طارق صلاح الدين يكتب: مابعد حسن نصر الله
بيان
فى البداية لابد أن نؤكد على نقطة فى غاية الأهمية وهى أن حزب الله سيتجاوز وبسرعة عملية اغتيال حسن نصر الله.. ونؤكد أيضا أن القوة المسلحة للحزب لن تتأثر كثيرا بهذا الاغتيال.
والأهم أن الحزب سيستمر في فرض معادلاته على الصراع مع اسرائيل رغم الضربات القوية المتتالية التي تلقاها مؤخرا وآخرها اغتيال أمينه العام الذى صنع حالة من الصدمة الرهيبة أصابت ملايين العرب والمسلمين بعد إعلان حزب الله رسميا مصرع امينه العام حسن نصر الله.
صحة التوقعات
وكنا قد توقعنا فى التقرير الذى نشرناه هنا على “موقع بيان الإخبارى” بالأمس صحة إعلان الجيش الإسرائيلى باستهداف حسن نصر الله واستبقت بذلك كل المواقع الإخبارية التى انتظرت ساعات طويلة حتى أعلن الحزب رسميا نبأ الاستشهاد.
وأما وأن تأكد غياب حسن نثصر عن المشهد يصبح السؤال الذى يطرح نفسه بقوة الآن هو: ماذا بعد نصر الله؟.
الاستفهامات الخمسة
ويتولد عن السؤال السابق عدد من الاستفهامات، الإجابة عليها سوف ترسم ملامح السيناريوهات القادمة، وأول هذه الاستفهامات يتعلق بالشخص الذى سيخلف حسن نصر الله، من عساه يكون؟
وثانيها: أيديولوجي ويتعلق بمسارات الحزب السياسية والعسكرية بعد حسن نصر الله.
وثالثها: مدى تأثر جبهات الإسناد فى العراق واليمن وكذلك جبهة غزة بعملية إغتيال نصر الله.
ورابعها: هل تستمر العلاقات الأيديولوجية بين إيران وحزب الله بنفس القوة والمتانة التى تمتعت بها مع نصر الله؟
وخامسها: هل يستمر حزب الله فى عقيدته المساندة المقاتلة بنفس قوة الدفع التى صنعها نصر الله؟
نظرة إلى الوراء
وقبل الإجابة على هذه التساؤلات لابد من نظرة سريعة إلى الوراء فما أشبه الليلة بالبارحة.
فى ١٦ فبراير ١٩٩٢ قامت مروحية إسرائيلية بإطلاق دفعة صواريخ على سيارة أمين عام حزب الله عباس الموسوى فلقى مصرعه في الحال مع زوجته سهام الموسوى وطفله حسين.
وكانت أكبر عقبة واجهت حزب الله وقتها اختيار الأمين العام الجديد.
ووقع اختيار الحزب على حسن نصر الله الذى كان فى الثانية والثلاثين من عمره وقابل الكثيرون هذا الإختيار بالشك والريبة لصغر سن نصر الله بالنسبة للمنصب وللفارق الضخم فى الإمكانيات العلمية الدينية والقيادية بين نصر الله وعباس الموسوى الذى كان الأستاذ والمعلم لنصر الله.
وبدلا من ضعف الحزب بعد موسوى تمكن نصر الله من تطوير إمكانيات حزب الله بشكل متسارع وأضاف خدمات الرعاية من خلال شبكة معقدة من المدارس والمستشفيات والجمعيات الخيرية مما عظم دور الحزب بين الشيعة وفى لبنان بشكل عام.
واستطاع نصر الله تحقيق أعظم إنجازاته فى عام ٢٠٠٠ بطرد القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان بقوة السلاح ودون توقيع معاهدة سلام مع اسرائيل.
وفى ٢٠٠٦ أعاد حسن نصر الله من جديد الإنتصار على اسرائيل وفرض عليها بعد حرب استمرت ٣٣يوم أن تستعيد رفات الجنديين بمبادلة شملت قرابة ١٥٠٠ لبنانى وفلسطينى معتقلين فى إسرائيل على رأسهم سمير القنطار عميد الأسرى العرب في سجون اسرائيل.
وهكذا صنع نصر الله امجادا لا أعتقد أن عباس الموسوى رغم ثقل دوره كان قادرا على تحقيقها.
ولذلك أعتقد أن مسألة خلافة نصرالله لن تكون معضلة كبيرة في ظل وجود عدد كبير من القيادات التى شهدت مسيرة نصر الله وأضافت إليها من خبراتها الشخصية حتى أن أحد الدبلوماسيين الأوروبيين علق على نهج حزب الله بقوله: “إذا قتلت واحدا فسيحصلون على آخر جديد”.
المرشحون للخلافة
وأول الشخصيات المرشحة لخلافة نصر الله هو هاشم صفى الدين إبن خالة حسن نصر الله وصهر قاسم سليمانى وهو أحد مؤسسى حزب الله وتدرج في مناصب الحزب القيادية حتى أصبح رئيس المجلس التنفيذى لحزب الله ونجح في إعادة إعمار الضاحية الجنوبية لبيروت بعد حرب ٢٠٠٦.
وتعززت علاقته بإيران بشكل كبير بزواج إبنه رضامن زينب إبنة قاسم سليمانى رئيس فيلق القدس داخل الحرس الثوري الإيراني والذى اغتالته الولايات المتحدة الامريكية فى العراق.
وأكدت جميع المصادر العسكرية وعلى رأسها الجيش الإسرائيلى أن هاشم صفى الدين لم يكن موجودا في إجتماع الحزب الذى استهدفت فيه اسرائيل حسن نصر الله.
المرشح الثانى لخلافة نصر الله هو للشيخ نعيم قاسم الذى يشغل منصب نائب الأمين العام لحزب الله منذ عام ١٩٩١ وأبرز المساهمين في تأسيس حزب الله.
وسواء تولى هاشم أو نعيم خلافة نصر الله فإننى اجزم بأن قيادته للحزب ستكون أكثر تشددا من نصر الله.
المسار الأيدولجى
وانتقل إلى النقطة الثانية وهى المسار الأيديولوجي والعسكرى لحزب الله بعد حسن نصر الله لاؤكد أن هذا المسار سيتعزز وبقوة بعد نصر الله فإيران ليست على إستعداد لخسارة أو ضعف حليفها الإستراتيجي بعد رحلة بناء وتكوين منذ عشرات السنوات وبعد أن نقلت إليه إمكانيات تقنية ولوجستية متقدمة للغاية.
بل على العكس أتوقع زيادة الدعم العسكرى الإيرانى بشكل كبير لتعويض النقص الذى تعرضت له قدرات الحزب.
تأثر جبهات الإسناد
وانتقل إلى النقطة الثالثة وهى مدى تأثر جبهات الإسناد برحيل حسن نصر الله لأجد الرد العاجل القادم من اليمن بقصف تل أبيب بصاروخ فرط صوتى بعد ساعات قليلة من إعلان حزب الله مصرع نصر الله وكعادة اسرائيل فى عدم الإعلان عن خسائرها فقد أعلنت أنه تم إعتراض الصاروخ خارج اسرائيل.
ونجد فى المفردات العسكرية الإسرائيلية هذه العبارة دائما مع كل صاروخ باليستى ينطلق من اليمن كما نجد عبارة سقوط جميع صواريخ حزب الله فى مناطق مفتوحة بعد اعتراض معظمها وهو مبدأ تتبناه الرقابة العسكرية الإسرائيلية للحفاظ على الروح المعنوية للجبهة الداخلية الإسرائيلية، وهو الهدف الذى تراه إسرائيل أهم من إعلان خسائر تكسب بها تعاطف العالم.
ليس هناك خيار أخر
وأصل إلى النقطة الأخيرة وهى استمرار حزب الله بنفس قوة الدفع التى صنعها نصر الله لأجد الإجابة المنطقية التى تتجسد في أن قوة حزب الله السياسية والعسكرية ستتضاعف بعد حسن نصر الله لأنه من غير المنطقى أن يتخلى الحزب عن موافقه منذ ٨ أكتوبر بدعم وإسناد غزة أو بعدم الثأر لمقتل أمينه العام وسلسلة القادة الكبار الذين استهدفتهم اسرائيل.
الحزب ليس له خيار آخر فهو يسير فى إتجاه واحد لا يستطيع تغييره لأنه يعنى عمليا نهاية مسيرة الحزب.
وأتوقع نجاح الحزب فى إعادة تجميع نفسه وقوته وعدم تخليه عن الإستراتيجية الرئيسية بعدم عودة سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم أووقف الحرب مع اسرائيل قبل وقف الحرب فى غزة.
وتبقى نقطة أصيلة فى الصراع وهى ترديد مقولة تدخل إيران فى الصراع مع اسرائيل مباشرة بعد إغتيال نصرالله والتى أراها مقولة غير دقيقة مطلقا لأن إيران تعمل دوما على الابتعاد عن المواجهات المباشرة والاكتفاء بدعم وتقوية الوكلاء وعلى رأسهم حزب الله ولذلك لا أتوقع نشوب حرب إقليمية وإن كنت أرى أن الحرب ستكون مفتوحة بين اسرائيل وحزب الله والحوثيين والميليشيات العراقية وأرى أن النتيجة النهائية لن تصب أبدا فى صالح اسرائيل التى لن تعيد سكان مستوطنات الشمال أبدا بالقوة وسترضخ في النهاية لتسوية سياسية تسمح بوقف الحرب على غزة ولبنان معا واستعادة الأسرى بمفاوضات التبادل.