“قل شكوتك”.. جارية بلا ثمن

كتبت: أسماء خليل

هناك أشخاص لا يُدركون دوران الحياة، وأن نقطة البداية ستلحق نقطة النهاية مرة أخرى ويتقابلان عند الرقم صفر، ربما أكون أنا ذلك الغافل الذي ثبَّت قدميه فوق تلك الأرض الرخوة، متوهمًا الصلابة في خطواته، أعترف بأنني أخطأت أخطاءً فادحة أثناء مسيرتي بالحياة، فقد كنتُ أعتقد أن الرجل رجل لكونه يعامل المرأة بقسوة بالغة، ولم يتحسس يومًا روحًا كان إزهاقها بين يديه.

أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لشكوى أرسلها الزوج والأب “أ. ر”، راجيًا من الله- سبحانه وتعالى- أن يجد من يؤازره في تلك الحياة، بعدما ضاقت بما رحبت.

الشكوى

أنا “أ. ر” حاصل على مؤهل متوسط، وأعمل في أحد المصانع الحربية، وأتقاضى راتبًا كبيرًا مقابل جهدي وكدي بالعمل، مابرحتُ إتمام عِقدي الخامس منذ عدة أيام، مظهري جيد وشكلي وسيم، أعيش بإحدى قرى محافظات الوادي.

كم عشت شبابا مليئًا بالمتعة والسعادة.. كم كانت متعتي بمصاحبة أصدقائي والتنزه في كل الأماكن، فهم كانوا كل حياتي، ولكن كانت أمي امرأة ذات عزم وقوة فنشأنا على عدم رقة القلب لأحداث الحياة، وكذلك – أيضًا – كان أبي على نفس الدرجة من الشدة التي تمتعت بها أمي، ولكنهما قاما بتربيتنا تربية جيدة، ولم يجعلانا في حاجة لأي شيء بالحياة.

كبرتُ وكبرتْ أحلامي، ولكني كنتُ أشعر باستحقاق في كل شيء، وكعادة الحياة في المرور وتوالي الأحداث عرضتْ عليَّ أمي جارتنا الجميلة كعروس مستقبلية.

كانت الفتاة حاصلة على دبلوم صناعي، على قدر كبير من الذكاء والتواضع وحسن الخلق، وكانت تمتلك أرضًا زراعية.. قمنا بزيارتها أنا وأسرتي وكم كان أبوها رجلًا طيبًا، وأمها وأخوتها – أيضا – كانوا في غاية الرقة والذوق.. وافقت أسرة العروس على طلبي بالزواج منها.

بعد مرور عده أشهر كنا نجهز بها شقة الزوجية، تمَّ زواجنا على خير وكانت أسعد أيام حياتي ثم بدأتُ الذهاب للعمل مرة أخرى بعد شهر العسل، وفي أول يوم عدتُ للمنزل بعد مشقة العمل، وكم كان اليوم قائظًا شديد الحرارة، وحينما وطئت قدمي باب المنزل، دققتُ على الباب لم تفتح زوجتي بسرعة، كنتُ في كامل العصبية حتى فتحت، وحينها قابلتها بصفعة على وجهها لأنها تأخرت في الرد علىَّ.

كم كنتُ أشعر بإحساس الاستحقاق بأن الجميع لابد عليه تلبية أوامري في نفس اللحظة، وبدأ ذلك الشعور يزيد بداخلي يومًا بعد يوم، كذلك مرورًا بكل المواقف التي تتوالى بيني وبينها، إذا تأخرت عن إعداد الطعام أضربها.. إذا لم تسمع كلامي ولو في أبسط الأمور تراني أنهرها وربما أزهقها ضربًا.

أضحت زوجتي تغضبُ لدى أهلها كثيرًا جدًا بسبب تصرفاتي الحمقاء، وبعد ذلك أذهب لأحضرها إلى بيت الزوجية دون توسل؛ فكم كان أهلها عطوفين.

لم يكن باستطاعتي الاستغناء عنها ولكني كنت أعاملها بتلك المعاملة القاسية، حيث كان يتملكني شعورًا بعدم مراعاة غيري ولا أعلم ما سر ذلك؟!.. وما فهمته بعد مرور السنوات وما رسخ في ذهني، أن تلك التصرفات كانت إرضاءًا لرجولتي ومحاكاة لشدة أبي مع أمي، وكعادتنا بالأرياف لا يتم الطلاق بسهولة.

صبرتْ زوجتي أيَما صبر على طبعي ذلك، لم أكن في تلك الآونة أو المرحلة العمرية أراجع نفسي أبدا، أو أقول أنني لابد أن أحسن معاملتها أكثر من ذلك، كنت أسير مُتعقبًا طبعي دون جدال مع نفسي.

لم أقم – يومًا – بعمل وقفة مع نفسي لأفسر تصرفاتي.. مرت السنوات وأنجبت لي زوجتي طفلًا بعد طفل، إلى أن أصبح لدينا أربع بنات وولدين، كانت زوجتي نعم الزوجة، لقد كانت ماهره في أمور الطبخ والخبيز وتنظيف المنزل، بل وكل شيء.

طبعي لم يتغير أبدًا، ولم تتملكني الرحمة بها يوما ما.. الخطأ البسيط جدا من جانبها معناه الضرب المبرح حتى حينما كبر أولادي لم استحِ من فعل تلك الأشياء.

أستطيع القول – في عمري الآن- وبعد مرور الكثير من السنوات ورؤيه الأمور بوضوح، وبعد اكتساب خبرة من الحياة، أن تلك المرأة كانت جارية بلا ثمن وليست زوجة

لم يخطر لي على بال يومًا من الأيام، حينما أتممت عامي الخمسين وكانت بناتي الأربع قد تزوجن، وتدهورت صحتي وقمت بتسوية معاشي؛ أن تعاملني زوجتي بتلك المعاملة!.

فقد جلستُ بالمنزل، وكان معاشي كبيرًا يساعدني على الحياه فكنت أعيش في منزلي الذي بنيته من جدي واجتهاد، ولا أنكر فضل زوجتي؛ فرغم أن لدينا ستة أبناء إلا أنني استطعت أن أشتري أرضا، وأن أبني بيتا يأويني أنا وأسرتي.

تغيرت أحوالي بعد تدهور حالتي الصحية، لم أصل للتدهور الكامل ولكن حدث لي ضعف في صحتي، فلم أقوَ بعد على العمل.. تكبرت زوجتي وتجبرت وكأنها تقوم برد ما كنت أفعله بها طوال السنين المنصرمة، فحينما أتحدث حديثا لا يعجبها تقول لي “اسكت يا راجل انت”، وكأنني شبتُ وأصابني خرف.. كذلك تُشعرني، وحينما يأتي أقاربي تعاملني أسوأ معاملة أمامهم وتتعمد الإساءة لي، وأنا أصبح لا حول لي ولا قوه الآن.

لا أنكر سيدتي أنني أصبحت – من داخلي- أخاف منها ومن ردود أفعالها، ورغم ذلك لم يعد لي سواها الآن، فقد مات أبي وأمي وشابَ أخوتي ومنهم من مات، كما تزوج أبنائي وهي الوحيدة التي لي بالحياة، وحتى إن طلقتها من ستتزوجني؟!.

إن زوجتي لم تعد تعتبر بوجودي فى الحياة؛ فباتت تتشاجر مع الجيران ولم يعد لها كبير، شكوت لولدينا الصغيرين من الصبية، ولكن لم ينصفوني فيبدو أن قسوتي بالسنوات الماضية قد بصمت بصمتها داخل روحهم فأصبحوا يناصرون أمهم في الرأي، إنني وصلت الآن سيدتي إلى حالة من الاكتئاب ولا أعرف ماذا أفعل.. إن طلقتها سأضيع حقًّا.. خبريني ماذا أفعل بحق الله ؟!.

الحــــل

عزيزي“ أ. ر ” كان الله بالعون.. كثيرًا ما تصدر منَّا أفعال أثناء مرورنا بالحياة منها ما يسيء لمن حولنا، ولكننا لا ندرك ذلك حينها.. ربما يقوّينا المال أو الصحة البدنية أو الأمل في الحياه، ومن جانب الرجل فإنه يتجبر في بعض الأحيان، ويتعالى على المرأة بسبب فهمه الخاطئ لآيات الله جل وعلا؛ فلم يجعل الله – سبحانه وتعالى – استحقاق الرجل بالزواج لأكثر من واحدة للتكبر على المرأة في الأرض ولكن في حالات بعينها من باب التيسير وعدم الوقوع بالزنا لمن كانت زوجته بها مس عقلي أو مرض مستعصي.

وكذلك إذا كان ذلك الرجل مفعم بالشهوة الجنسية ولديه رغبة ملحة بالزواج، لم يبح له الله تعالى التعدد دونما شروط، حيث قال سبحانه “وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة”، وأعقب ذلك سبحانه بقوله “ولن تعدلوا”.

فعلام يتكبر الرجل؟!.. فكل شيء مشروط، وليس تفضيلًا من الله للذكر على الأنثى، ولكن لتستقيم الحياة بعدم الوقوع في الزلات التي تجعل الأب عاصيا، ويترتب عليه ألا يبارك الله تعالى في الأبناء، حيث نسب سبحانه صلاح الأبناء لصلاح الأب، فقال “وكان أبوهما صالحًا”.

عزيزي، بالأمس القريب كنت أنت القوي المتجبر، والآن أنت الضعيف الذليل، لا أحد يستطيع أن يناقش زوجتك ويسألها ذلك السؤال الاستنكاري: لماذا تفعلين كل ذلك؟!.

إنها ترد لك الصاع صاعين.. بل ثلاثة.. ولكن نحن الآن نحاول ببساطة حل تلك المشكلة، فمهما كبرت مشاكل الحياة لابد لها من حل، كالأمراض التي تستشري في بدن الإنسان لها دواء علمه من علمه وجهله من جهله، وقد قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – “ ما من داء إلا وله دواء.

فلابد علينا الآن أن نحاول ايجاد حلًّا لتلك المشكلة التي أوقعت نفسك بها منذ عهد ليس بالقريب.. عليك اولًا أن تجلس معها وتحاورها.. اعتذر لها أيمَّا اعتذار.. احضر لها الهدايا.

حاول تبرير مواقفك التي كنت تصنعها بالصغر بعصبتيك الوراثية الشديدة أو بمرض كان بداخلك ولم تعترف لها به.. حاول أن ترضيها من الناحية النفسية بأي شكل.. حاول أن تعليها وسط أهلها ووسط أولادك.. هذا في المقام الأول.

ثم بعد ذلك في المقام الثاني، ابحثْ عن أخت لزوجتك أو ابنة خال أو ابنة عم قريبة منها في التفكير، حاول أن تجد من هو قريب لها واحكِ لهم عمَّا يحدث لك الآن، وأكد عليهم أن ينصحوها وأن يخبروها عن حقوق الزوج وأنها بطاعته ستدخل الجنة.

أوضِح لمن يحدثها أن يرتكز على محاولة محو الانتقام من ذهنها، حيث أن الانتقام الأعظم هو ما يسيطر عليها، وتريد الانتقام منك بأي شكل حتى إذا كنت ضعيفا أمامها الآن وستكون المواجهة غير متكافئة، ولكنها تريد أن تقتص لأجمل فترات من حياتها أحلتها هباءً بتصرفاتك.

لكنها قد انتقمت بما يكفي، أليس كافيًا أنك قد علمت قيمتها وقدرها في الحين الذي جعلتها سابقًا لا قيمة لها؟!.

إنَّ الحياة لا تعترف بسن.. ابدأ الآن.. لقد ذكرت أن مرضك ليس خطيرًا.. خذ زوجتك واذهب إلى أحد المنتزهات، أو اجلسا في أحد النوادي.. أو لدى أحد أصحابك.. جدد ذلك الهواء الملوث المعبأ بذلات الماضي وتنفس بعيدًا خارج الصندوق.. افعل ما لم تفعله طيلة السنوات الماضية، دللها وخاصة أنك ذكرت أنها تصغرك بخمس سنوات، أي أن لديها الآن 45 عاما، وهو أوج سن جمال المرأة.

ففي ذلك السن تنضج المرأة وتكون جميلة في كل شيء.. ساعد زوجتك على الخروج من تلك الأزمة، ولن يتأتى ذلك إلا بمدى صبرك في مواجهة الأمر.. اجعلها تشعر بحلاوة الدنيا التي حرمتها منها يومًا ما.

منحكَ الله السعادة وراحة البال.

…………………………………………………………………………………………………..

راسلوني عبر الواتس آب 01153870926 و “قل شكوتك” وأنت مطمئن لعلى بعد الله أستطيع أن أخففها عنك.

اقرأ فى هذه السلسلة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى