“قل شكوتك”.. أحد أركان السعادة

كتبت: أسماء خليل

“ربما يومًا بيتٌ يجمعنا”.. لقد تيقنت خلال مشواري الضئيل بالحياة أن المأوى هو أهم مُتطلبات الإنسان.. ربما أهم من المأكل والمشرب والملبس.. ربما.. فهي قناعات تختلف باختلاف مرور المرء في رحلة الحياة.

أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لشكوى أرسلها الشاب” ز. ع” عبر البريد الإلكتروني خلال شبكة الإنترنت، راجيًا من الله- سبحانه وتعالى- أن يجد من يشاركه حل مشكلته.

المشكلة

أنا “ز.ع” طالب بالفرقة الثالثة بكلية الحقوق، أعيش في كنف أسرتي التي ما برحت تظللني برعايتها أنا وأختي الوحيدة التي تصغرنى بعامين، وهي بالفرقة الأولى بكلية الآداب.

نحن أسرة ميسورة الحال بفضل الله ثم أبي الذي يعمل في وظيفة مرموقة.. أمي امرأة حنونة القلب، أستطيع القول بأن الطيبة تتمثل في أمومتها لنا، وقد رفض أبي أن تعمل رغم أنها حاصلة على بكالوريوس تجارة.

كنا نعيش – جميعا – أنا وأسرتي الصغيرة في إحدى شقق الإيجار القديم بأحد أحياء القاهرة، ولكن ما كان يؤرقنا ويعكر علينا صفو حياتنا – بشكل دائم – هو رشقنا بالألفاظ التي تجرحنا ذهابا إيابا من صاحبة المنزل وبناتها؛ إذ أنها سيدة فقيرة ولا عائل لها هي وبناتها العشرينيات، وتحتاج من المستأجرين أن يتركوا الشقق أو يرفعوا لها قيمة الإيجار، فقيمة إيجار الوحدة السكنية عشر جنيهات، لكن أبي رجل عنيد، ولا يريد أن يبحث لنا عن سكن أخر أو يزيد قيمة الإيجار.

تأففت أمي الطيبة التي لم تكن تتفوه بكلمة واحدة لهن أثناء مضايقتهن لها، ولكنها ألحت على أبي بترك العقار طالما أنه ميسور الحال، وقالت له : “لماذا نقبل السُّحت؟!! لابد أن نترك الشقة للمرأة وبناتها اليتامى”.

إنَّ أبي يمتلك ثلاث قطع من الأرض وأموالًا كثيرة بالبنك، ولكن كالمعتاد يرفض – دائمًا – كلام أمي.

تبدأ مشكلتنا الحقيقية عندما ماتت جدتي لأمي، وكأن إرث والدتي شقة جميلة وسط القاهرة، طلبت أمي من أبي الانتقال إلى الشقة ولكنه لم يرضَ.. إلى أن حدث يوم من الأيام حادث سيارة لأختي، فانجرحت وانكسرت قدمها كسرًا ليس هينا وطلب الطبيب منها عدم الحركة لمدة شهور يتخللها العلاج الطبيعي، وكان الجرح غائرًا أيضًا.

حينها استطاعت أمي إقناع أبي بالانتقال إلى إرثها في بيت أبيها، حيث شقتها التي تجاور الجامعة؛ حتى يتثنى لأختى الذهاب للكلية برفقة صديقاتها وعدم تضييع العام الدراسي عليها.

وافق أبي على مضض ولكنه اشترط على أمي العودة لشقة الإيجار بعد انتهاء العام الدراسي.

كم عشنا عامًا في شقة أمي هو من أسعد أيام حياتنا!!.. فلم يكن يضايقنا أحد.. وأمي هانئة البال والجامعة بجوارنا وكل شيء على ما يرام، وهاك هو تعريف السعادة.. حتى انتهى العام الدراسي لتقم فيه السعادة بالاستعداد للرحيل وإعطائنا هدنة جراء تصرفات أبي التي أدت إلى تفكك أسرتنا؛ حيث قال لأمي طالما أن ابنتنا شفاها الله، علينا بالعودة لشقتنا مرة أخرى.. بدا على أمي الوجوم والضيق وقالت: “استحالة أن أعود لتلك الشقة أبدا، كيف أرجع لهؤلاء الناس الذين يقبحنني أنا وأولادي كلما ذهبنا أو عدنا ؟!”.

ثار أبي وهاج وأذاقنا المرار.. إلى أن قرر أن يعود ويجبر أمي أن تتبعه، ولكنه خرج ولم يعد ولم تتبعه أمي.

قرر أن يعيش وحيدا وتخلى عنا، وأمي تتنافر طيبتها مع شر أولئك الناس الذين يضايقنها.. ذهبتُ لعمي الذي حاول استمالة أبي للعودة إلينا، كما ذهبتْ أختي لخالي لاستمالة أمي بالعودة لأبي.

ولكن لم تجدِ أي محاولات.. فكلها باءت بالفشل.. باعت أمي ذهبها وقامت بشراء سيارة وأعطتها لقريب لها يسوقها ويدبر تلك التجارة ويعطيها ربحها، كما أن خالي ميسور الحال وقام بعمل مبلغ شهري لأمي لنقتات منه.

ذهب ترابط أسرتنا في مهب الريح.. وبات الهم ساكنًا قلوبنا.. ولا نعد ندري ماذا نفعل.. هل لديكِ من حلٍّ سيدتي؟!.

الحل

عزيزي ” ز. ع” كان الله بالعون..
إن ما نمر به من أحداث ليست- بأيَّة حالٍ – وليدة اليوم والليلة؛ إذ أن التراكمات هي المسؤولة عن ردود الأفعال المستقبلية، فليس الأمر بالنسبة لوالدتكَ وليدًا حديث العهد.

بل إن هناك جذورًا تحت الأرض- من الاختلاف الفكري الجذري- متنامية بين أبيكَ وأمكَ منذ سنوات العمر، ولم تريا أنت وأختك سوى شُجيراتها الظاهرة.

فمن الجلي الذي يستطيع كل من يقرأ رسالتك استنباطه، هو وجود اختلاف فكري وعقائدي بين والدكَ ووالدتكَ، وحينما سنحت الظروف لأمكَ بتعديل مسار حياتها؛ فعلت ذلك دون عودة للوراء.

إنَّ بداخلها الكثير من أبيكم ولا ترونه أنتم،، إن الزوجة العاشقة لزوجها ستذهب معه متحديةً كل الصعاب، ولكن والدتكم على صواب إذ أنها لم ترد أن تأخذ ما ليس من حقها، وهذا الموقف يعكس مدى اختلاف شخصية والديكما.

كان على والدكَ أن يعيد الحق لأصحابه، ويرجع الشقة لتلك المرأة التي ترعى بأرضٍ بور لا تنبت، ذلك المنزل الذي قد ورثته عن أبيها أو والد زوجها كان بالإمكان أن يكون مصدر دخل جيد لها هي وبناتها اليتامى.

إن قانون الإيجار القديم له ما له، وعليه ما عليه، ولكن ما أقره الدين الإسلامي بل وكل الأديان السماوية أن الديمومة حرام شرعًا .. فعائد الربح من أي مشروع بهذه الدنيا لابد أن يكون مناسبًا بشكل طردي للزمن الذي يعيش به المرء.

وإذا قال من هم مثل أبيك إنه دفع إيجارًا شهريا لمدة سنوات وهذا يعادل حق بناء الشقة، فلابد أن نذكِّرهم أن صاحب المنزل لم يكن يبيع الشقق، وإلا كان باعها حينها وربح الكثير، بالإضافة إلى أن العائد المادي تقل قيمته بمرور الزمن.

فصاحب المصنع يربح كثيرا من الزبائن، فهل بذلك لهم الحق في امتلاك مصنعه!!.. إن مَن يبني عقارًا للإيجار يجعله مشروعه الذي يتربح منه كأي مشروع بالعالم.. فهل يحق للمتعاملين السطو على ممتلكات الغير؟!!.

هو أسَّسَ ذلك المنزل ليدر دخلا عليه يقتات منه طيلة العمر، فما معنى أن يكون إيجار شقة لا يشتري كيس حلوى لطفل صغير!!!.

عزيزي.. عليكم بالمحاولة مرارًا وتكرارًا مع والدكم ليرجع الشقة لأصحابها وخاصةً أن الله قد فتح عليه ورزقه من فضله بأموال وأراضي، فليترك هذا الشأن للفقراء الذين لا يستطيعون دفع الإيجار الحديث، وعليهم أيضًا التفاهم مع أصحاب البيوت؛ حتى لا يظلمون أحدًا.

استمروا بالمحاولات، ولتذهبوا إلى رجل من رجال الدين واستعطفاه ليقنع والدكما ويناقشه بالحكمة حتى يعود لبيتكم. ولتذهب والدتكم إليه وتحاول معه أيضًا وتخبره أن القضية ليست قضية أن يعيش هو في بيت أبيها؛ لأن هناك رجالًا لا يفضلون ذلك.

فلتحاول أمكم أن تفهمه جيدًا أن هذا لا يعنيها على الإطلاق وأنَّ أهم شيء بحياتها هو وجوده جوارها. أعانكم الله على حالكم.

منحكَ الله السعادة وراحة البال.

…………………………………………………………………………………………………..

راسلوني عبر الواتس آب 01153870926 و “قل شكوتك” وأنت مطمئن لعلى بعد الله أستطيع أن أخففها عنك.

اقرأ فى هذه السلسلة:

زر الذهاب إلى الأعلى