الصهيونية العالمية بين أجندة اليهودية الجديدة واليهودية الإصلاحية: (الجزء الثانى) التمرد على فكرة القداسة

 كتب: أشرف التهامي

الحركة الإصلاحية اليهودية، أصل نشأتها في القرن الثامن عشر الميلادي. يقول عبد الوهاب المسيري في مقال له: «يوجد إذاً جانبان في اليهودية: واحد إنساني يقبل الآخر ويحاول التعايش معه وهو جانب أقل ما يوصف به أنه كان هامشياً، وجانب آخر غير إنساني عدواني يرفض الآخر تماماً.
ولكن في القرن التاسع عشر ظهرت حركة الاستنارة اليهودية واليهودية الإصلاحية التي أكدت الجانب الإنساني وعمقته وحذفت من الصلوات اليهودية أية إشارات لإعادة بناء الهيكل والعودة إلى الأرض المقدسة».

المؤتمر اليهودي العالمي
المؤتمر اليهودي العالمي

الجهود في سبيل تحقيق الأفكار

لم يغير مندلسون بنفسه شيئا من الشرائع والطقوس التقليدية القديمة، ولم يتحقق في حياته شيء مما أراده إذ لم تختف مظاهر التعصب والكراهية والتمييز الديني ضد اليهود واليهودية، لكن أتباعه غيروا الشيء الكثير، لكي يعطوا للدين اليهودي صورة إنسانية ووطنية دون أن يضطروا إلى القيام بالتعمية على شكل شريعتهم، ورغم أن الحركة استهدفت ابتداء، فإن السبب الجوهري وراء نشاط الحركة ونموها الذي هيمن على مساراتها كان يتمثل في الدعوة إلى التوافق مع مطالب العصر والانصهار في المجتمع الغربي الحديث.

وكان للحركة عدة مؤتمرات صاغت منطلقاتها : المؤتمر الأول : وكان من أخطرها تاريخيا عقدته الحركة لنزع الخلاف الذي حصل بين بعض أفرادها بسبب إنكارها لقدسية التوراة، وهو المؤتمر الذي عقد بمدينة فرانكفورت عام 1845 والذي جرى فيه نقاش عام وشامل للتغييرات التي أجريت على الطقوس والمراسيم الدينية، وقد دعا عدد من الوفود إلى إلغاء كامل للعبرية، باعتبار أن تأكيد المحافظة عليها ينتهي إلى القول بأن اليهودية ديانة قومية، في حين أكدت أغلبية الوفود على ضرورة الإبقاء عليها لا باعتبارها القومي والتاريخي وإنما مراعاة لمشاعر أبناء الجيل القديم وتقديرا لعواطفهم.

المؤتمر الثاني : وكان أكبر حدث شهدته الحركة أيضا عام 1885, حيث اجتمع تسعة عشر حبرا من مفكريها في أمريكا وأصدروا وثيقة هامة، ظلت لمدة نصف قرن تعبر عن مبادئ الحركة وعقيدتها، وعرفت هذه الوثيقة باسم «خطة بتسبرج» شملت ثمانية مبادئ، تدعو إلى موافقة العقل، والتلاؤم مع أفكار العصر، وأن لا يقبل من الشريعة الموسوية إلا أحكامها الأخلاقية.

المؤتمر الثالث: مؤتمر برونزويك 1844,  حضره 24 حاخاما معظمهم من الإصلاحيين، وكانت نتائجه إلغاء صلاة كل النذور، واعتبار البلاد التي يعيشون فيها أوطانهم وبلاد آبائهم، والموافقة على الزواج المختلط والنسل يكون يهوديا.

المؤتمر الرابع : مؤتمر برسلاء 1846: حضره 22حاخاما إصلاحيا، وكانت نتائجه تعديل قوانين السبت والتخفيف من حدتها، وألغى اليوم الثاني من الأعياد، وحاول تعديل طريقة الختان، وأبطل بعض عادات الحداد، وأدى ذلك إلى زيادة الخلاف مع اليهود الآخرين.

الانتقال إلى أمريكا

وتوقفت المؤتمرات في ألمانيا وبدأت في أمريكا.

المؤتمر الخامس : مؤتمر فيلادلفيا : حضره 12 حاخاما إصلاحيا، كانت نتائجه إنهاء بقايا التفرقة بين الكهنة واليهود العاديين، إنكار البعث، والصلاة تكون بلغة الوطن.

المؤتمر السادس : المؤتمر المركزي للحاخامات الأمريكيين 1889: وقد أصبح يعقد سنويا بعد ذلك، وكانت نتائجه : أعدت كتب صلوات، اختفت النزعة القومية، البعد عن استخدام اللغة العبرية، وكان في بدايته معاد للصهيونية، ولكن مع استمرار عقده وفي عام 1974 جعل من المهم إعمار فلسطين وانعكس ذلك على كتاب الصلوات الذي عدل بعد.

ومما صنع من جهود لنشر فكر هذه الحركة : كلية الاتحاد العبري، المعهد اليهودي للدين : وهو معهد ديني يهودي أسسه إسحق ماير وايز عام 1875 في سنسناتي بولاية أوهايو الأمريكية لدعم اليهودية الإصلاحية في الولايات المتحدة، ودفعها إلى الأمام.

وقد أسس ستيفن وايز المعهد اليهودي للدين في نيويورك عام 1922 لتحقيق الأهداف نفسها.

واتحدت المدرستان عام 1950 تحت اسم كلية الاتحاد العبري ـ المعهد اليهودي للدين، وكان من بين رؤسائها: ستيفن وايز، وإسحق وايز، وكولر كوفمان.

وتخرج في هذه المدرسة الموحدة نحو 30 حاخاماً في السنة بعد خمس سنوات دراسية، كما خرَّجت مدرسة سنسناتي ما يربو على ستمائة حاخام، وخرجت مدرسة نيويورك أكثر من مائتين وخمسين حاخاماً.

وتغطي مدرسة سنسناتي مساحة تساوي 18 هكتاراً تقريباً، وتحتوي مكتبتها على 140.000 كتاب، و3.000 مخطوط، و3.000 مخطوط للموسيقى، وهي تنشر كتاباً سنوياً ودراسات في الببليوجرافيا وأخبار الكتب.

وفي سنة 1947، أسست المدرسة الأرشيف اليهودي الأمريكي، الذي يهدف إلى تطوير دراسة تاريخ اليهود في الولايات المتحدة، ويتبع المعهد كذلك متحف لبعض المقتنيات المهمة من وجهة النظر اليهودية.

وتشمل المدرسة التي مقرها نيويورك مدرسة الاتحاد اليهودي للتربية لإعداد مديري المدارس والمدرسين للعمل بالتعليم الديني اليهودي، كما تضم مدرسة الاتحاد اليهودي للموسيقى الدينية التي تدرِّب المرتلين بعد أربع سنوات من الدراسة، وتضم مكتبتها ما يزيد على 50.000 كتاب.

ولكلية الاتحاد اليهودي مركز فرعي في القدس، وقد أسست أولى الأبرشيات الإصلاحية في فلسطين عام 1936, في حيفا وتل أبيب والقدس، وفي عام 1939, اسست مدرسة ليوبابك في حيفا، وهي أول مدرسة دينيية غير أرثوذكسية في فلسطين (إسرائيل)، ويعد معبد أيل الذي أسس عام 1958 أقدم المعابد الإصلاحية (التقدمية) في إسرائيل، وفي عام 1963, أسست كلية الاتحاد العبري فرعا لها في القدس، وقد تم توسيعها عام 1987، ثم أصبحت المقر الرئيسي للإتحاد العالمي لليهودية التقدمية، ويوجد قسم بالكلية لإعداد الإسرائيليين ليصبحوا حاخامات إصلاحيين، وقد تم ترسيم أول حاخام إصلاحي متخرج في المدرسة عام 1980، وبلغ عددهم 12 عام 1992، وكل حاخامات إسرائيل الإصلاحيين (التقدميين) أعضاء في مجلس الحاخامات التقدميين.

ولا يقبل حاخامات إسرائيل الإصلاحيون تعريف اليهودي الذي يقبله حاخامات الولايات المتحدة الإصلاحيون.

ويوجد فرع لكلية الاتحاد العبرية في إسرائيل، وقد انتقل المقر الرئيسي للاتحاد العالمي لليهودية التقدمية إلى القدس عام 1972, وفي عام 1980 تم تأسيس حركة الشباب الدولية الإصلاحية الصهيونية في القدس وتتبعها عشرة فروع، وتتبع الفرع الإسرائيلي حركة الكشافة الإسرائيلية، ولا يزيد عدد اليهود الإصلاحيين في إسرائيل عن عشرين ألف وهذا ما يراه المسيري أما غيره فيرى أنهم لا يزيدون عن ألف يهودي إصلاحي.

