طارق صلاح الدين يكتب: طوفان الأقصى إلى أين (36) 

بيان
كما توقعت تماما فى سلسلة مقالات طوفان الأقصى إلى أين لم تتحقق هدنة أو وقف لإطلاق النار فى غزة رغم المزاعم القوية على مدى الشهور الماضية بقرب تحقق هذه الهدنة والوصول إلى إتفاقية تبادل الأسرى بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية وفى مقدمتها حركة حماس.
ولعل السبب الرئيس فى الوصول إلى هذه النتيجة التى طالما توقعتها في مقالاتى السابقة هو يوم ٢يوليو ٢٠٢٤ حيث وافقت حماس في ذلك اليوم على مقترح الرئيس الأمريكى جو بايدن، وعقب ذلك موافقة مجلس الأمن على المقترح وتمسكت فيه حماس بوقف لإطلاق النار وإن كان غير دائم مع التأكيد علي انسحاب غسرائيل من كافة قطاع غزة وإن كان ذلك دون ضمان بعدم تكرار اجتياح اسرائيل للقطاع مرة أخرى وكذلك إصرار حماس على عدم تقديم قائمة بأسماء الأسرى الإسرائيليين الباقيين على قيد الحياة.
ماطلت اسرائيل كعادتها بغطاء من الولايات المتحدة الأمريكية وفرضت اشتراطات جديدة خاضت بها المزيد من المفاوضات بعد ٢ يوليو إلى أن أوقفت حماس التفاوض بإصرارها على تنفيذ اتفاق الثانى من يوليو دون الحاجة لخوض مفاوضات جديدة تعنى المزيد من إهدار الوقت واستمرار الإعتداء على المدنيين بقطاع غزة.
وفى إعلان لايقبل الشك أو التأويل أعلن وزير المالية الإسرائيلى سموتريتش أن محاولات الإفراج عن الرهائن لاتعنى الانتحار الجماعى فقضى على كل أمل في الوصول إلى إتفاق مع حركة حماس التى تمسكت بإصرار بإتفاق الثانى من يوليو.
وعلى صعيد مواجهات غزة فقد انكمشت حركة حماس لإعادة هيكلة قواتها بعد خسائر كبيرة أصابت صفوفها على مدى الأشهر الماضية وخاصة أن الحرب على مشارف إكمال عامها الأول وهو أمر لم تكن تتوقعه قيادات حماس على الإطلاق عند تنفيذ هجوم السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ وخاصة أن أقصى مواجهة عسكرية خاضتها إسرائيل فى تاريخها هى حرب تموز ٢٠٠٦ ضد حزب الله اللبنانى والتى استمرت ٣٣ يوما وهو ماكان يطمح إليه قادة حماس في مواجهاتهم للإحتلال الإسرائيلى بعد السابع من أكتوبر.
لكن المفاجأة تمثلت في الإصرار الأمريكى وليس الإسرائيلى على استمرار الحرب على قطاع غزة دون توقف ورغم كل خسائر إسرائيل الفادحة على جميع الجبهات.
وباتت إسرائيل تحاول جاهدة استعادة الهيبة والسيطرة سواء بنقل ساحة المواجهات تارة إلى الضفة الغربية عن طريق اجتياحات مؤقتة يتم الانسحاب بعدها، وتارة أخرى عن طريق التصعيد على الجبهة الشمالية مع حزب الله اللبنانى.
وتأتى عملية قصف قرية كفر رمان في الجنوب اللبنانى وإصابة ١١مدنيا بينهم نساء وأطفال نقطة تحول جديدة في مواجهات اسرائيل وحزب الله حيث وسع الأخير نطاق عملياته ليتجاوز حاجز الأربعين كيلو داخل الشمال الإسرائيلى حيث أطلق حزب الله اليوم السبت ١٤ سبتمبر أكثر من ٦٠ صاروخا على الجليل الأعلى ومدينة صفد وقرية عقبرة جنوب المدينة بخلاف سقوط خمسة صواريخ مساء أمس على صفد، مما أدى إلى اندلاع حرائق علاوة على استهداف حزب الله مستوطنات إسرائيلية جديدة لم يتم إخلاءها.
وبلغت شدة الحرائق مستوى دفع ستة فرق إطفاء إسرائيلية للعمل فى محيط عميعاد قرب بحيرة طبرية.
وتسعى اسرائيل من مواصلة التصعيد على الجبهة الشمالية مع حزب الله إلى تشديد الضغط العسكرى فى محاولة يائسة لدفع حزب الله إلى التراجع خلف نهر الليطانى بما يسمح بعودة المستوطنين إلى الشمال مرة أخرى.
ويبدو أن حزب الله رفض الرسالة الإسرائيلية ورد عليها برسالة أعنف بتوسيع نطاق الاستهدافات داخل شمال إسرائيل وإدخال مستوطنات مأهولة بالسكان إلى محيط الاستهداف وهى رسالة شديدة اللهجة تؤكداستعداد الحزب الكامل للاجتياح الإسرائيلى لجنوب لبنان وهو الاجتياح الذى هدد به القادة الإسرائيليون على مدى الشهور الماضية.
وحذرت الولايات المتحدة الأمريكية من مخاطر هذا الاجتياح غير مأمون العواقب والذى سيأتي بنتائج كارثية على إسرائيل سواء بزيادة أعداد القتلى أو تدمير منازل الشمال دون القضاء التام على حزب الله وقدراته العسكرية.
وتضع الولايات المتحدة نصب عينيها الفشل الإسرائيلى التام في تحقيق هدف واحد من أهداف الحرب على غزة والتى لاتتمتع فيها الفصائل الفلسطينية بالقدرات الرهيبة لمنظومة حزب الله الذى يمتلك عشرات الآلاف من الصواريخ قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، والقادرة على الوصول إلى كل مكان داخل إسرائيل.
ويسعى حزب الله إلى تثبيت معادلة الردع والرد على الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان فى الوقت الذى تسعى فيه إسرائيل إلى القضاء على هذه المعادلة.
وتضع أمريكا فى اعتبارها فرضية تدخل إيران والوكلاء فى الحرب المتوقعة بين إسرائيل وحزب الله لأن إيران لن تسمح تحت أى ظرف بالقضاء على حزب الله أو تحييده.
وتتعالى الأصوات داخل إسرائيل تطالب بضرورة إقالة حكومة نتنياهو المتطرفة لاستعادة الأمن في إسرائيل والهروب من الخطر الوجودى على بقاء الدولة الإسرائيلية حيث أنها المرة الأولى فى تاريخ المواجهات مع العرب والتى يتم فيها التهديد الحقيقى والقصف لكافة الأراضى الإسرائيلية التى ظلت منذ إعلان دولة إسرائيل بعيدة كل البعد عن ساحات الحروب.
ولازلت أرى أن احتمال اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط أمر بعيد جدا لرغبة جميع الأطراف في تجنب هذه الحرب رغم إعلان نفس الأطراف أنها على إستعداد تام لخوض هذه الحرب.
وأتوقع أحداث ضخمة خلال الأيام المقبلة إن شاء الله فى ضوء التصعيد على الجبهة الشمالية وكذلك داخل قطاع غزة والذى ستسعى الفصائل الفلسطينية إلى توسيع عملياتها فيه للتأكيد على أنها لازالت موجودة.

اقرأ أيضا:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى