“قل شكوتك”.. علاقات باهتة

كتبت: أسماء خليل

“قلة خبرة بالحياة”.. إنّ تلك الجملة تعبر عمَّا مررتُ به في تلك الفترة الزمنية التي أعيشها؛ فقد أصابني الهم والحزن، ولكن قلة الخبرة جعلت من مشكلتي جبلًا عليّ أن أتسلق منه جزءًا بشكل يومي، ليتني أستطيع تسلق الجبل، أو حتى – على أقل تقدير – العودة لمكاني من الأرض مرة أخرى.

أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لشكوى أرسلتها السيدة “ل.ب”.. عبر البريد الإلكتروني، راجيةً من الله تعالى أن تجد من يرشدها نحو الطريق الصحيح.

المشكلة

أنا زوجة بالعقد الثالث من عمري، حاصلة على ليسانس آداب، أعيش بإحدى قرى محافظات الدلتا، أنعم بحب وحنو أبي وأمي حتى الآن، لقد تربيت في بيتٍ ما تبرح السعادة النابعة من الرضا تملأ جنباته.

كان أبي مهندسًا ناجحا وأمي تسانده في كل دربٍ يسلكه بالحياة، ولي أخت وهبني الله إيَّاها، كم هي جميلة ورقيقة وتمثل كل شيء بحياتي.. أستطيع القول أنني كنت أنعم بالهدوء الروحي والنفسي.

وكعادة محطات الحياة بالمرور على الفتيات، أتممتُ تعليمي الجامعي وكان عليَّ أن أتزوج، بالفعل اختار لي أبي شابًّا جامعيا كان يعمل بشركة استثمارية.. وسيما.. خلوقًا.. من أصل طيب.. يكبرني بخمس سنوات.

كانت فترة خطوبتنا تتسم بالهدوء، وكم كنت سعيدة بالتجهيز ليوم عرسي وإعدادي لكل شيء سأضعه في شقتي وأضيف عليه لمساتي النابعة مما في تلك الفترة من جمال، كان زوجي – حينها – في حرجٍ بالغ كلما يتحدث معي، وكان كثير الصمت.

تناقشت مع أمي في حذو خطيبي معي بذلك الأسلوب؛ فأجابتني من فورها بأن تلك فترة مؤقتة وبها تباعد سببه أن الشاب والفتاة كل منهما يعيش في بيت بعيد عن الآخر، ولفتت انتباهي أن القرب الجسدي يؤدي بدوره إلى القرب الروحي، ويجب عليَّ أن انتظر حتى يجمع الله تعالى شملنا في بيتٍ واحد.

مرت الأيام، وتم الزواج ولكِ أن تتخيلي سيدتي شكل حياتنا تحت ذلك السقف الذي يجمعنا، رجل – بحق الله – كأنه آلة متحركة، يأكل ويشرب ويعطيني مصروف المنزل ونزور أهلنا في المناسبات.. وعلاقة حميمية ديناميكية باهتة.

لم يقل لي أحبك مرة واحدة.. كنت بحاجة ماسة لأن أسمع كلمة غزل منه.. أمأتُ إليه ثم صرحت – على استحياء – أطالب بحقوقي فيه بأن يُمتعني ويُشعرني بأنوثتي ولكنه لم يكن يلتفت لي، كان رجلًا عمليا جدا ناجحا في عمله وكل شيء؛ إلا في عدم تدريب نفسه أن يصرح لي بما يرضي روحي.

لم أهدأ أبدا.. بات ذلك الأمر شاغلًا كل تفكيري، توقفت حياتي.. كم كنت أشعر بأحاسيس النقص وأنا أعيش معه وهو غامض مُغمض العينين والقلب لا يهتم بأمري.

مر عامان ورزقني الله بوليدٍ صغير، حدثتني نفسي أنه سيُقرب بيننا ويجعله يقول لي كلام العاطفة الذي أبتغيه مطلبًا؛ ولكنه لم يفعل، لم أستطع إتمام ثلاث سنوات، وأنا خلال تلك الفترة أستمع لكل الفيديوهات التي تتحدث عن حقوق المرأة على زوجها، وأنه ينبغي للرجل أن يخاطب زوجته بكل حب، وأن يقول لها ما يُشبع روحها ونفسها، فالحياة أساسها العاطفة والإحساس بالآخر.

اختمرَ قرار الانفصال في ذهني وما قام بتقوية موقفي، ما بتُّ أسمعه بشكل يومي على وسائل التواصل الاجتماعي من أحقية المرأة في الانفصال عن الرجل الذي لا يقول لزوجته كلام حب أو حتى يتناقش ويتحاور معها في أي شيء، وبالفعل طلبت منه الطلاق.

حاولت أسرتي وأسرة زوجي التوفيق بيننا وإرسال حكمًا من أهلي وحكمًا من أهله؛ ولكنهما لم يستطيعا أن يوفقا بيننا.

مر عام على طلاقنا، لا أنكر سيدتي أنَّني شعرتُ بالندم، تغير شكل حياتي، لم يعد منزل أبي كما هو في عيني، ولا مكان يُحاكي منزلة بيت طليقي، ما لبثتُ أعقد مقارنات – بشكل يومي – بين زوجي السابق وكل أزواج صديقاتي، فأنا الآن لدى كثير من الوقت لسماع مشكلاتهن.

ولإحقاق الحق كان طليقي على رأس هؤلاء الرجال، فمنهم من يبخل على زوجته، ومنهم من تزوجها فقط لخدمة أهله، ومنهم من يُنصف أخته عليها، وهناك من لا يريد إنجاب أطفال و….. إلخ..

يكاد الندم يقتلني، وبات الكابوس اليومي لي أن أسمع خبر زواجه، كم كنتُ عنيدة ولم أنتصح بكلام أهلي!.

علمتُ أن زوجي السابق قام بإجراء عملية جراحية، حدثتني نفسي أن أزوره؛ فقلت لصديقتي هل أزوره؟!.. قالت لي: هل أنتِ بلهاء.. أين كرامتكِ؟!.. ماذا أفعل سيدتي بحق الله، إنني في تعاسة كان منبعها قلة خبرتي بالحياة ؟!!..

الحــــل

عزيزتي “ل.ب”.. كان الله بالعون.

لا شك أن الكلام الذي تحويه سطورك يتضمن على عقدة مشكلتكِ، وهي بكل تأكيد قلة خبرتكِ بالحياة، فقد اعتقدتِ أن الحياة الزوجية مُقتصة من الجنة.

حقًّا إذا قابل رجل امرأةً، وكان بينهما تلاقٍ فكري ودين وثقافة، ومعرفة كلٍّ منهما بما له وما عليه؛ لصارت الحياة أشبه بالجنة.

ولكن نزولًا من عالم الخيال، وارتطامًا بأرض الواقع، ليس هناك أبلغ من جملة سمعتها من الدكتور مبروك عطية أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، حينما قال لسائلة تركت زوجها من أجل الشُّح العاطفي: “السوق ما فيهوش غير كدا” !!.

وفي الحقيقة إن تربية الرجل الشرقي جعلته لا يعرف مسلكا لكلام الحب، إلا من رحم الله.. إنهم لا يقولون ذلك الكلام عمدًا، اعتقادًا منهم أن تلك الأفعال تقلل من رجولتهم، وهذا ما ربت عليه كثير من الأسر، فيخرج الرجل للمجتمع لم يرسخ في ذهنه شيء عن المرأة سوى أنها من ضلعه الأعوج!.

إذا كان انفصالكِ عزيزتي من رجل لا يعرف كلام الحب والعاطفة لتتزوجي من آخر يقول ذلك الكلام، وخاصةً بعدما أصبحتِ مطلقة وأمًّا لولد؛ لصفقتُ لكِ على صنيعكِ، ولكن أسفا لن تجدي ضالتكِ أبدا وستكونين أنتِ الخاسر الأكبر.

عليكِ – الآن – النظر إلى مصلحتكِ الشخصية، وذلك ليس عيبًا، كلام صديقتكِ على خطأ بكل المقاييس، فهي قد حاكتكِ في قلة خبرتكِ بالحياة، قومي حالا واذهبي لوالد ابنكِ وواسيه حتى يتعافى، أشعريه بقربكِ منه، وطالما أنكِ قد أصابكِ المس لمجرد هواجسكِ بزواجه من غيركِ؛ فأنتِ مازلتِ تحبينه.

خذي ولدكِ وليكن شفيعا لك في التودد إليه، ثم استخدمي ذكائك في اقتناص أي كلمة تلميح منه بالرجوع لحياتكما الزوجية، إنه ما يزال متعلقًا بابنه.

وفي الأخير، أحب أن ألفت الانتباه لشيء في غاية الخطورة قد استشرت بالآونة الأخيرة آفة؛ وهو مخاطبة من هو مؤهل وغير مؤهل بجميع فئات المجتمع عبر شبكات الإنترنت، عن طريق تسجيل فيديوهات هدفها الربح المادي.

وربما بث كثير من هؤلاء الأشخاص أفكارًا مسمومة يقتدي بهديها الشباب والبنات، فهناك من هم ذوي علم وتأهيل يجعله يرتقي للوصول لمرتبة الواعظ التوعوي، وهناك من ليسوا كذلك فيضلوا غيرهم.

لقد اعتمدتِ عزيزتي في الوصول لبر الأمان بالولوج في سفينة خرقاء، وهي فيديوهات الإنترنت؛ إذ أن هناك من هم خبراء بحق أكثرهم حاصل على درجة علمية مرتفعة، وعلي النقيض هناك الآخرون غير مؤهلين لهذا الدور.

فينبغي على من ينَّصب نفسه في الأدوار التوعوية أن يقدر خطورة الجرم الذي يقوم به إذا أخطأ، لأن ذلك المرشد ربما يتحدث بشكل نظري ولم يقم باستقاء خبراته من الواقع بمثول عينة عشوائية تحت الدراسة ثم استنتاج النتائج الصحيحة التي تفيد المجتمع، كما يفعل خبراء علم النفس والإرشاد الأسرى.

وعليه فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “مَن سَنَّ سُنَّةً حَسنةً فعمِلَ بِها ، كانَ لَهُ أجرُها وَمِثْلُ أجرِ مَن عملَ بِها ، لا يَنقُصُ مِن أجورِهِم شيئًا ومن سنَّ سنَّةً سيِّئةً فعملَ بِها ، كانَ عليهِ وزرُها وَوِزْرُ مَن عملَ بِها من بعده لا ينقصُ من أوزارِهِم شيئًا”صدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم.

منحكِ الله السعادة وراحة البال.

…………………………………………………………………………………………………..

راسلوني عبر الواتس آب 01153870926 و “قل شكوتك” وأنت مطمئن لعلى بعد الله أستطيع أن أخففها عنك.

طالع المزيد فى هذه السلسلة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى