دكتور هاني الجمل يكتب: مصر والقرن الأفريقي
بيان
زيارة مهمة في توقيت حرج، ورسائل قوية لمن يهمه أمر القرن الأفريقي.. هذا ما يمكن أن توصف به زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لأرتيريا، وقمته التي عقدها في أسمرة مع الرئيسين الأريتري أسياس أفورقي والصومالي حسن شيخ محمود.
فبالرغم من الاهتمام المصري بالتطورات الخطيرة على الساحة الإقليمية، خاصة التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد غزة ولبنان والضربة الإسرائيلية المحتملة ضد إيران، إلّا أن رؤية صاحب القرار السياسي في القاهرة لا يمكن أن تغض الطرف عمّا يدور في القرن الافريقي من تطورات تمس الأمن القومي المصري.
فالتوترات المتصاعدة على الساحة الاثيوبية في أعقاب قيام أديس أبابا بتوقيع اتفاقية مع إقليم أرض الصومال الانفصالي مطلع العام الجاري، حتى تتمكن من استخدام جزء من ساحله على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، أثارت غضب الصومال ومصر، اللتين وقعتا اتفاق دفاع مشترك في شهر أغسطس الماضي، حيث تهدد هذه الاتفاقية وحدة وسلامة الأولى وتضر بالأمن القومي للثانية.
وفي هذا الإطار يمكن القول إن زيارة الرئيس السيسي لأسمرة، ولقائه مع الرئيسين الأريتري والصومالي، تعد خطوة بارزة في السياسة الخارجية المصرية، حيث تمثل نتائج هذا اللقاء ضغطًا واضحًا على اثيوبيا المجاورة لإريتريا، بالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي للأخيرة على البحر الأحمر، والذي يشكل منفذًا مهمًا للأمن القومي المصري. فرسائل القمة واضحة وفي مقدمتها أن مصر لديها مصالح استراتيجية في المنطقة، وأنها لن تتردد في الدفاع عن تلك المصالح ، والتصدي لأي تهديدات قد تؤثر على أمنها القومي، وأنها حريصة على دعم قدرات الدولة الصومالية في مواجهة التحديات الراهنة، وتمكين جيشها الوطني من القيام بمهامه، ومواصلة جهوده في التصدي للإرهاب ولكل من تسول له نفسه المساس بوحدة أراضيها.
وإذا كانت اثيوبيا توصف بأنها دولة حبيسة مثل جنوب السودان وغيرهما من مختلف دول العالم، إلّا أنها الوحيدة التي حاولت بالقوة ايجاد مكان لها على البحر الأحمر من خلال اتفاقها غير القانوني مع إقليم أرض الصومال الذي لا يعترف به أحد سوى اديس ابابا ،لتصل من خلاله إلى شاطئ خليج عدن، وبالتالي إمكانية تهديد الملاحة في قناة السويس .
ومن هنا تكمن أهمية زيارة الرئيس السيسي لأسمرة ولقائه الرئيسين الصومالي والإريتري، وهي زيارة تذكر بموقف محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة حينما سأل مستشاريه ” من أين ينبع النيل؟ فقالوا له من الحبشة، فقال بلسان الخبير الاستراتيجي المحنك … إذنْ فحدودنا هناك”.
خلاصة القول.. نتائج مهمة لقمة السيسي الثلاثية في أرتيريا، ورسائل قوية تلك القمة لكل المهتمين بأمن واستقرار القرن الافريقي، والحريصين على ضرورة توفير الظروف المواتية لاستعادة الحركة الطبيعية للملاحة البحرية والتجارة الدولية عبر مضيق باب المندب.