د. هاني الجمل يكتب: ماذا بعد مقتل السنوار ؟
لعل هذا هو التساؤل الأبرز على الساحة، بعد مقتل يحي السنوار زعيم حركة حماس بمحض الصدفة، بعد أن قصفت دبابة إسرائيلية المنزل الذي تواجد فيه مع مقاتلين آخرين في قطاع غزة.
ومن المؤكد أن اغتيال السنوار الذي ولد عام 1962 والتحق بجماعة الإخوان في شبابه ولديه رؤية وخطة عسكرية، يعد صدمة كبيرة بالنسبة لحركة حماس، باعتباره القائد الفعلي الذي كان يدير المعارك ويتحكم في سير المفاوضات مع إسرائيل، بل ويملك – حصرياً – قرار الحرب والسلم مع اسرائيل.
وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع نهج السنوار ” الجهادي”، وأحد المحررين في صفقة تبادل الأسرى بين حماس واسرائيل عام 2011، إلّا أنه لم يكن زعيماً عادياً لـحماس، بل تحوّل، خصوصاً بعد إطلاقه طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، ليكون الرمز الأبرز في تاريخ الحركة، باعتباره الرجل الذي قاد أطول عملية تضليل لإسرائيل سمحت بهز هيبتها وكشف أكبر فشل استخباراتي لأجهزتها. وفوق هذا وذاك كان السنوار القائد الذي يتمتع بنفوذ لا يجارى لدى قوات كتائب القسام التي تخوض المعارك في غزة، مع اجتماع القرارين السياسي والعسكري في يده، وهو أخيراً يعد رمزاً لتعميق التحالف مع إيران.
وإذا كان لإسرائيل أن تتباهى اليوم بمقتل عدوها الأول في غزة، بعد حصاد مخيف من الضحايا والدمار في القطاع، فإن السؤال ما زال قائماً: ماذا بعد مقتل السنوار؟ وكيف سيتصرف نتنياهو؟ وهل هناك خط نهاية لهذه الحرب؟
يرى بعض المراقبين أن الحرب بين حماس وإسرائيل قد تدخل نقطة تحول، باعتبار أن مقتل السنوار قد يسمح لنتنياهو بإنهائها، وقد يعطي لـحماس مرونة أكبر بعد رحيل زعيم صقورها الذي غيّر شكلها إلى حد كبير في السنوات الأخيرة.
ومما يرجح هذا الاحتمال ضعف قوة حماس بعد التدمير الإسرائيلي الممنهج لها طوال عام مضى، مما أثّر على تماسكها وقدرتها العسكرية في ظل أوضاع مأسوية في قطاع غزة، بعد تقطيع أوصاله وتقسيمه. وفي الوقت ذاته يرى بعض المحللين أن رفقاء السنوار في الداخل وفي مقدمتهم أخيه محمد السنوار سيكملون نهجه بغض النظر عن الثمن. وبين هذا وذاك يرسم آخرون ملامح المرحلة المقبلة في ضوء الوضع الراهن على الأرض بعد مقتل السنوار، من خلال التوصل إلى صفقة بين الجانبين تسمح بالخروج الآمن للقادة الميدانيين لحماس إلى الخارج، وتسليم الرهائن الإسرائيليين، مقابل وقف القتال في غزة ومشاركة حماس في المعادلة الفلسطينية، وتلك نقطة أخرى تحتاج لمزيد من الوقت والجهد والرغبة الحقيقية في تحقيق ذلك.
ومن المبكر الحكم على قبول قادة حماس بالداخل والخارج لهذه الصفقة، حيث توجد بعض الخلافات بين الجانبين السياسي والعسكري حول طبيعة المرحلة المقبلة، وكيفية إدارة الصراع مع إسرائيل.
وفي هذا السياق يمكن النظر إلى سرعة إدارة بايدن بارسال وزير الخارجية الأمريكي إلى المنطقة، مستغلاً مقتل السنوار والفراغ الذي ربما تركه وإقناع بعض الأطراف الإقليمية كمصر وقطر بضرورة المساعدة في التوصل لاتفاق ينهي الوضع المأساوي في غزة ، ويعيد الرهائن الإسرائيليين ، وهي مهمة يرى البعض أنها لن تكون سهلة، وكان من الأفضل التريث حتى يتضح موقف حماس بعد مقتل السنوار ، خاصة أن هناك من يرى أن خليفته – أخيه محمد السنوار – ينتهج الخط نفسه وربما يكون أكثر منه تشدداً .
خلاصة القول.. ربما يترك مقتل السنوار فراغاً كبيراً لا يمكن تعويضه بسهولة، وأن الأمر يحتاج بعض الوقت لمعرفة الخطوة المقبلة، خاصة أن نتنياهو مصمم على انهاء أي وجود لحركة حماس في غزة لإرضاء الداخل الإسرائيلي.