طارق صلاح الدين يستقرأ أحدث المستجدات على ساحات المواجهة فى غزة ولبنان
بيان
تطورات ضخمة شهدتها ساحات المواجهة في لبنان وغزة خلال الساعات، والأيام القليلة الماضية شملت جميع الأطراف بلا استثناء.
وأول هذه الأطراف الفاعلة هو حزب الله العائد بقوة وحيوية إلى الساحة من جديد بعد ضربات مؤلمة شملت كل أركانه بدءا من قادته وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصر الله ومرورا بتقنياته التى تم نسفها من خلال أجهزة البيجر واللاسلكى وليس انتهاءا بأربعة آلاف جندى من قوته الضاربة حصدتهم انفجارات البيجر واللاسلكى.
وتوقع الكثيرون وعلى رأسهم اسرائيل وراعيتها الرسمية الولايات المتحدة الأمريكية أنه تم القضاء على قوة حزب الله وأن الأمر أصبح ممهدا أمام العملية البرية للقضاء على البقية الباقية من قوة الحزب.
ولكن على العكس التام من هذه التوقعات وكما ذكرت في تقريرى السابق بعنوان إسرائيل تترنح وحزب الله يستعيد توازنه فقد نهض حزب الله من جديد، وكما كانت الضربات الموجهة إليه متنوعة فقد كان نهوضه أيضا متنوعا.
محاور النهوض
وعلى عدة محاور بدأ الحزب استعادة توازنه، أولا بملء المراكز الشاغرة بفعل اغتيالات قادة الصفوف الأولي وساعد على ذلك سداسية الحزب التى تقوم على أساس ترشيح ستة بدائل لكل قائد.
وعلى مدار الفترة من ٢٧ سبتمبر وهو تاريخ اغتيال حسن نصر الله وحتى ٨ أكتوبر الحالى تمت عملية تعيين القادة الجدد وانعكس ذلك بقوة على المواجهات الميدانية التى تصدى فيها مقاتلو حزب الله للفرق الإسرائيلية المشاركة في العملية البرية ونجحوا على مدى شهر من المواجهات فى منع سيطرة القوات الإسرائيلية على بلدة واحدة من بلدات الجنوب اللبنانى.
وتم تتويج هذه المراكز باختيار نعيم قاسم أمينا عاما لحزب الله وهو بمثابة إعلان تحدى بحد ذاته لإسرائيل التى أعلنت أنها ستسهدف الأمين العام الجديد مهما كانت شخصيته.
تغريدة جالانت والرد عليها
وفى حسابه على موقع إكس نشر يؤاف جالانت وزير الدفاع الإسرائيلى تغريدة نصها: “تعيين مؤقت لن يدوم لفترة طويلة” فى إشارة إلى عزم اسرائيل على إغتيال نعيم قاسم.
ولكن النائب البرلمانى لحزب الله حسن فضل الله صرح ردا على جالانت بأن هذا التهديد لن يجدى نفعا في ثنى قاسم عن مواصلة درب حسن نصر الله، وأنه مستمر في التصدى للعدوان مع بقية جنود المقاومة وصولا إلى النصر المنشود.
نعيم قاسم
ولعل إدارة نعيم قاسم الحكيمة لكافة أمور حزب الله فى فترة بالغة الدقة ونجاحه فى عبور أخطر المراحل فى تاريخ الحزب كانت بمثابة جواز المرور إلى مقعد رئيس الحزب، وهو مالم يكن يتوقعه نعيم قاسم ذاته وهو الذى ظل نائبا للأمين العام منذ ١٩٩١ ولم يتم طرح اسمه أبدا لشغل مقعد الأمين العام، وهو ما أخرجه من حسابات الاستهداف الإسرائيلية خلال عمليات الاغتيالات المتتالية.
وفى إطلالته الأولى بعد اختياره أمينا عاما، وثالث إطلالة منذ رحيل الأمين العام السابق حسن نصر الله ظهر نعيم أكثر ثقة وحيوية وحمل خطابه إجابات كثيرة لأسئلة ظلت إجابتها غامضة خلال الأيام السابقة.
ولعل أهم النقاط على الإطلاق فى الخطاب هى إعلان قيام حزب الله خلال الفترة القادمة باستهداف كل مكان داخل إسرائيل بعد كسر كل قواعد الإشتباك وتحول ساحة الحرب من جبهة إسناد إلى جبهة قتال مباشر وحرب مفتوحة.
وحرص قاسم على التأكيد الشديد بصحة قرار حزب الله فى الانضمام إلى حرب غزة منذ الثامن من أكتوبر ٢٠٢٣ وأنه منع إسرائيل من شن هجوم مباغت على الحزب بعد الانتهاء من جبهة غزة، وأن الإدعاء بأن الإسناد استفز اسرائيل للهجوم على لبنان هو ادعاء خاطىء لأن اسرائيل لاتحتاج لمبررات للحرب وأن تاريخ حروب إسرائيل على لبنان سابق لوجود حزب الله عام ١٩٨٢، وأنه لو لم تكن هناك وحدة للساحات لكانت حلقات محور المقاومة قد تعرضت للهجوم الإسرائيلى حلقة بعد الأخرى.
وأشار قاسم إلى تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلى هرتس هاليفى بعد يومين فقط من الهجوم على غزة بأن إسرائيل ستطبق الدروس المستفادة من غزة مستقبلا على لبنان، كما ذكر تصريحات نتنياهو بعد لقائه مع بايدن عن ضرورة تغيير المعادلات فى المنطقة بالإضافة أيضا إلى إعتراف يؤاف جالانت وزير الدفاع الإسرائيلى يوم ١١ أكتوبر ٢٠٢٣ بأنه كان يعتزم شن هجوم إستباقى على لبنان.
ورغم اعتراف نعيم قاسم بقسوة الضربات التى تلقاها الحزب والتى كانت كفيلة بالقضاء على أقوى الجيوش النظامية إلا أن الحزب استوعب هذه الضربات لأنه كيان مؤسسى ضخم ومنظم ويستطيع مواجهة كافة التحديات وأن الحزب جاهز تماما لإفشال مخططات نتنياهو سواء إعادة سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم أو إنشاء شرق أوسط حديث بالمنطقة.
توعد وسخرية
وشملت كلمة نعيم قاسم توعد وسخرية، أما التوعد فقد كان من نصيب رئيس الوزراء نتنياهو الذى أفلت من محاولة اغتيال بمسيرّة أطلقها حزب الله وانفجرت في نافذة غرفة نومه، وأكد قاسم أن الحزب مستمر في استهداف نتنياهو الذى سيقتل لامحالة سواء بنيران حزب الله أو بنيران صديقة.
وـما السخرية فكانت من نصيب الفرقاء اللبنانيين الذين يراهنون على تغيير إسرائيل للمعادلات على الساحة اللبنانية والقضاء على حزب الله، وتوعدهم نعيم قاسم بصب لعناتهم على إسرائيل وأمريكا بعد انتهاء الحرب.
وعلى صعيد استعداد حزب الله لخوض معركة طويلة مع الجيش الإسرائيلى فقد أكد نعيم قاسم أن الحزب مستعد لحرب تستمر لأشهر طويلة محذرا من إدخال أسلحة جديدة إلى ساحة المعركة لم يتم استخدامها من قبل، وبالإضافة إلى حيفا التى يستهدفها جنود حزب الله بشكل يومى مما فتح باب النزوح لسكانها إلى جنوب إسرائيل فإن تل أبيب وضواحيها دخلت على خط الاستهداف وقد يصل الأمر إلى ماهو أبعد من ذلك.
ونفى نعيم قاسم وجود أى مشروع لوقف إطلاق النار وأنه لايوجد طرح وافقت عليه إسرائيل حتى يتم عرضه على حزب الله وفى حالة وجود هذا الطرح فإن الحزب سيقبل وقف إطلاق النار ولكن بالشروط التى يراها مناسبة وأنه يفوض الحكومة اللبنانية ونبيه بري رئيس مجلس النواب بالمفاوضات غير المباشرة مع الجانب الإسرائيلى.
أقوى الرسائل
وفى أقوى الرسائل على الإطلاق أكد قاسم أن الحزب لايخدم أهداف إيران ولايحارب بالوكالة ولا لتحقيق مصالح لإيران بل يحارب لتحقيق مصالح لبنان والدفاع عن أراضيه، وأن إيران تدعم المقاومة دون إملاءات أو مصالح أو أوامر، وأن حزب الله لم يجد داعم غير إيران ولاتوجد دولة عربية أو إسلامية قدمت المساعدة لحزب الله، وأن الحزب على استعداد لقبول السلاح من أى طرف عربى أو إسلامى.
ولعل الأريحية التى ظهر وتحدث بها نعيم قاسم هذه المرة تعكس تماما الوضع الميدانى وحالة الاستقرار التى وصل إليها الحزب بعد مرحلة إلتقاط الأنفاس.
الحرب والانتخابات الأمريكية
وأكد قاسم أيضا أن وقف الحرب على الجبهة اللبنانية مرتبط بشكل غير مباشر بالانتخابات الرئاسية الأمريكية ورغبة المرشحين فى كبح جماح نتنياهو ووقف الحرب أو بمضاعفة خسائر الجيش الإسرائيلى والجبهة الداخلية للضغط على نتنياهو لوقف الحرب، وأن الحزب على استعداد لإطالة الحرب إلى أبعد مدى مؤكدا على ارتفاع خسائر الجيش الإسرائيلى والتى وصلت طبقا للإحصائيات الإسرائيلية إلى ٩٠ قتيلا و٧٥٠ جريحا خلال أقل من شهر، وأن هذا التطور هو الذى فرض على وزير الداخلية الإسرائيلى سموتريتش التصريح بأن الحرب فى الشمال ستنتهى بنهاية العام وربما قبل ذلك.
دليل الفشل على جبهة لبنان
وأكد تقرير منشور فى “صحيفة هاآرتس” العبرية، كتبه عاموس هرئيل المحرر العسكرى للصحيفة أن الجيش الإسرائيلى وجميع أجهزة الأمن في تل أبيب تجمع على أن الحرب فى كل الجبهات قد استنفذت نفسها ولم تعد مجدية وأن الوقت حان لتحويل مكاسبها الكثيرة إلى إنجازات سياسية.
وهنا لابد أن نتوقف طويلا أمام هذه التصريحات التى تكشف عن فشل عسكرى إسرائيلى على جميع الجبهات فلم يتم إعادة حزب الله إلى شمال الليطانى بل انخفض سقف المطالب الإسرائيلية إلى عودة حزب الله خلف الخط الأزرق لمسافة ٧ كم بدلا من ١٥ كم.
ولم تنجح اسرائيل فى منع حزب الله من إطلاق الصواريخ داخل العمق الإسرائيلى، ولم تفكك البنى التحتية للحزب، ولم تستطع إعادة سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم، ولايمكن أبدا إعتبار نجاح الاغتيالات او قصف المبانى السكنية أو قتل المدنيين انتصارا في المعركة فى الوقت الذى نجح فيه حزب الله فى قصف مصنع عسكرى فى تل أبيب وقاعدة زوفلون للصناعات العسكرية شمال حيفا بالصواريخ وقاعدة طير الكرمل جنوب حيفا بمسيرات انقضاضية.
فأين النجاح الإسرائيلى فى القضاء على ٨٠% من قدرات حزب الله؟.
وأين أهداف الحرب التى استنفذها الجيش الإسرائيلى؟.
الموقف على جبهة لبنان فشل لايقل عن فشل جبهة غزة حيث لم يتم القضاء على حماس ولا استعادة الرهائن بل على العكس ارتفعت وتيرة خسائر الجيش الإسرائيلى فى شمال غزة المحاصر منذ فترة قاربت الشهر.
حزب الله الذى يرفض التفاوض تحت النار ويتمسك بوقف إطلاق النار أولا ثم التفاوض، يؤكد على لسان أمينه العام أن أمامه معركة طويلة حتى تحقيق أهدافه على عكس مايراه قادة الجيش الإسرائيلى من ضرورة إنهاء الحرب الآن.
وسوف تكشف قادم الأيام الكثير طبقا للواقع على الأرض الذى سيفرض قواعد التفاوض.