أسوشيتد برس: اللبنانيون في مفترق طرق بين البقاء والهجرة وسط تصاعد الاضطرابات

وكالات

يشهد لبنان حاليًا موجة جديدة من الاضطرابات السياسية والأمنية، حيث يقف المواطنون أمام خيارين صعبين: البقاء في وطنهم الذي يعاني من أزمات متفاقمة أو الهجرة بحثًا عن حياة أكثر أمانًا واستقرارًا.

اقرأ أيضا.. تقرير إسرائيلى عن قوة العباس التابعة لحركة أمل اللبنانية

هذا المأزق يعيد إلى الأذهان فترات سابقة من تاريخ لبنان الحديث الذي لطالما كان مسرحًا لصراعات وحروب تسببت في موجات نزوح كبيرة.

لبنان بين الاضطرابات والصمود

تشير وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية في تقرير حديث لها إلى أن اللبنانيين يعانون من معضلة تاريخية بين مغادرة الوطن أو البقاء وسط تحديات متزايدة، فقد شهد لبنان خلال العقود الماضية أزمات متلاحقة، بدءًا من الحرب الأهلية التي استمرت 15 عامًا، وصولًا إلى التفجيرات، والاحتلالات العسكرية، والاغتيالات السياسية.

رغم ذلك، يظل لبنان موطنًا للطوائف الدينية المتعددة والمجتمعات المهاجرة الكبيرة التي لطالما دعمت اقتصاد البلاد من الخارج.

التصعيد العسكري يزيد من التوترات

يشير التقرير إلى أن الوضع الحالي في لبنان يتسم بالتصعيد العسكري الذي زاد المخاوف من اتساع نطاق الصراع، فمنذ أواخر الشهر الماضي، نفذت إسرائيل ضربات مكثفة على مواقع في لبنان، مستهدفة “حزب الله” بهدف إبعاده عن الحدود المشتركة.

أسفرت هذه الضربات عن مقتل نحو 1400 شخص، من بينهم مدنيون ومقاتلون، كما شُرد حوالي 1.2 مليون شخص من منازلهم، في حين يترقب المجتمع الدولي ما ستؤول إليه هذه التوترات المتصاعدة.

لبنان على حافة الانهيار

يصف جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأمريكي ذو الأصول اللبنانية، الوضع في لبنان بأنه “غير محتمل”، ويشير إلى أن لبنان يعاني بالفعل من انهيار اقتصادي خانق، بالإضافة إلى تداعيات انفجار ميناء بيروت في عام 2020، فضلًا عن الفراغ السياسي الذي يعصف بالبلاد منذ عامين لعدم انتخاب رئيس جديد.

يؤكد زغبي أن الولايات المتحدة لم تتعامل مع الوضع في لبنان بشكل مناسب، مشيرًا إلى أن التصعيد الحالي قد يخرج عن السيطرة إذا لم يُتخذ إجراء عاجل لكبح التصعيد، هذا الشعور بالعجز واليأس يعكس حجم المعاناة التي يعيشها اللبنانيون يوميًا في ظل الوضع الراهن.

الجالية اللبنانية ودورها في دعم الوطن

على الرغم من الأزمات التي تعصف بلبنان، فإن الجاليات اللبنانية في الخارج تلعب دورًا كبيرًا في دعم البلاد. بحسب أكرم خاطر، مدير مركز “خير الله لدراسات الشتات اللبناني” بجامعة ولاية كارولينا الشمالية، فإن اللبنانيين المهاجرين يساهمون بشكل كبير في الاقتصاد اللبناني عبر تحويلات مالية كبيرة إلى وطنهم.

ومع ذلك، يشير خاطر إلى أن التصعيد الحالي يمثل “صدمة” للبنانيين المغتربين، مشيرًا إلى أن المجتمع اللبناني في الخارج يتحد في مواجهة هذه المحنة، سواء من خلال الاحتجاجات أو تنظيم فعاليات لدعم لبنان.

قصص من الشتات اللبناني

من الولايات المتحدة إلى البرازيل، مرورًا بجنوب إفريقيا وقبرص، يكافح أفراد الشتات اللبناني من أجل مساعدة أحبائهم في الوطن. تروي لينا خياط، التي انتقلت إلى جنوب إفريقيا منذ 36 عامًا ولا تزال عائلتها مقيمة في لبنان، شعورها بالعجز والخوف على مصير أسرتها.

“لقد عشنا حربًا أهلية لفترة طويلة، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه”، تقول خياط، مشيرة إلى أن القلق والخوف باتا رفيقين دائمين لعائلتها.

وفي البرازيل، يعيش حسين زين الدين مأساة فقدان أحبائه في لبنان. خلال عطلته في جنوب لبنان، تعرض منزله للقصف إثر الهجمات الإسرائيلية، مما أسفر عن مقتل شقيقته. حسين وعائلته اضطروا للهرب إلى منطقة أكثر أمانًا قبل أن يتمكنوا من العودة إلى البرازيل، حيث غادروا فقط بأقل القليل من ممتلكاتهم، تاركين وراءهم منزلهم المدمَّر.

لبنان بين الهجرة والبحث عن الأمان

تتكرر مثل هذه القصص عبر الجاليات اللبنانية في جميع أنحاء العالم. في قبرص، اختارت روزالين جوكاسيان وعائلتها مغادرة لبنان بعد انفجار ميناء بيروت في 2020، حيث لم يكن القرار مرتبطًا بالمال، بل بالسعي نحو الأمان.

جوكاسيان أكدت أن الأغلبية العظمى من اللبنانيين لا يريدون هذه الحرب، ولكنهم مضطرون للعيش في ظلها.

هذا الصراع الداخلي بين البقاء والهجرة يواجهه معظم اللبنانيين اليوم، الذين يرون أن بلدهم الغارق في الأزمات لم يعد قادرًا على توفير الأمان أو الاستقرار لأبنائه، بينما يواصل الكثيرون البحث عن فرصة للهرب، تبقى مجموعة أخرى تأمل في التمسك بوطنها رغم كل الظروف الصعبة.

مستقبل مجهول وحاجة إلى تدخل دولي

مع استمرار التصعيد العسكري والأزمات السياسية والاقتصادية، يظل مستقبل لبنان غامضًا. التساؤلات حول قدرة البلاد على الصمود تتزايد، وسط دعوات من الجاليات اللبنانية في الخارج والمجتمع الدولي لضرورة تدخل عاجل لوقف التصعيد وتقديم المساعدة للشعب اللبناني المنهك.

زر الذهاب إلى الأعلى