أحمد عاطف آدم يكتب: شفرة المراهقة بين الاجتياح والاحتواء (١)
بيان
تخطيت مرحلة الطفولة ودبت في عضلاتي وهرموناتي عاصفة الرجولة ثم سرعان ما استجدت فجأة دوافع كثيرة لم تكن موجودة في حياتي من قبل، لا أثر لنفس الشبل البريء الذي كان يصغى وينفذ كل ما يؤمر به من الأقرباء الموثوق بهم،، أصبحت حادًا مندفعًا أجادل كثيرًا وأصيح كالديك المشاكس الفصيح في نفسه، لا يشغلني سوى الصياح كل بضعة دقائق أمام “البرابر” المتهافتة بخيالي الجامح، أو حتى غير الملتفتة لصياحي الطامح – دون هدف واضح – المهم أن أعبر بخشونة صوتي عن “تفاحة آدم” التي برزت فجأة في منتصف رقبتي، أتعمد النظر بشكل عابر خجول، ومريب في كثير من الأحيان، إبداء مشاعري تجاه الجنس الآخر هو الشغل الشاغل، جرأة تعلن عن فحولة شاب يافع يسابق أقرانه من المراهقين لحمل الأغراض الثقيلة تباهيًا بقوته وبطولته، ضاربًا عرض الحائط بكلام ونصائح أبيه وأمه، حتى لا يغتر في صحته – وبأن عليه أن يوزع مجهوده على كفاح السنين.
ما سبق يعبر عن لسان حال معظم المراهقين تقريبًا بوصف يحاكي توجهاتهم المختلفة وتدفقهم الهرموني السريع، ومشاعرهم المتداخلة بتلك المرحلة الفارقة التي عاصرناها جميعًا، وأثرت فينا وعلينا بشكل أو بآخر – ولا أحد ينكر بأن نقطة التحول في الهروب من مآذق المراهقة المرهقة، كانت تكمن في قوة نصائح الأهل داخل دائرة محكمة من الترابط الأسري بين والدينا على وجه التحديد، وسعيهما الدؤوب للعبور بنا إلى بر الأمان، لذا قررت الغوص في بحر أحد عباقرة علم النفس وهو العالم الأمريكي الشهير دكتور”كيفن ليمان” صاحب ال ٨١ عامًا، والكاتب العبقري مؤلف أكثر من خمسين كتابًا رائجًا حول العالم.. يتميز اسلوبه بحس أدبي وفلسفي جذاب، وروح دعابة راقية، وحكمة بالغة التأثير في توصيل أفكار علمية ملهمة لكل أفراد الأسرة.
يقول دكتور “ليمان”:
《جميع المراهقين مختلفون – وهذا الاختلاف يأتي مع اختلاف المنطقة؛ ففي إحدى الليالي سيكره الدجاج وفي الليلة التالية سيكره “التاكو” (سندويتشات ميكسيكية). فلتدرك أنه بالنسبة للمراهق لا يوجد عشاء كامل تعدُّه أنت… حتى وإن تم إعداده كما طلبه تمامًا منذ ساعة واحدة》. ثم يتابع سرده ضمن كتابه الممتع “مراهق جديد مع نهاية الأسبوع” قائلًا: “وياله من مرح ستحظى به، ثق بي فأنا لم أتجاوز هذه المرحلة فقط، ولكنني استمتعت تمامًا بسنوات المراهقة الخمس لأطفالي – ومع “لورِن” ، آخر من في العش، لازالت في منتصف هذه السنوات المثيرة، في الحقيقة كنت أجلس وراء طاولة المطبخ منذ بضع دقائق، أعمل على هذا الكتاب عندما دخلت لورِن.
سألتني: 《ما الذي تفعله يا أبي ؟》
أجبت: 《أتمعن في كتابي الجديد، مراهق جديد مع نهاية الأسبوع》
نظرت إليَّ لورِن وقالت بهدوء:《أريد ثقب أنفي وأجعله متصلًا بفمي》
فقلت لها: “أوه حبيبتي، هذه الليلة سنتناول المكرونة ”
فالتفتت إليَّ لورِن بعينين متلألئتين 《حسنًا أبي، هذا جيد》
النقطة هنا، أنك كوالد يجب ألا تتجاوب مع كل شيء. حافظ على حس الفكاهة لديك، لا تبنى جبلًا من تلة صغيرة. بالتالي تستطيع أنت أيضًا أن تستمتع بهذه السنوات وتمنح نفسك العديد من الذكريات التي تفكر بها وتضحك عليها مع العائلة》،انتهى الاقتباس.
ووجه الاستفادة عزيزي القاريء من هذا الاقتباس للعالم الفذ دكتور “كيفن ليمان” ترتكز على ضرورة قراءتنا الجيدة لطبيعة تلك المرحلة الدقيقة من عمر أطفالنا المراهقين، والتيقن من أنها فترة متقلبة وعابرة حتمًا، ستمر بلا أذى سواء للآباء أو الأبناء – إذا ما تم بناء جسر العلاقة بيننا وبينهم على أساس قوي ومرن، وجه المرونة يعتمد على الاحتواء لهذا الاجتياح العشوائي من ردات الفعل غير المحسوبة لصغارنا، وتقلباتهم المزاجية، وعدم ثبات أهوائهم،، كلها رياح لا يجب أن نهتز بسببها أو نتجاهل مصدرها، بل نتعامل معها بلطف وود وتسامح وتوجيه مؤثر غير مزعج.
وللحديث بقية.
اقرأ أيضا للكاتب: