاب المصالح الزراعية ليقدس ملكية الأراضى، ويمنع المساس بها ويقضى بعدم مشروعية مصادراتها.
(كتاب كبار ملاك الأراضى الزراعية ودورهم في المجتمع المصرى فى الفترة من ١٩١٤ إلى ١٩٥٢…تأليف د.عاصم الدسوقي..صفحتى ٣١٥ و٣١٦)
…..
وهكذا: قمت بتفنيد أكذوبة استباق الملك فاروق لثوار يوليو بشأن قانون الإصلاح الزراعى، وأثبت بكافة الأدلة الموثقة كذب هذا الإدعاء.
(فصل من كتابى عبدالناصر بلاتشويه الجزء الرابع)

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى