طارق صلاح الدين يعيد قراءة المشهد: اليوم الأول بعد العام الأول من انطلاق عملية طوفان الأقصى
بيان
أولا: نقطة البداية
لابد وأن نعود إلى نقطة البداية بعد عام كامل مضى على أحداث السابع من أكتوبر ٢٠٢٣.
ولا أبالغ إذا قلت أن أكثر المتشائمين فى الفصائل الفلسطينية لم يكن يتوقع أبدا إستمرار الحرب على قطاع غزة وعبورها إلى العام الثانى.
وفى الاعراف العسكرية هناك قاعدة معروفة وتنص على أن أى طرف يستطيع وضع بداية لأى حرب ولكنه لايستطيع وضع نهاية لها.
ومن المؤكد أيضا أن محمد الضيف القائد الميدانى لحركة حماس والمخطط الأول لهجمات السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ كان يضع فى إعتباره أن اسرائيل لاتسطيع خوض المعارك الطويلة وأنها تعتمد على الحرب الخاطفة التى تستمر لعدة أيام وعلى أقصى تقدير لأسابيع ولكنها لن تتجاوز العام.
ورغم ذلك القصور في التوقع فإن قادة الفصائل الفلسطينية أعدت العدة لمعركة طويلة وعدلت تكتيكات الإستخدام للأسلحة بمرور الوقت والإقتصاد في إطلاق الصواريخ والعبوات الناسفة والذخيرة الحية بما مكنها من الاستمرار في ساحة المواجهة مع الجيش الإسرائيلى حتى اللحظة علاوة على إعادة تدوير الأسلحة والقذائف والقنابل والصواريخ التى لم تنفجر وإعادة استخدامها مرة أخرى ضد الجيش الإسرائيلى.
ثانيا: تقييم للرد الإسرائيلى على هجمات السابع من أكتوبر
أعلن بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى منذ اللحظة الأولى عن أهدافه من إعلان الحرب على قطاع غزة وهى القضاء على حركة حماس وإطلاق سراح المعتقلين الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية وضمان عدم تكرار ماحدث في السابع من أكتوبر.
واليوم بعد مرور عام كامل على الحرب فشل نتنياهو إلى حد الكارثة فى تحقيق هدف واحد من أهداف الحرب.
وهو ماسنوضحه بالتفصيل فيالتالى:
ثالثا: اليوم الأول بعد العام الأول
وقبل تحليل اليوم الأول بعد العام الأول لابد من التركيز على نقطة فى غاية الأهمية وأوضحتها منذ اللحظة الأولى وهى انخراط الولايات المتحدة الامريكية بشكل مباشر فى الحرب، وكان أبرز دليل على ذلك هو توجه حاملات الطائرات الأمريكية إلى البحر المتوسط منذ اليوم الأول لمنع هجوم موسع على اسرائيل ولردع إيران وحزب الله عن استغلال الفرصة ومهاجمة اسرائيل.
وبالإضافة إلى ما سبق هذا الدعم المالى والعسكرى غير المحدود وتواجد القادة الأمريكيين في غرف القيادة العسكرية الإسرائيلية وتطيير مسيرّات التجسس الدقيقة فوق قطاع غزة لجمع معلومات عن الأسرى الإسرائيليين أو قادة حركة حماس.
باختصار شديد نستطيع التأكيد على أن الولايات المتحدة وجدت في أحداث السابع من أكتوبر الفرصة الذهبية في القضاء على المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية، وتشكيل شرق أوسط جديد تمثلت إرهاصاته في اتفاقيات التطبيع بين اسرائيل والعديد من الدول العربية، وفى القضاء على نفوذ إيران فى المنطقة ومنع التمدد الصينى والروسى في الشرق الأوسط.
وفرت الولايات المتحدة كل الإمكانيات المادية واللوجستية التى عوضت اسرائيل عن إغلاق ميناء إيلات لعام كامل ومنع الملاحة فى البحر الأحمر بواسطة الحوثيين الذين مثلوا الذراع البحرى الفاعل لإيران.
وشهدت بداية العام الثانى من الحرب على جميع الجبهات رسائل من جميع الجبهات أيضا وكانت البداية القوية والمنطقية من قطاع غزة الذى أعلن نتنياهو مرارا وتكرارا أن العمليات العسكرية إنتهت فيه وقام بنقل جزء كبير من الجيش الإسرائيلى إلى جبهة الشمال لمواجهة حزب الله وإعادة سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم.
رابعا: رسائل فلسطين
تمثلت (الرسالة الفلسطينية) من غزة فى رسالتين إحداهما إعلامية والأخرى ميدانية.
الرسالة الإعلامية أطلقها أبو عبيدة الناطق العسكرى لحركة حماس والذى تغيب عن إلقاء كلمة بمناسبة مرور ٣٠٠ يوم على الحرب فى ٧ يوليو الماضى وتوقعت أوساط عسكرية إسرائيلية أنه تم اغتياله لكن ظهر أمس ليكذب هذه التوقعات معلنا أن الفصائل الفلسطينية ستستمر فى عمليات الاستنزاف لفترة طويلة بعد استفادتها من إعادة انتشارها في المحاور الرئيسية مثل مدينة رفح ومحور نتساريم والمناطق العازلة وكذلك عمليات التوغل فى مناطق مثل جباليا.
ولم يستبعد أبو عبيدة دخول ملف الأسرى إلى نفق مظلم.
ولم يكن ظهور أبو عبيدة هو المفاجأة الوحيدة بعد الزعم باغتياله بل كانت هناك مفاجأة أكثر قسوة فى انتظار إسرائيل عندما وجه خليل الحية عضو المكتب السياسي لحركة حماس كلمة الحركة فى ذكرى مرور عام على عملية طوفان الأقصى ووجه فيها التحية إلى محمد الضيف القائد الميدانى لحركة حماس والذى أعلنت اسرائيل أنها نجحت في اغتياله فى ١٣ يوليو الماضى فى هجوم ضخم على منطقة المواصى فى قطاع غزة.
أما الرسالة الميدانية التى أطلقتها حماس فتمثلت فى قصف تل أبيب برشقة صواريخ عبارة عن خمسة صواريخ من نوع (مقادمة ٩٠) أمس الثلاثاء ٧ أكتوبر ٢٠٢٤ واستهدفت بالإضافة إلي تل أبيب بلدة سديروت ومحيط غزة.
وتعتبر هذه الرسالة الميدانية إعلان واضح عن جاهزية المقاومة بعد مرور عام كامل على الحرب.
الرسالة الميدانية الثانية أطلقها الحوثيون من اليمن واستهدفت مواقع إسرائيلية فى يافا وإيلات بصاروخين باليستين من نوع (فلسطين ٢) و (ذوالفقار) وعدة مسيرات من نوع (يافا) و (صمادا ٤).
وتوعد محمد على الحوثي عضو المجلس السياسى الأعلى للجماعة بمزيد من الصواريخ الفرط صوتية التى ستقصف إسرائيل خلال الأيام القليلة القادمة.
الرسالة الثالثة أطلقها اليوم الأربعاء الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله وأكد فيها على استمرار المقاومة وإسناد جبهة غزة والتصدى للجيش الإسرائيلى.
كما أعلن قاسم أن حزب الله تعافى من الضربات المؤلمة التي تلقاها من إسرائيل وعلى رأسها اغتيال حسن نصر الله الأمين العام للحزب، الذى ترك للصهاينة إرثا من المقاومة الصلبة مؤكدا أن الطريق الوحيد هو استمرار المقاومة وجاهزيتها بعد ملء المراكز الشاغرة، وأنه الآن ليس هناك مركز قيادى شاغر في حزب الله سواء سياسيا أو عسكريا وأنه سيتم اختيار الأمين العام الجديد وفقا لقواعد الحزب التنظيمية قريبا.
وأضاف قاسم: فشل الجيش الإسرائيلى فى اقتحام حافة الحدود حتى اللحظة متوعدا بمفاجأة صادمة عند دخول الجيش الإسرائيلى إلى جنوب لبنان، معبرا عن رغبة الحزب فى الالتحام بالجيش الإسرائيلى سواء في الحافة الأمامية أو بعد ذلك ومؤكدا على عدم إعادة المستوطنين إلى الشمال بل وسيتم تهجير أضعاف هؤلاء خلال الفترة القادمة.
ونفى نعيم قاسم بشدة تأثر حزب الله وذكر أن إمكانات الحزب القتالية بخير وأن كل ماذكرته اسرائيل عن تدمير البنية التحتية لحزب الله هو وهم وكذب.
وبمجرد إنتهاء كلمة نعيم قاسم قام حزب الله بقصف حيفا والكريوت برشقة صواريخ ضخمة بلغت ١٠٥ صاروخ سقطت على١٥٠ موقعا فى حيفا.
وقال بيتر ليرنر المتحدث بإسم الجيش الإسرائيلى أن الموقف صعب وغير سار للإسرائيليين فى حيفا وغيرها من أماكن الشمال.
خامسا: الدلالات والمآلات
وهكذا تدل هذه الرسائل الثلاث فى ذكرى مرور عام على عملية طوفان الأقصى أن جبهات المقاومة لازالت تتمتع بقدرات قتالية عالية وأن إسرائيل فاشلة تماما فى تحقيق هدف واحد من أهداف الحرب وأن فتح جبهة الشمال مع لبنان ستزيد الصعوبات التى تواجهها اسرائيل عسكريا بعد أن اصبحت مدنها فى الشمال والجنوب والقلب مستباحة بالقصف الصاروخى من العراق واليمن ولبنان وغزة علاوة على الضربة الكبرى من إيران فى مطلع أكتوبر الحالى وهى الضربة التى تعجز إسرائيل عن الرد عليها حتى اللحظة رغم دعوة رئيس الوزراء الأسبق نفتالى بينيت إلى قصف المنشآت النووية الإيرانية وتأكيد وزيرة العدل الإسرائيلية السابقة إيليت شاكيد أن على اسرائيل استغلال الظرف الراهن وتدمير المنشآت النووية الإيرانية.
وفى المقابل أعلن وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى أن إيران جاهزة لأى سيناريو فى المنطقة وقواتها المسلحة على أهبة الاستعداد ملوحا إلى أن إيران لديها حزمة أهداف إستراتيجية داخل اسرائيل وأن الجميع تأكد من قوة الصواريخ الإيرانية ودقتها وأن الرد سيكون أقوى من ذى قبل.
ويبدو أن الأيام القادمة ستحمل زخما كبيرا على كل الجبهات في ظل تعافى جبهات المقاومة وتوسيع مدى الاستهداف بالإضافة إلى توقعاتى الشخصية بتبادل الهجمات بين إسرائيل وإيران في المستقبل القريب جدا إن شاء الله.