أحمد عاطف آدم يكتب: الفضول الإيجابي دفعة للأمام

بيان

منذ عدة أيام فوجئت بكم هائل ومتلاحق من الإعلانات المفروضة وغير المسبوقة تظهر على هاتفي، كأنها حملة بغيضة تروج بالإكراه لتطبيقين دردشة صوتية، يحملان مسمى “SUGO” و “YOHO”،، ذلك دون أدنى اهتمام مني، أو بحث سابق عنهما، يستدعي “خوارزمياتها” على انتقائي كمعلن مستهدف، والأمر حقًا مزعج بشكل لا يوصف، حاولت بشتى الطرق الممكنة ضبط إعدادات الهاتف لمنعهما من استعراض خواصهما التافهة دون جدوى، عرضوا عدة صور لفتيات غربيات وشرقيات يستعرضن في خلاعة وتبرج منحط مفاتنهن، ومكتوب بجانب صورة إحداهن “هل أنا من النوع المفضل بالنسبة لك” – وبكل تأكيد الإجابة في قرارة نفسي هي “لا”.. وبلا شك هذا النهج من الإغراء لا يخفى عليك عزيزي القاريء، لأنه يتم بطرق مشابهة على الفيس بوك وغيره، مثل الفيديوهات القصيرة التي لا تحمل أي قيمة تذكر لصناع محتواها غير جمع الأموال المشبوهة من جيوب أصحاب الشغف، ومدمني الفضول العابث.

والفضول في حد ذاته كصفة حميدة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بنهم العلم النافع وحب الاستكشاف من أجل التطور الشخصي، والنمو المعرفي، له صلة بقدرة مريديه على تحديد أهدافهم التي تستحق عناء البحث – أما إذا وصفنا “فلان” بأنه إنسان فضولي، فهذا أمر مختلف تمامًا، له دلالة ذهنية بتتبع أخبار الناس بصفة عامة، حتى من هم ليسوا من الأقارب أو الأهل والأصدقاء، مع التأكيد بأنها عادة مرفوضة وليست غريزة إنسانية كما يعتقد البعض، وغير مسؤولة عن الوسوسة بالضغط على “رابط فيديو” هابط أو صورة خليعة لفحصها، أو حتى التطفل والسؤال بشكل مباشر وغير مباشر عن أحوال الغير، وتتبع الأسرار الدفينة،، هذا النمط المكروه من الفضول دعى أمير الشعراء أحمد شوقي رحمة الله عليه إلى التعجب من أمر هؤلاء قائلًا “ما أَوْلَعُ النّاس بالنّاس، يشتَغلُ أحدُهُم بشُؤونِ أخِيه، وفي أيسَرِ شأنِهِ ما يُلْهِيه”، تلك حقيقة لا ريب فيها – ومن منا بلا مهام تستدعي تركيزه معها لإنجازها والبحث عن تاليها.

والعبث بعقول أطفالنا وشبابنا في المجتمعات العربية أصبح هو الشغل الشاغل عند الغرب، باستغلال ولعنا بالتكنولوجيا على هواهم، يصممون ويبتكرون ألعاباً اليكترونية وتطبيقات نتواصل من خلالها مع بعضنا البعض، نعبر بها حدود الوطن لنتلاقى عبر غرف الشات ونحن ثابتون بمكاننا لساعات، نضيع وقتنا الثمين وصحتنا الغالية، تتراكم في شرايينا الدهون وتضطرب قلوبنا، نضرب ساعتنا البيلوجية بأيدينا في مقتل، ليصبح ليلنا نهار ونهارنا ليل، أبصارنا من صفيح وليست من حديد، وولعنا بالنتيجة المفروضة وليست الوسيلة المتاحة، بمعنى أننا كشباب نذهب لتحميل تطبيقاتهم المريبة التي فرضوها علينا بالإعلان والتكرار، بينما لا نهتم بدراسة واكتساب مهاراتهم العلمية النافعة مثل “البرمجة” وتطويرها بما ينفعنا وينفع أبنائنا، نورثها لهم، ومن قبلها الفطنة والحكمة.

بكل أمانة عزيزي الشاب عزيزتي الشابة نحن بحاجة إلى مراجعة عاداتنا اليومية، واستغلال طاقتنا الملهمة، وتفعيل ميزة الفضول الإيجابي كدفعة نحو التفوق بالفعل وليس بالكلام، استغلوا محركات البحث ومواقع تحميل الكتب المجانية في إضافة الكثير والكثير من المعلومات التي تقودكم للمزيد من المعرفة، واقرأوا في كل شىء بلا مركزية وانتقاء لما تميلون إليه فقط من علوم، حاولوا الوصول واسألوا أهل العلم وتبادلوا الخبرات، افعلوا كل هذا بنفس روح وعزيمة نصر أكتوبر، عندما آمن الجندي المصري والعربي بقدراته وعقيدته القتالية فحرر كل شبر من أرض وطنه وقهر عدوه، ثم سلم إليكم راية النصر، تلك الراية بعد بلوغ الأمن والأمان هي أمانة في رقابكم إلى يوم القيامة، تحولت في أيديكم إلى راية علم وبناء وتنمية، تطالبكم الآن بمواصلة العمل وارتقاء القمة التي نستحقها بين شعوب الأرض.

اقرأ أيضا للكاتب:

زر الذهاب إلى الأعلى