وأيضا : الاتحاد العــالمي لليهوديــة التقدميــة World Union for Progressive Judaism وهي منظمة أُسِّست في لندن عام 1926 للتنسيق بين مجموعات اليهود الإصلاحيين ولتأسيس مراكز جديدة لليهودية الإصلاحية.

شعار الاتحاد العــالمي لليهوديــة التقدميــة
شعار الاتحاد العــالمي لليهوديــة التقدميــة
أحد مؤتمرات الاتحاد العــالمي لليهوديــة التقدميــة
أحد مؤتمرات الاتحاد العــالمي لليهوديــة التقدميــة

ويعقد الاتحاد مؤتمراً عالمياً لمناقشة موضوع بعينه، وقد أسس الاتحاد في سنة 1955 مركزاً عالمياً للدراسات الدينية والتدريب في باريس للحاخامات التقدميين الإصلاحيين. وتتبع الاتحاد مؤسسات في 18 بلداً، كما يتبعه نحو مليوني عضو، وتم الاعتراف بالاتحاد كمنظمة استشارية غير حكومية في الأمم المتحدة واليونسكو.

تعديل فكرة التوارة

مما فعله أتباع مندلسون نتيجة لتلك المؤتمرات والجهود الأخرى أنهم عدلوا فكرة التوراة حتى أصبحت بالنسبة لهم مجرد نصوص أوحى الله بها للعبرانيين الأولين، فيجب احترامها لكن يجب أن تتكيف مع العصور المختلفة، فيكون للقانون الإلهي السلطة والحق طالما كانت أوضاع الحياة التي جاء لمعالجتها مستمرة، وعندما تتغير الأوضاع يجب أن ينسخ القانون، حتى وإن كان الإله صاحبه ومشرعه، أي أن الشريعة فقدت سلطتها الإلزامية المطلقة وأصبحت روح العصر النقطة المرجعية والركيزة النهائية.

يقول اليهودي «هولدهايم» في أحد كتبه : (إن التلمود يتحدث متأثرا بفكر زمانه، وهو حق في ذلك الزمان، وأنا أتحدث منطلقا من فكر متقدم في عصري هذا، وبالنسبة لهذا العصر فأنا محق)، وبهذا المبدأ أزاح هولدهايم التلمود من مكانته التشريعية المعهودة عند اليهود. وكان من أهم ما أحدث أتباع مندلسون وقد سبق ذكر بعضها :
– إنقاص الأدعية والصلوات إلى الحد الأدنى، مع إباحة تلاوتها بلغات البلاد القومية حيث يعيش هؤلاء اليهود.
– نادى جايجر بحذف جميع الإشارات إلى خصوصية الشعب اليهودي من كل طقوس الدين وعقيدته وأخلاقه وأدبه.
– أبطلوا كل الفوارق بين الكهنة واللاويين وبقية اليهود.
– ترك الترانيم الشعرية العبرية والآرامية القديمة.
– إدخال الآلات الموسيقية وفرق الإنشاد الجماعي «الكورس» من الجنسين في المعبد والترنم بألحان حديثة مؤلفة ومكتوبة «على النوتة» خصيصا لطقوسهم، وانتهى ذلك التطوير بإدخال الأرغن في المعبد اليهودي تقليدا للكنائس والكاتدرائيات.
– أنكروا في اعتقادهم أن يكون «الخلاص» معناه إقامة دولة في فلسطين، وهم بذلك كانوا وما زالوا من الفرق غير الصهيونية، فعندهم أن الخلاص يكون في الدنيا بالحصول على المساواة في الحقوق المدنية ولا ضرورة إطلاقا لربط ذلك بفلسطين أو بغيرها من البلاد.

ومن مواقفهم المفصلية (نحن لا نعتبر أنفسنا أمة بعد اليوم، بل جماعة دينية، ولذا نحن لا نتوقع عودة إلى فلسطين، أو عودة قربانية في ظل أبناء هارون، ولا استرجاعاً لأي من القوانين المتعلقة بالدولة اليهودية).

فقد رفضوا وعد بلفور وكل المحاولات السياسية التي تنطلق من فكرة الشعب اليهودي.
خالفوا جميع اليهود إذ قالوا إن الله فعل خيرا ببني إسرائيل إذ فرقهم في الأرض، فهم بذلك يستطيعون أن يعيشوا في كل الآفاق وأن يقيموا فيها الدليل على الدعوة الموسوية.
كما عدل الإصلاحيون من فكرة عودة (الماشيح) فأحلوا محلها فكرة العصر الحديث، عصر حضارة العقل والقلب الجامعة، اقترابا لتحقيق أمل (إسرائيل الماشيحاني) العظيم من أجل إقامة مملكة الحقيقة والعدالة والسلام بين جميع البشر.
ولأنهم صرفوا النظر عن إعادة بناء الهيكل في أورشليم بالذات، فإن كل معبد من معابدهم في أي مكان يطلق عليه اسم «الهيكل»، وكانت هذه أول مرة يستخدم فيها هذا المصطلح، لأنه لم يكن يطلق إلا على الهيكل الموجود في القدس، ومعنى ذلك أن الإصلاحيين بتسميتهم معبدهم هذه التسمية الجديدة «هيكل» كانوا يحاولون تعميق ولاء اليهودي إلى الوطن الذي يعيش فيه، ويحاولون نقل الحلول الإلهي من مكان سيعودون إليه في آخر الأيام إلى مكان يرتادونه هذه الأيام.

وأول هيكل خصص للطائفة هو الذي هيأه في بيته اليهودي الإصلاحي إسرائيل يعقوبزون كما سبق، وفي سنة 1818 شهدت الطائفة تشييد أول هيكل يبنى خصيصا لإقامة الشعائر، في الثغر الألماني الكبير همبورج، وكانت الصلوات، معضمها إن لم يكن كلها، تقال فيه باللغة الألمانية لا العبرية طبقا لمبادئ اليهود الإصلاحيين، وجاء في خطبة افتتاح أول معبد لهم (إن الدنيا كلها تتغير من حولنا، فلماذا نتخلف نحن).

حدث فى هذا «الهيكل»

وفى هذا الهيكل أباحوا اختلاط الجنسين من المصلين، وأجازوا الزواج بغير اليهودي، ومنعوا تغطية الرأس أثناء الصلاة أو استخدام تمائم الصلاة «تفيلين»، متأثرين في ذلك بالصلوات البروتستانتية.
حاولوا تأكيد الجانب العقائدي والأخلاقي على حساب الجانب الشعائري أو القرباني، فهم يرون أن اليهودية الحاخامية تدور في إطار الشعائر المرتبطة بالدولة اليهودية والهيكل، والتي لم تعد لها أي فعالية أو شرعية، فيقول بعضهم : (أن جوهر اليهودية ليست أشكالا ولا حتى شريعتها، ولكن جوهرها هو أخلاقها) .
أعادوا في الجانب الفكري تفسير اليهودية على أساس عقلي، وأعادوا دراسة التوراة على أسس علمية فالعقل أو العلم هو موضع الحلول الإلهي، أو المطلق في المنظومات الربوبية.
نادوا بأن الدين اليهودي أو العقيدة الموسوية وهي التسمية المقدمة لديهم تستند إلى قيم أخلاقية تشبه قيم الأديان الأخرى.
سمحوا مؤخرا بترسيم حاخامات إناث.
لا اعتراف بأي يوم من أيام الصيام، بعد أن كان اليهود يصومون أيام كيوم الغفران وأسابيع الحداد وغيرها.
أبطلوا لبس شال الصلاة إلا للحاخامات، كما أنهم أصبحوا لا يلبسون طاقية الصلاة.
نفوا وجود الملائكة.
أنكروا فكرة البعث والجنة والنار، وأحلوا محلها فكرة خلود الروح.
أسقطوا معظم شعائر السبت ومن بينها تحريم استخدام السيارة بما في ذلك الوصول للمعبد، وعدم استعمال أية آلة كهربائية، وهم في الوقت الحاضر لا يحتفلون في يوم السبت وإنما يختار أعضاء الأبرشية أي يوم في الأسبوع للاجتماع، وتأخذ الشعائر في هذه الحالة شكل صلاة قصيرة وقراءة بعض الفقرات من أي كتاب، ولعل هذا هو الانتصار النهائي لروح العصر.

التكيف مع روح العصر

وقد ازداد التكيف مع روح العصر تطرفا، ولذا فقد قبلت اليهودية الإصلاحية المثليين جنسيا كيهود، ثم رسمت بعضهم حاخامات، وأسست لهم معابد إصلاحية معترفا به من قبلهم.

الموقف من المثلية

وجاء موقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) : «وافق المؤتمر المركزي للحاخامات الأمريكيين التابع لحركة الإصلاح اليهودية على مباركة زواج المثليين من الجنسين في طقوس دينية يهودية.

وقال رئيس المؤتمر الحاخام تشارلز كرولوف: “إن من حق المثليين الاعتراف بزواجهم واحترامهم”.

إن المؤتمر اليهودي ذهب بموافقته تلك، ذهب إلى مدى أبعد من أي حركة دينية أخرى في الولايات المتحدة في منح حقوق للمثليين؛ فحتى صدور هذا القرار كان المثليون يضطرون للبحث عن حاخام يقبل تزويجهم بصورة فردية.

وكانت مراسم الزواج تتفاوت بين مباركة بسيطة وعرس كامل يشبه حفلات الأعراس التقليدية.

في عام 1990م وافقت الحركة على تعيين حاخامات يهود من المثليين اعتماداً على مبدأ أن «جميع اليهود متساوون في التدين بغض النظر عن توجهاتهم الجنسية».
اهتموا جدا بالوعظ والإرشاد في داخل الهيكل، بحيث كانوا يختارون لكل هيكل، إلى جانب «الحزان» وهو الحاخام الذي يقوم بالكهانة في أثناء الطقوس ؛ خطيبا يتحرون فيه طلاقة اللسان وسعة العلم وقوة التأثير في الجماهير، ويسمى عندهم «مَطِّيف» ومن أشهر هؤلاء الوعاظ الخطيب اليهودي الإصلاحي المشهور «إبراهام جايجر» كما أسلفنا.
وتمت معاداة الحركة الصهيونية وكان هذا من الطبيعي، وقد عقدوا عددا من المؤتمرات للتعبير عن رفضهم للصهيونية.
وانتهى الأمر بهذه الحركة إلى أن خلعت النسبية على كل العقائد ونزعت القداسة عن كل شيء، أي أنها في محاولتها إدخال عنصر النسبية الإنسانية والتهرب من الحلولية، سقطت في نسبية تاريخية كاملة بحيث أسقطت كل الشعائر وكل العقائد تقريبا.
وطبيعة هذه الطائفة كانت تفرض عليها أن تظل نشيطة لا تتوقف عن الحركة، والواقع أنها لم تقصر من هذه الناحية، فكان أقطابها ما يزالون يجتمعون في مؤتمرات عامة، وكان من أوائلها مؤتمر في برنشويج وآخر في فرانكفورت وثالث في برسلو في السنوات من 1844 إلى 1846.

التجربة الواقعية

والتجربة الواقعية أثبتت أن (الديانة اليهودية) بدون طقوسها الخاصة التقوقعية تصبح لا شيء، ولذا كان من اليسير، بل من المنطقي بالنسبة لليهود المندمجين المعتنقين للمذهب الإصلاحي أن يعتنقوا المسيحية، فأولاد موسى مندلسون وأولاد فرايد لندر، كلهم اعتنقوا المسيحية.

ويذكر إبراهام ليون أنه خلال ثلاثين سنة تحول نصف يهود برلين إلى المسيحية، وكان كثيرون أيضا يخرجون من الدين ويعتنقون المسيحية رغبة في السلام وإيثارا للاندماج وأملا في الحصول على مراكز متقدمة في الحياة.

ولقد كفر كثير من أتباع مندلسون بالدين عموما فتابع كل عقله إلى حيث هداه، عملا بوصايا مرشدهم.

الموقف منها والمعارضات وأسبابها

كانت الإصلاحات في بداية الأمر ذات طابع شكلي وجمالي وقام بها أعضاء ليسوا جزءاً من المؤسسة الدينية ؛ ولذا، لم تثُر ردة فعل حادة عند التقليديين برغم اعتراضهم على كثير منها، ولكن لما بدأت التغيرات تكتسب طابعاً عقائدياً واتجهت نحو إصلاح العقيدة نفسها، تغيَّرت طبيعة رد الفعل، فقد لقي أصحاب هذه الحركة معارضات ومعوقات ومصاعب شديدة خاصة في شرق أوروبا.

يقول أحد الكتاب : وبالرغم من نجاح حركة الاستنارة اليهودية في غرب أوروبا إلا أنها جوبهت بمقاومة عنيفة في شرق أوروبا بسبب ظهور القوميات في أوروبا وسرعة تطور الرأسمالية المحلية، الأمر الذي لم يتح التكيف لليهود المرتبطين بأشكال إنتاجية إقطاعية، هذا بالإضافة إلى وجود طوائف يهودية أكثر تخلفا من طوائف أوروبا الغربية مثل (الحسيدية) و (الربانيم).

اقرأ أيضا:

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى