شريف عبد القادر يكتب: شركة طيران للآخرة
بيان
أوائل عام 1993 زرت ميلانو بإيطاليا وأقمْتُ لدى صديقي كرم -رحمه الله واسكنه فسيح جناته- حيث كان يقيم هناك.
ولفت نظري بجوار مدخل المنزل واجهة محل من ثلاثة أبواب وجميعها من الزجاج وأعلاها كلمة NAFA وخيل لي أنه مقر لشركة سياحة أو طيران من رقي الديكور.
وكان يقف أمام المحل عدد من الأشخاص أغلبهم كانوا من كبار السن، وعندما سألت صديقي عن نشاط هذا المحل، أوضح لي أنه مكتب حانوتي (شركة طيران كما اعتقدت، ولكن طيران للآخرة) وأن هؤلاء المنتظرين يأتون كل أول شهر لسداد أقساط خاصة بجنازتهم عندما يموتون، نظرًا لأن تكاليف إجراءات تجهيز المتوفى حتى دفنه عالية، لذلك يقوم كثيرون بالاتفاق على تكاليف جنازاتهم وكما يريدونها حينما يموتون.
وعند الانتهاء من سداد الأقساط يأخذ إفادة بسداد كامل التكاليف وينتظر وفاته، وعند الوفاة يتقدم أحد أقاربه بالإفادة لمكتب الحانوتي لإنهاء الإجراءات اللازمة وتنفيذ المتفق عليه، من نوع خشب النعش، وموديل السيارة التي تنقل النعش إلى حيث يدفن المتوفى، إلخ.
وإذا كان متفقًا على وجود أربعة أو ستة أشخاص للتشريفة التى تصاحب الجنازة، يرتدون زيًّا معينًا ويقفون على درج بجانب السيارة أم لا.
وإذا كان متفقًا على سيارة تحمل وردًا تسير أمام أو خلف السيارة التي تحمل النعش.
وإذا كان متفقًا على سير موتوسيكل يقوده شرطي (كونستابل) أمام السيارة التي تحمل النعش.
ثم إنهاء الإجراءات شاملة المصروفات بالكنيسة والمقابر.
أما منزل المتوفى فيقوم ذووه بوضع قطعة قماش قطيفة لونها كاكي غامق، يتم وضعها بشكل ربما يشبه وردة وتثبت على باب المنزل العام المطل على الشارع، وهذا يوضح وجود حالة وفاة بالمنزل.
وأسفل القماشة ترابيزة عليها دفتر عزاء وقلم وهو مخصص للجيران ومن لم يتمكنوا من حضور مراسم الجنازة بالكنيسة فيقوموا بكتابة أسمائهم وتعازيهم ثم يتجهوا لأعمالهم وبذلك يعتبروا أدوا واجب العزاء.
إن الطريقة سالفة الذكر، لو مثلا تم تطبيقها عندنا فلابد أن يراوغ الحانوتي ولا ينفذ الاتفاق لأن المرحوم تأخر في موته ومر على سداده قيمة الاتفاق أكثر من عشرين سنة وكل شيء طاله الغلاء ولابد أن بسدد الفرق، وغالبا سوف يطلب مبلغًا إضافيًا.
ومن العجيب عندنا أن مغسل الموتى، وبائع الكفن، والحانوتي، والتربي، عندنا، لا يتعظون من الموت.