طارق صلاح الدين يكتب: مصير حسن نصر الله

بيان

حتى الانتهاء من كتابة هذا السطور فى الساعة الأولى من فجر السبت 29 سبتمبر 2024 تأكد مقتل ابنة حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، في الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية ببيروت، مساء أمس الجمعة، فيما لم نعرف مصير أبيها نفسه، الأمين العام لـ “حزب الله”.

طارق صلاح الدين
الكاتب طارق صلاح الدين

وخلال الأيام والأسابيع، والشهور الماضية ، منذ 8 أكتوبر 2023، استمر الهجوم الإسرائيلى على حزب الله سواء باستهداف قادته الميدانيين أو توسيع مدى استهداف حاضنته الشعبية بالاتجاه إلى صور والبقاع وطرابلس وتكرار استهداف الضاحية الجنوبية منذ أغتيال صالح العرورى القيادى بحركة حماس في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وطويلا أيضا استمر الصمت المطبق لدى حزب الله وعدم الرد المناسب على كل استهداف لقيادى بحزب الله ووصل التكاسل مداه بعد استهداف فؤاد شكر الساعد الأيمن لحسن نصر الله ومن بعده سلسلة طويلة من قيادات الحزب وعلى رأسهم إبراهيم عقيل قائد قوة الرضوان وهى قوة النخبة داخل قوات حزب الله.

رد على عدم الرد

وكان من الطبيعى أن يأتى الرد الإسرائيلى على عدم الرد من جانب حزب الله باستهداف رأس حزب الله وأمينه العام حسن نصر الله اليوم فى الضاحية الجنوبية لبيروت بعشرة صواريخ تخترق التحصينات دفعة واحدة استهدفت ستة مبانى وسوتها بالأرض واسقاط قنبلة تستخدمها اسرائيل للمرة الأولى واستهدفت المقر العسكرى الرئيس للحزب ومركز القيادة والسيطرة للحزب والموجود أسفل المبانى السكنية في الضاحية الجنوبية لبيروت.
ولساعات تأخر بيان حزب الله الذى أعلن عن إصداره بعد الغارات الإسرائيلية ولكن كان هذا التأخر مؤشرا قويا على نجاح عملية إغتيال حسن نصر الله.

الاتصال مقطوع

وبعد قرابة أربع ساعات نقل مصدر أمنى لبنانى عن مسئول بحزب الله لم يذكر اسمه أن اتصال الحزب بحسن نصر الله مقطوع تماما وهو مايعنى عدم نجاته و عدم وجوده في مكان آمن كما ذكرت سابقا وكالة تسنيم الإيرانية.
بلاشك هناك اختراقات أمنية واسعة لحزب الله وقياداته سواء بالتجسس الإليكترونى أو بخيانة عملاء للموساد.
وبلاشك أيضا تكررت أخطاء قيادات الحزب على مدى عدة أشهر نتج عنها سقوط كبار قيادات الحزب.
وعلى نمط الإنتظار لساعات طويلة قبل إعلان مصرع إبراهيم رئيسى رئيس إيران ووزير خارجيته حسين امير عبدالله يان تأخر أيضا إعلان مصرع حسن نصر الله ربما لالتقاط الأنفاس وترتيب الأوراق بسرعة.
وفى محاولة لإثبات الوجود أطلق حزب الله ثلاث رشقات صاروخية على مدينة صفد ومدينة نهاريا بعدد ٦٥ صاروخ اصابت مبنى فى صفد وأشعلت الحرائق فى العاشرة مساء الجمعة ٢٧سبتمبر بعد سويعات قليلة من الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية وقبل الإعلان عن مصير حسن نصر الله وهو مايدل بوضوح على إستمرار الحزب فى المعركة ضد إسرائيل وأنه لاتراجع عن ذلك وعن الإنتقام لمقتل رئيس الحزب.

مرحلة جديدة فى الصراع

التطور الأكبر تمثل فى إعلان الجيش الإسرائيلى أنه دخل مرحلة جديدة في الصراع مع حزب الله وأنه استعد لحرب مفتوحة وربما حرب إقليمية.
بلاشك سيدخل حزب الله مرحلة عدم الاتزان بعد غياب أمينه العام وكبار قادته الميدانين ولن يشفع له عنقودية التسلسل القيادى وتعقيده ولا عدم تأثر قاعدة الحزب وقوته الصاروخية بعمليات الاستهداف.
ومن السابق لأوانه الحديث عن خليفة حسن نصر الله وهل يستطيع ملء هذا الفراغ سواء على مستوى حزب الله أو قيادة محور المقاومة والساحات ضد إسرائيل.
السؤال الأكثر أهمية والذى يطرح نفسه بقوة هو مدى تهاون قيادات حزب الله بالإجراءات الأمنية وعلى رأسهم حسن نصر الله حيث نشرت صحيفة يديعوت احرونوت في ١٨ يونيو الماضى أن إيران حذرت حزب الله اللبنانى من احتمالية أن تقوم اسرائيل باغتيال حسن نصر الله.

قلق إيران

وذكر تقرير الصحيفة أن مبعوثا إيرانيا وصل بيروت فور إغتيال طالب سامى عبدالله قائد وحدة ناصر التابعة لحزب الله فى جنوب لبنان والتقى مقربين من حسن نصر الله فى غرفة مغلقة لإبلاغهم بقلق إيران من استهداف اسرائيل لنصر الله نفسه.
وأكدت صحيفةيديعوت احرونوت أن الموساد يعرف على مايبدو الموقع الدقيق لنصر الله فى جميع الأوقات حتى لوغير أماكن تواجده وحتى نصر الله نفسه يعرف أن اسرائيل يمكن أن تصل إليه ولكنها تحجم عن ذلك حسب التقرير.
وعلى رغم تشديد الأمن حوله قال رئيس الموساد السابق يوسى كوهين مؤخرا ( نحن نعلم الموقع الدقيق للأمين العام لحزب الله ويمكننا القضاء عليه فى أى لحظة..وإذا تم إتخاذ قرار بتصفية الحسابات مع نصر الله يمكن لإسرائيل أن تفعل ذلك فى أى وقت).

خطأ فادح

وبغض النظر عن نجاح اسرائيل فى اغتيال نصر الله، نؤكد بما لايدع مجالا للشك أن عملية اغتيال نصر الله خطأ فادح يضاف إلى سلسلة الأخطاء الفادحة التى ارتكبها نتنياهو واخرها إعلانه إضافة هدف جديد لأهداف الحرب على غزة وهى تدمير حركة حماس وإطلاق سراح المعتقلين الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية وضمان عدم تكرار ماحدث في السابع من أكتوبر وهو إعادة سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم.
والحقيقة المطلقة أن هذا الهدف الجديد يضاف إلى سلسلة الأهداف الفاشلة التى وضعها نتنياهو كأولويات وأهداف تحقق النصر المطلق الذى لم يتحقق على مدى عاما كاملا من الحرب والأدلة القاطعة تتمثل فى إستمرار عمليات حماس في غزة بالإضافة إلى إستمرار حزب الله فى إطلاق الصواريخ على اسرائيل مع توسيع مدى الاستهداف وأخيرا إطلاق الحوثيين صاروخ باليستى جديد على إيلات فجر الجمعة ٢٧ سبتمبر بالإضافة إلى المسيرة يافا التى استهدفت عسقلان علاوة على دخول الفصائل العراقية المسلحة على خط قصف اسرائيل باستهداف أربعة أهداف إسرائيلية في الجولان السوري المحتل ومنطقة غور الأردن.
فهل حقق نتنياهو هدفا واحدا من أهداف الحرب بعد مضى عام كامل على اندلاعها؟
يأتى النفى القاطع الصريح على هذا السؤال ليعبر عن واقع قاسى تشهده اسرائيل التى اصبحت هدفا لضربات عراقية لبنانية يمنية فلسطينية بالإضافة إلى فشل إعادة سكان غلاف غزة إلى المستوطنات فلم يجد نتنياهو مفرا إلا الهروب إلى الأمام بإشعال الحرب مع حزب الله والتى تختلف تماما عن حرب غزة حيث أن إمدادات السلاح مفتوحة على مصراعيها إلى حزب الله عكس الفصائل الفلسطينية المحاصرة فى قطاع غزة.
بالإضافة الى نهج حزب الله الراسخ بتكوين قيادات من الصف الثاني والثالث تمثل احتياطى استراتيجى وجاهز لملء الفراغ الذى يشكله إغتيال قادة الصف الأول.

وبالتأكيد تم إعداد سلسلة بدائل لحسن نصر الله وليس بديل واحد فقط.

النموذج الصارخ

ولعل النموذج الصارخ الذى يدل على نجاح هذه السياسة هو عدم تأثر حزب الله باغتيال عماد مغنية فى ١٢فبراير ٢٠٠٨داخل الأراضى السورية بل زادت قوة الحزب بتولى هيثم على الطبطبائي خلافة عماد مغنية وتم إدخال قدرات جديدة متطورة في منظومة الصواريخ والمسيرات.
ويولى حزب الله أولوية قصوى لتجهيز البديل الأقوى لكل قيادة يتم استهدافها بما لايؤثر على القدرات العسكرية للحزب بل يسهم في تطويرها حيث أن البديل يسعى دائما لإثبات وجوده وأنه ليس أقل من القائد الأصلى وهو نهج تتبعه إيران بشكل متجذر أثبت نجاحه بعد إغتيال قاسم سليمانى قائد فيلق القدس الإيراني ويومها توقع الكثيرون انخفاض قدرات هذا الفيلق ولكن فيما بعد فشلت هذه الفرضية بنجاح ساحق حققه خليفته إسماعيل قان الذى يعمل فى صمت مطبق عكس سليمانى الذى كان يعتمد على الحركة العلنية متخليا عن الحذر الاستراتيجى الذى يلتزم به إسماعيل قان.
رؤيتى الإستراتيجية أن اسرائيل تستعين بضربات سريعة تضعها في موقع المنتصر مؤقتا في أعين الشعب الإسرائيلى ولكنها لاتحقق لها النصر المطلق وقد سبق أن أعلن حسن نصر الله نفسه بعد إغتيال فؤاد شكر الساعد الأيمن لنصر الله وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أن اسرائيل حققت نجاحا ولكنها لم تنتصر في الحرب.
كذلك فإن إغتيال حسن نصر الله لن يحقق الإنتصار لإسرائيل كما لم يحققه إغتيال هنية الذى تم إختيار السنوار الأكثر تطرفا خليفة له وبالتأكيد سيكون خليفة نصر الله على نفس المستوى من التطرف بل وربما يزيد.
والمؤكد أن وتيرة الحرب ستتصاعد وبالتأكيد المنطقة على موعد مع مرحلة جديدة ستدخلها الحرب وإن كنت أستبعد انخراط إيران فى هذه الحرب على الأقل فى المستقبل القريب.
ويجب أن لاننسى أن حزب الله لم يستخدم الا ١٠% فقط من قدراته العسكرية حتى الآن.
ولاشك أن الشعب الإسرائيلى سيعيش نشوة مؤقتة من الفرحة باغتيال نصر الله ولكنه سيعانى طويلا من قصف حزب الله الشامل والمتنوع لكل مكان في اسرائيل ومن مختلف الجبهات.
قادم الأيام سيحمل زخم شديد جدا على جميع الجبهات في حرب أرى أنها ستستمر لفترة ليست بالقصيرة.

طالع المزيد:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى