د. ناجح إبراهيم يكتب: د. عبدالحي موسي رائد جراحة المخ.. وداعاً

بيان

كتب د. ناجح إبراهيم مقالاً بعنوان “د. عبدالحي موسي رائد جراحة المخ.. وداعاً” وتم نشره في جريدة المصري اليوم وهذا هو نص المقال :
– رحل الفارس العظيم بعد كفاحه الكبير والنبيل، رحل رائد جراحات المخ والأعصاب الذي علم الصعيد كله هذا العلم قرابة أربعين عاماً ، رحل مؤسس قسم جراحة المخ والأعصاب في جامعات أسيوط وسوهاج وجنوب الوادي وأسوان، ومؤسس نفس القسم في مستشفى الملك خالد بالرياض ،وعضو اللجان العلمية الدائمة لهذا التخصص.
– رحل صاحب المساكين ، الواصل لرحمه ، رحل عاشق الحرم والروضة الشريفة الذي كان يحج كل عام، والذي حج عن كل أقاربه الفقراء ومن مقولاته ” الحج من بريطانيا أرخص من مصر”.
* رحل صاحب الفجر وقرآنه والذي كان ينام بعد العشاء ويستيقظ لصلاة الفجر ليؤذن في المسجد ويقرأ جزءً من القرآن بعد الصلاة ثم يذهب إلي عمله.
– رحل الذي آثر خدمه وطنه في الصعيد تاركاً بريطانيا رغم حصوله علي الجنسية البريطانية وعضوية نقابة الأطباء البريطانية وجاء إلي جامعة أسيوط الوليدة ليبدأ مسيرته العظيمة ،ولم يشترط سوي وجود جهاز أشعة مقطعية في القسم فحارب مع صديق عمره وأستاذه العظيم د/عبدالرازق حسن حتى تم استيراد الجهاز من أمريكا بعد عقبات بيروقراطية كثيرة، وكان الوحيد وقتها في الصعيد كله، وحضر حفل افتتاح وحدته الرئيس مبارك ،ولم يكن أحد في جامعات الصعيد يعلم استخدامه فقام هو بتعليمهم إياه .
– إنه د/عبدالحي موسي الأب الروحي لجراحة المخ والأعصاب في الصعيد كله وله الآن مئات التلاميذ من أساتذه وعباقرة هذا العلم.
– تزوج بريطانية ولم يكرهها علي الإسلام أو يأمرها به فأسلمت هي طواعية لمعايشتها لأخلاقه وخصاله، وكانت فاضلة كريمة النفس فلم تمنع أولادها وهم صغار عن أي شعيرة إسلامية فكان أولاده الاثنين أحمد وياسين ينزلان معه إلي صلاة الفجر دوماً، وأسلمت من تلقاء نفسها.
– كان محبا وصديقا صدوقا لأستاذنا جميعاً علامة الجراحة ورائدها الأول في الصعيد المرحوم أ.د/ عبدالرازق حسن حتى في مسيرة الزواج والأولاد والزهد والعبادة ، وآخر مرة زرت د/عبدالرازق وجدت عنده د/ عبدالحي ولعلهما الآن سعداء باللقاء في الجنة بإذن الله.
– لم يكن د/ عبدالحي أسطورة في العلم والطب بل كان أسطورة في الإحسان إلي الخلق فكان يتعاهد عمال النظافة والممرضين الفقراء ويساعدهم حتى بعد خروجه للمعاش، كان ينفق كمن لا يخشي الفقر ويقول لشقيقه: المعاش البريطاني أكثر من حاجتي وأنا رجل بسيط، وزعوا هذه الأموال علي الفقراء.
– كان نابغة منذ صغره فقد أجري له اختبار لمن يريد القفز من الابتدائية للإعدادية فاجتازه،وفي الثانوية دخل مدرسة المعادي للمتفوقين ثم طب القصر العيني ثم الدكتوراه والزمالة من بريطانيا ، كان ضمن الوفد الذي أرسله الرئيس ناصر قبل وفاته لعلاج الجرحي الفلسطينيين في الأردن إثر مذبحة إيلول الأسود.
– كان د/عبدالحي نتاج منظومة تعليم مصرية رائعة في قرية بهجورة بنجع حمادي، وكان بها مدرسة داود بك تكلا إعدادية وثانوية فريدة، والتي مر علي تأسيسها الآن مائة عام كاملة ، وهذه من حسنات الرجل العظيم داود بك الذي ظلمته وقهرته ثورة ٢٣ يوليو دون وجه حق، وكانت زوجته اسمها فلسطين وابنته اسمها منيرة وكانت هذه المدرسة فيها ما يوازي كلية علوم حديثة الآن، وكانت مبنية علي الطراز الإنجليزي وكان د/عبد الحي يقول لأسرته: هناك مدارس تشبهها في بريطانيا والرجل وهبها مجاناً للدولة وهذا لا يتكرر الآن.
– وأسرة د/عبدالحي هي أسرة علم وفقه وحكمة وزهد فكان والده عالماً من علماء الأزهر ، وكان لا يترك الزي الأزهري ، ولا يخرج بالشبشب ولا يبقي في بيته بعد الساعة السابعة صباحاً أبداً، ولا يغيب عن عمله أيضا،وكان صوفياً زاهداً.
– وقد شابهه كل أولاده وخاصة د/عبدالحي الذي كان يضع ملابسه في الغسالة فور الاستحمام ، وكان لا ينقطع أبدا عن صلاة الفجر وقرآنها، ويساوي بين مريض المستشفى والمريض الخاص،وكان في بيته مع زوجته وأولاده ، ربع ساعة نظافة، ربع قراءة، ربع ذكر، ربع رياضة وهكذا، ولم يغير أثاث بيته منذ أن تزوج رغم غناه ويسره.
– لم تطلب زوجته البريطانية خادمة أبدا وكانت تقوم بكل شيء بمساعدة أولاده أحمد الذي أصبح استشاريا لجراحة المخ في بريطانيا ، وياسين الذي أصبح استشاري قلب ولكنه ترك الطب وصار طياراً علي الخطوط الجوية البريطانية.
– كان د/عبدالحي أسطورة في الحق لا يهاب أحدا ووقف إلي جوار د/ محمد تغيان حتى حصل علي حقه كمدرس مساعد لجراحة المخ وقتها وهو الآن أحد عمالقة هذه الجراحة.
– د/عبد الحي رحمه الله أحد أساطير هذه الأسرة العظيمة التي حرص والدهم علي تحفيظهم القرآن في سن مبكرة فلا يبارحون الدراسة الابتدائية، إلا وقد أتموا حفظ القرآن،فكان ضمن هذه الكوكبة الرائعة أستاذنا د/عبد المتين موسي أحد رواد جراحات الأنف والأذن وعميد طب سوهاج ثم رئيس جامعة جنوب الوادي ،وهو المؤسس الحقيقي لطب سوهاج وقنا ثم أسوان، وكذلك العالم الزاهد الورع أ.د/إسماعيل موسي عبقري وأستاذ العيون والمفكر الجميل د/علي موسي الصيدلي وأقرب الناس لفقيدنا.
– لقد أوصاهم والدهم الكريم أن ينفعوا بلدتهم ويفتحوا جميعاً عيادات في نجع حمادي ،وكان يقول لهم : أدوا زكاة عملكم ، وردوا إلي الناس فضل الله عليكم، ولا تضجروا من طلبات البسطاء.
– كانت هذه الأسرة المباركة تحب العلامة /أبو الوفا الشرقاوي أحد أئمة العلم والتصوف الحق وكان د/عبدالحي يواظب علي زيارة ابنه الشيخ محمود أبو الوفا حينما كان يعالج في بريطانيا ، وقبل وفاته بفترة أصر علي زيارة قبر والديه وأقاربه وقبر الشيخ محمود أبو الوفا.
– وكان د/عبدالحي قد أوصي أن يدفن حيثما يموت،وكانت له مقبرة في أسيوط، وأخري في لندن، وثالثة في بلدته بهجورة فمات في بريطانيا ودفن هناك ، ولكن العزاء كان في قريته وصلي عليه الآلاف صلاة الغائب ، وأقيم له عزاء في جامعة أسيوط.
* وداعاً عبقري جراحة المخ، وداعاً للرقيق المتواضع، وللصارم الدقيق في العلم الذي لم يتساهل أبدا في حقائق العلم، وراعي المساكين.
– وداعاً د/عبدالحي موسي، سلاما وتحية لروحك الطاهرة وأبلغ سلامنا لأستاذنا العالم الزاهد عبقري الجراحة وصديق عمرك د/عبدالرازق حسن.

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى