التصعيد العسكري في شمال غرب سوريا.. احتمالاته وتداعياته
كتب: أشرف التهامي
التقارير الإخبارية والتسريبات وتحركات الجيش السوري تثير قلق فصائل المعارضة الإرهابية المسلحة و مشغليها بالداخل والخارج السوري في شمال غرب سوريا.
لكن التصعيد الكبير لا يزال في انتظار نزع فتيل الحرب التي طال انتظارها من قبل الشعب السوري للخلاص من الإرهاب وعودة الدولة السورية كما كانت قبل 2011 .
وتتصاعد التوتُّرات العسكرية شمال غربي سورية، وسط مخاوف من تصعيد أوسع، ينذر بوجود احتمال اندلاع مواجهات عسكرية واسعة، فهل القوى الإقليمية في وارد الحرب الشاملة حالياً؟
وظهرت العديد من التكهنات في الأيام الأخيرة تفيد بأن المنطقة الواقعة شمال غربي سورية قد تكون على وشك أن تشهد تصعيداً كبيراً في الأعمال العدائية، حيث بدأت منذ الأسبوع الماضي وسائل إعلام مرتبطة بهيئة تحرير الشام الإرهابية (HTS) نشر تحذيرات للسكان في بعض المناطق الواقعة قرب خطوط التماسّ بين قوات الجيش العربي السوري وفصائل المعارضة الإرهابية المسلحة للاستعداد من أجل القيام بإخلاء بعض القرى، بينما نشرت وسائل إعلام معارضة الإرهابية المؤدلجة بأجندات خارجية تسريبات تتحدث عن خطة قامت الهيئة الإرهابية وفصائل تحالف غرفة عمليات الفتح المبين الإرهابية بإعدادها لشنّ هجوم يهدف إلى السيطرة على مدينة حلب وانتزاعها من قبضة الجيش العرب السوري بحسب ما أتتهم من توجيهات خارجية لإشغال الجيش العربي السوري وتوسيع رقعة التصعيد العسكري لمصلحة الكيان الصهيوني الذي هدد مؤخراً بالهجوم على جبهة الجولان و احتلال الأراضي السورية .
تسريبات
لاحقاً أشارت تسريبات أخرى إلى أهداف أقلّ طموحاً، بما في ذلك نية فصائل المعارضة الإرهابية المسلحة استعادة السيطرة على سراقب الواقعة على طول جبهة جنوب إدلب التي تحت سيطرة الجيش العربي السوري، أو التقدم غرباً من الأتارب في ريف حلب الغربي. أيّاً كان الهدف المزعوم، فقد كان الدافع للتصعيد واضحاً، وهو استغلال انشغال إيران وحزب الله بالأحداث الإقليمية والضغط على الدولة السورية و قواتها المسلحة.
هناك استعداداً فعلياً لعمليات وهجمات عسكرية واسعة النطاق
لكن ومع كل تلك الإشاعات، ورغم كل الضجيج حول خطط الهيئة الإرهابية وفصائل المعارضة الإرهابية، لم يظهر الكثير مما يشير إلى أن هناك استعداداً فعلياً لعمليات وهجمات عسكرية واسعة النطاق.
ورغم أن الفصائل والهيئة الإرهابية لهما تاريخ طويل في التحضير سراً لعمليات صغيرة النطاق على طول جبهات القتال باستخدام وحدات من “الانغماسيين” الإرهابيين، ستتطلب العمليات الواسعة النطاق تحرُّكات أكثر وضوحاً لحركة المقاتلين الإرهابيين والأسلحة الثقيلة والدبابات وغيرها.
عملية دعائية تهدف لتحقيق غايات محددة
بهذا المعنى، قد تكون الهيئة والفصائل الإرهابية الأخرى تمارس عملية دعائية تهدف لتحقيق غايات محددة، تسعى من خلالها إلى الحفاظ على أهميتها كتنظيم وسط التطوُّرات الإقليمية المؤثِّرة، وهذا احتمال وارد ، وفي العلم العسكري الجيش العربي السوري لن يركن لهذا الاحتمال ،فالجيش العربي السوري جاد في التعاطي مع التسريبات والتحركات التي رصدها للفصائل الإرهابية المسلحة.
كما أن نية و استعداد الجيش العربي السوري “لاستعادة كافة التراب السوري و الإجهاز علي بؤر الإرهاب وجيوبه في كافة المناطق التي يسيطر عليها الإرهاب” حاضرة و مؤكدة دائما .
ومع قيام تركيا باستكشاف سُبُل لتعزيز الاتصال بين المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة الإرهابية شمال حلب والجيش العربي السوري في مدينة حلب -كما هو الحال مع المحاولات المتعثرة لإعادة فتح معبر أبو الزندين- فإن الهيئة الإرهابية قد تخسر مورداً تجارياً؛ حيث إن التجارة التي يمكن أن تمر عَبْر القنوات التي تقع على خطوط التماسّ في جنوب إدلب سيتم تحويلها شمالاً إلى معبر أبو الزندين.
النضال الثوري
ومن المعروف على نطاق واسع أن هيئة تحرير الشام الإرهابية تعارض بشدة مثل هذه الخطط التركية، وأن حلفاءها في المنطقة كانوا وراء إغلاق المعبر.
كما أنه وبعد عدة أشهر من الاحتجاجات المحلية ضد حكم الهيئة الإرهابية القمعي، قد تسعى أيضاً إلى إعادة توجيه اهتمام السكان الموجودين في المناطق التي هي تحت سيطرتها باتجاه النضال الثوري، وهو أمر كان مهماً في السنوات السابقة فيما يتعلق بتمكينها من توطيد حكمها المزعوم في إدلب.
مما لا شك فيه أن التصعيد الأخير في الجوار اللبناني قد دفع الهيئة وفصائل الفتح المبين الإرهابية إلى القيام ببعض التحرُّكات التصعيدية.
على سبيل المثال، الهجوم في مناطق واقعة على الجبهات شمال شرق اللاذقية في 24 سبتمبر، والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 10 جنود من قوات الجيش العربي السوري، تلاه إطلاق 12 طائرة انقضاضية مسيرة على طرطوس، وهو أول هجوم من هذا النوع منذ 6 سنوات.
مع ذلك صعّدت قوات الجيش العربي السوري بشكل أكبر بكثير في الأسابيع الأخيرة، مع تكثيف كبير للقصف المدفعي على مرابض ومنصات المدفعية و إطلاق المسيرات في منطقة شمال غربي سورية التي يسيطر عليها الفصائل الإرهابية، بما في ذلك ضربات عنيفة بشكل خاص في سرمين بتاريخ 29 سبتمبر، وكفريا في 23 من الشهر ذاته، وتفتناز أيضاً في 20 من ذلك الشهر.
كما أطلقت قوات الجيش العربي السوري ما لا يقل عن 125 طائرة انقضاضية مسيرة على الجبهات الشمالية الغربية.
ويأتي هذا إضافة إلى أكثر من 650 ضربة مدفعية من قِبل الجيش العربي السوري على مناطق فصائل جيش الفتح المبين الإرهابية منذ يناير وحتى أواخر سبتمبر.
خلال الأيام الأخيرة
خلال الأيام الأخيرة، تم نشر أكثر من 1200 من قوات الجيش العربي السوري في منطقة تمتد من البادية الوسطى وسط سورية إلى جبهة حلب الغربية، إلى جانب عشرات المركبات المدرعة، والدبابات، وقطع المدفعية الثقيلة.
وتشير التقارير المحلية إلى أن هذه القوات الوافدة حديثاً تشمل جنوداً من الفرقة الرابعة النخبوية والفرقة 25 للمهام الخاصة، بينما كانت القوات الجوية السورية تحلّق فوق إدلب وغرب حلب بشكل غير مسبوق منذ عدة أشهر، حيث شُوهدت يومياً في الأسبوع الماضي:
مقاتلات “سوخوي-24” التكتيكية Sukhoi-24 .
المقاتلات المتقدمة “سوخوي-34 Sukhoi-34”.
المروحيات الهجومية “كا-52” Ka-52.
طائرات المراقبة “أنتونوف آن-30 Antanov An-30”.
ومع هذه المستجدات، أفادت التقارير بأن ما لا يقل عن 10 آلاف مدني قد فروا من القرى المواجِهة لجبهات القتال من مناطق المعارضة المسلحة، وأصدرت قيادة الفتح المبين العامة الإرهابية بياناً يوم الجمعة قبل الماضي، محذِّرة من أنها مستعدة للردّ على أي تصعيد على طول الجبهات الشمالية الغربية.
رغم أن بعض التصعيد العسكري يحدث بالفعل في الشمال الغربي، لا يزال من الصعب تصوُّر عودة كبيرة إلى الأعمال العدائية الشاملة في أي وقت قريب، فلا يوجد لدى أي طرف سوري أو جهة خارجية (روسيا، إيران أو تركيا) مصلحة في تصعيد الصراع حالياً.
ورغم تصاعُد أعمال العنف المتبادلة، فإن اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020 الذي تم التوصل إليه في أستانا ما يزال قائماً، ولم تصدر أي إشارات من الدول الضامنة تدل على خلاف ذلك.
إضافة لذلك، تعمل كل من تركيا وروسيا معاً بشكل مكثف لتطوير آليات جديدة لإدارة المناطق الواقعة على خطوط التماسّ، في أبو الزندين، وفي محادثات حول الطرق السريعة M4 وM5، واستأنفتا الدوريات المشتركة في مناطق أخرى من شمالي سورية، مما يشير إلى استمرار التعاون بين الطرفين.
في المستقبل القريب
لذلك يمكن اعتبار التطوُّرات الحالية محاولةً من الأطراف لدفع الأمور إلى حدودها القُصْوى دون الدخول في حرب شاملة، ولكن من المرجَّح أن يستمر العنف المتصاعد لبعض الوقت، خاصة من خلال الاشتباكات والقصف المكثف المتبادل، إلى جانب تكثيف الجيش العربي السوري لاستخدام المدفعية والطائرات الانتحارية المسيرة، وهو ما يمكن أن يستمر في المستقبل القريب.
طالع المزيد: