طارق صلاح الدين يستعيد قراءة مشهد حرب لبنان: إسرائيل تترنح وحزب الله يستعيد توازنه
بيان
الأحد ١٣ أكتوبر ٢٠٢٤
يوم فاصل.. والهجوم على قاعدة بنيامينا جنوب حيفا، حدث فارق فى مواجهات حزب الله مع اسرائيل، ويقلب موازين الصراع رأسا على عقب ويطيح بأحلام نتنياهو ونشوة الشعب الإسرائيلى بعد سلسلة طويلة من الضربات التى أفقدت حزب الله توازنه بداية من اغتيال وسام الطويل صهر حسن نصر الله والقيادى البارز بقوات النخبة داخل حزب الله، وهى وحدة الرضوان فى الثامن من يناير الماضى.
وتلته سلسلة من الضربات العنيفة كان أبرزها اغتيال طالب سامى عبدالله قائد عمليات المنطقة الوسطى من الشريط الحدودي مع اسرائيل فى ١٢ يونيو الماضى.
ولم يقتصر الأمر على اغتيال طالب سامى وحده، ولكن، قتل معه أيضا فى نفس الغارة ثلاثة من أبرز القادة الميدانيين في حزب الله وهم محمد صبرا وسليم صوفان وحسين حميد.
وفى الثالث من يوليو الماضى وبمسيرة استهدفت سيارته في مدينة صور نجحت اسرائيل فى اغتيال محمد ناصر نعمة قائد وحدة عزيز إطلاق النار و القائد الأبرز لعمليات حزب الله على الحدود مع إسرائيل.
وقبل أن ينتهى شهر يوليو الماضى نجحت إسرائيل فى اغتيال أبرز قادة حزب الله على الإطلاق وهو فؤاد شكر الساعد الأيمن لحسن نصر الله والمسئول الثانى داخل حزب الله.
الشهر الأكثر دموية
وبكل المقاييس فإن شهر سبتمبر ٢٠٢٤ هو الشهر الأكثر دموية في تاريخ حزب الله على الإطلاق منذ تأسيسه فبالإضافةإلى ماشهده الحزب يوم ١٧ سبتمبر من تفجير أجهزة البيجر الذى طال ثلاثة آلاف من مقاتلى حزب الله فى لحظة واحدة فقدحصد سبتمبر معه أيضاأبرز وأعظم قادة الحزب.
وبدأت الضربات القاسية المؤلمة فى ٢٠سبتمبر الماضى باغتيال أحد أعظم قادة حزب الله على مدار تاريخه وهو إبراهيم عقيل قائد قوة الرضوان ورقم ٣ فى التسلسل الهرمى للحزب بعد حسن نصر الله وفؤاد شكر.
ونجحت إسرائيل في تنفيذ الاغتيال فى الضاحية الجنوبية لبيروت بإطلاق صاروخين من طائرة F35 على شقة كان يتواجد بها إبراهيم عقيل فى حى الجاموس بالضاحية.
وبصحبة عقيل وفى نفس الغارة تم اغتيال أحمد وهبى مسؤول التدريب المركزى بالحزب ومطور القدرات البشرية.
وبعد أربعة أيام فقط وفى ٢٤ سبتمبر الماضى تم اغتيال إبراهيم قبيسى قائد منظومة الصواريخ والقذائف في حزب الله.
وفى ٢٦ سبتمبر تم اغتيال محمد حسين سرور قائد الوحدة الجوية ووحدة صواريخ الأرض جو، والمسيرات في غارة جوية إسرائيلية فى حى القائم بالضاحية الجنوبية.
وفى اليوم التالى ٢٧ سبتمبر تم اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وبصحبته على كركى مهندس الاستراتيجيات العسكرية ومطور القدرات النظامية بالحزب وكذلك نبيل قاووق مسئول الأمن الوقائي بحزب الله.
ولم تكن تلك فقط هى الضربات القاصمة التى تلقاها حزب الله.
ظنون وتوقعات
ونتوقف هنا طويلا مع هذه الضربات التى أفقدت الحزب توازنه تماما وظن معها الكثيرون وفى مقدمتهم نتنياهو وقادة جيش الدفاع الإسرائيلي أن الوقت أصبح مهيأ تماما لاجتياح جنوب لبنان بريا والقضاء السهل على مقاتلى حزب الله الذين غابت قيادتهم ومنظومة قيادتهم بالإضافة إلي القضاء على وسيلة الإتصال بينهم وبين القيادة العسكرية المركزية.
وعلى مدار ثلاثة أيام شن الطيران الإسرائيلى غارات عنيفة متواصلة على الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع وبلدات الجنوب المتاخمة للحدود مع اسرائيل وصحب تلك الغارات إستطلاع بالنار على كافة المواقع من خلال المدفعية الإسرائيلية.
ولم يتأخر قرار الإجتياح كما هو متوقع.
وفى ٣٠ سبتمبر وبعد ثلاثة أيام فقط من اغتيال حسن نصر الله والقصف الكثيف بدأ الجيش الإسرائيلى اجتياحه لجنوب لبنان للقضاء علي البنية العسكرية لحزب الله وتدمير الأنفاق وإعادة سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم.
وفى مساء يوم ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٤ انسحب الجيش اللبنانى ومعه قوات الأمم المتحدة (اليونيفل) لمسافة خمسة كيلو مترات من الحدود.
وفى اليوم الأول للإشتباكات أعلنت القناة ١٢ الإسرائيلية مقتل ٨ ضباط وجنود من وحدة الكوماندوز الإسرائيلية (ايغور) وهو ما شكل صدمة أولية لأصحاب النشوة و المتفائلين الإسرائيليين بتحقق انتصار خاطف سريع فى ظل تفوق كبير لإسرائيل على مستوى التسليح مقارنة بحزب الله الذى يعانى عدم الاتزان.
ولم تأت الرياح حتى هذه اللحظة بما تشتهى إسرائيل فقد استجمع حزب الله قوته بسرعة قياسية في ظل ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد معتمدا على شبكة ضخمة من الأنفاق ومواقع دفاعية معدة جيدا على طول الحدود مع إسرائيل لمنعها من الدخول أصلا إلى جنوب لبنان وليس انتظار دخولها، ثم شن حرب عصابات عليها وهو ماحدث عام ٢٠٠٦ وهو أيضا ماكانت إسرائيل تتوقع حدوثه هذه المرة أيضا.
إلا أن حزب الله عدّل تماما من استراتيجية مواجهاته مع إسرائيل وهى إحدى المفاجآت القاسية التي تلقتها إسرائيل ولم تضعها أبدا فى الحسبان.
وفى نفس الوقت بدأ حزب الله توجيه الضربات الدقيقة والمنهجية على مواقع المراقبة الإسرائيلية على طول الحدود وضرب بطاريات القبة الحديدية ليضغط وبشدة على القوات الإسرائيلية المتوغلة فى الجنوب وهو تكتيك أربك هذه القوات وعظم خسائرها البشرية.
وأثبت حزب الله بتصديه لكل محاولات التوغل أنه يمتلك آلاف المقاتلين المدربين على مستوى رفيع مع الوضع في الإعتبار إعلان الحزب رسميا أن قوات الرضوان وهى قوة النخبة لم تشارك حتى الآن في الاشتباكات.
تقليد جديد
ويعتمد حزب الله تقليدا جديدا لم يكن موجودا في حرب تموز ٢٠٠٦ وهو قصف التحشدات الإسرائيلية بالصواريخ والقذائف المدفعية حيث يتراوح مدى صواريخ حزب الله بين ١٠ كيلومترات و ٣٠٠ كيلو متر.
ومما يضاعف المعاناة الإسرائيلية ويضغط على الاجتياح البرى هو صعوبة القضاء على منصات صواريخ حزب الله بسبب مرونتها الشديدة وحملها على مركبات تنقلها في دقائق إلى أماكن بعيدة عن استهدافها وتحديد مواقع إطلاقها وتدميرها فى نفس الوقت وهو ماعانت منه كثيرا إسرائيل فى حرب ٢٠٠٦.
ويبدو أن الخطأ الاستراتيجي الإسرائيلى فى غزة مستمر وبحجم أكبر فى لبنان حيث أن حزب الله لم يستخدم بعد إلا جزء بسيط من أسلحته المتطورة بشدة عن أسلحة الفصائل الفلسطينية بالإضافة إلى الإمدادات العسكرية المتواصلة من إيران عبر سوريا ثم إلى حزب الله من خلال الانفاق.
ذخيرة الحزب
وأعلن سلطان الموسوى مسؤول التمويل اللوجيستى بحزب الله أن مخازن الأسلحة كانت تمتليء كل ستة أشهر وأصبحت الآن تمتلىء كل أسبوع فى إشارة إلى التعويض المستمر عن كل فقد يحدث أثناء قصف اسرائيل.
ويمتلك حزب الله عدد يتراوح بين ١٢٠ ألف إلى ٢٠٠ ألف صاروخ ضمنها مئات الصواريخ الدقيقة الموجهة ذات القدرات التدميرية العالية بخلاف الصواريخ الموجهة بدقة والتى يمكن توجيهها نحو أهدافها بعد إطلاقها والتحكم فيها أثناء الرحلة بما فى ذلك نظام التموضع العالمى.
ورغم النجاح الاستخباراتى الإسرائيلى إلا أن هجوم الأمس على بنيامينا ألقى بظلال كثيفة مؤكدة لاستعادة حزب الله توازنه ودخول اسرائيل مرحلة عدم الاتزان التى قد تحول الهجوم البرى إلى كارثة كبيرة على الرغم من الدعم الأمريكى غير المسبوق.
وتتجسد المخاوف الإسرائيلية في تعديل التحركات البرية وتطوير العملية برمتها لتصبح حرب شاملة تنزلق فيها القوات الإسرائيلية إلى الدخول بكثافة وبكامل آلياتها إلى جنوب لبنان وهو مايفرض حرب العصابات التى يبدع فيها حزب الله دائما.
بالإضافة إلى عنصر مفاجأة جديد اضافه حزب الله فى هجومه أمس على قاعدة بنيامينا جنوب حيفا والذى أسقط أربعة قتلى و٦٧ مصاب بعضهم جروحه خطيرة وهو أسلوب دمج الصواريخ مع المسيرات حيث تم إطلاق رشقة صواريخ شتت قدرات القبة الحديدية وسمحت لمسيرة انقضاضية بالتسلل إلى قاعدة تدريب لواء النخبة جولانى وإطلاق صاروخ على القاعدة قبل انقضاض المسيرة نفسها على القاعدة.
بالإضافة إلى أن أسراب المسيرات التكتيكية التى يطلقها حزب الله على اسرائيل تستطيع تشتيت قدرات أنظمة الدفاع الجوى الإسرائيلية وتعطل الإتصالات والخدمات اللوجستية.
وتعتبر مسيرة مرصاد ١ التى يصل مداها إلى ٢٠٠ كم والتى تم إستخدامها في قصف قاعدة بنيامينا هى الأقل من حيث المدى والمسافة مقارنة بمسيراته من طراز أيوب التى يصل مداها إلى ١٦٠٠كم مما يمكنها من ضرب إيلات في أقصى جنوب العمق الإسرائيلى.
تقديرات إسرائيلية
ويقدر مركز (ألما) الإسرائيلى للأبحاث امتلاك حزب الله مايزيد على ألفين مسيرة متنوعة.
وبالإضافة إلى صواريخ الكورنيت التى إستطاع حزب الله عن طريقها تدمير عشرات الدبابات الميركافا في ٢٠٠٦ فيما وصف بمذبحة الميركافا فقد طور حزب الله ترسانته بصواريخ ثأر الله وكورنيت أى أم.
المثير للسخرية هو إستخدام اسرائيل أساليب قديمة جدا فى الحرب النفسية للتأثير على الجبهة اللبنانية بإعلان الجيش الإسرائيلى من خلال فيديو مصور أسر عنصر تابع لحزبالله في أحد الانفاق ولم يتأخر الرد بل جاء من القناة ١٢ الإسرائيلية التى ذكرت أن الفيديو قديم ومن غزة ولكن الصوت جديد ومفبرك وأن الجيش الإسرائيلى لايخفى وجوه الأسرى علاوة على أن الأسير لايتقن اللهجة اللبنانية.
موقف أمريكا
وتتبقى نقطة هامة جدا وهى اندفاع الولايات المتحدة الامريكية ودخولها الحرب مباشرة إلى جانب اسرائيل بعد الإخفاق المتواصل لدفاع الجو الإسرائيلى وذلك بإعلان الولايات المتحدة تزويد اسرائيل بصواريخ (ثاد) المتطورة مع تشغيلها بواسطة ١٠٠ جندى أمريكى داخل اسرائيل وهو إعلان يمنع الشك في خوض الولايات المتحدة غمار الحرب جنبا إلى جنب بجوار اسرائيل ويمنع عنها تماما دور الوسيط المحايد أو حتى المنحاز.
وهذه المنظومة تعتمد على اصطياد الصواريخ الباليستية وتمنع الهجمات الإيرانية المتوقعة على اسرائيل ردا على الهجوم المنتظر أن تقوم به اسرائيل على إيران.
بالتأكيد أجزم أن أياما صعبة جدا تنتظر إسرائيل ومعها الولايات المتحدة التى وضعت مصالحها فى الشرق الأوسط على المحك وموضع الاستهداف وخاصة بعد إعلان دول الخليج وفى مقدمتها السعودية وقطر والإمارات منع اسرائيل من استخدام مجالها الجوي في الهجوم على إيران.
وذلك بالإضافة إلي الأردن والعراق السابق اعلانهما نفس الموقف.
الموقف الآن
ومن المؤكد أيضا أن تصريحات الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله كانت صحيحة إلى حد بعيد وتم ملء جميع المراكز الشاغرة داخل حزب الله سواء سياسيا أو عسكريا مما ساعد على التعافى السريع للحزب.
وأتوقع أن يتم تعيين نعيم قاسم فى مركز الأمين العام لحزب الله فى حالة نجاح إدارته للحزب في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه وخاصة بعد الأنباء التى زعمت اغتيال هاشم صفى الدين الرجل الثانى بعد نصر الله.
ويتمتع الشيخ نعيم قاسم بهدوء شديد في إدارته لمعارك الحزب وبشخصية نادرة متزنة يحتاج إليها الحزب بشدة في فترة حالكة من تاريخه.