الصهيونية العالمية بين أجندة اليهودية الجديدة واليهودية الإصلاحية: (الجزء الثالث) تكفير الإصلاحيين وإخراجهم من الملة
كتب: أشرف التهامي
ملخص ما مضى فى السلسلة
الحركة الإصلاحية اليهودية، أصل نشأتها في القرن الثامن عشر الميلادي.
يقول د. عبد الوهاب المسيري في مقال له: «يوجد إذاً جانبان في اليهودية: واحد إنساني يقبل الآخر ويحاول التعايش معه وهو جانب أقل ما يوصف به أنه كان هامشياً، وجانب آخر غير إنساني عدواني يرفض الآخر تماماً.
ولكن في القرن التاسع عشر ظهرت حركة الاستنارة اليهودية واليهودية الإصلاحية التي أكدت الجانب الإنساني وعمقته وحذفت من الصلوات اليهودية أية إشارات لإعادة بناء الهيكل والعودة إلى الأرض المقدسة».
الجزء الرابع
وكان من أسباب مواجهة الإصلاحيين هو التخوف الكبير من قبل دعاة (الأمة اليهودية) من هذه الحركة الإصلاحية. فقد كانوا يتخوفون من أن يؤدي تنوير اليهود وخروجهم من عزلتهم واندماجهم في مجتمعاتهم لانتهاء أسطورة (الأمة اليهودية) وأسطورة (شعب الله المختار).
ومن أسباب هذه المعارضات أن الحركة الإصلاحية جاءت محاولاتها وسط دوامة التأثيرات التلمودية الواسعة على اليهود التي فاقت تأثير «التوراة» عليهم ؛ لذلك فقد اصطدم أنصار هذا التيار الذي أراد أن يُخرج اليهود من تقوقعهم وانعزالهم، بسيطرة التلمود وسطوته على عقول أتباع الديانة اليهودية.
وبسبب الأصولية اليهودية المتشددة لا تعترف إسرائيل بهذه الحركة لأن الأحزاب السياسية يمينية أو أصولية بحاجة إلى الأرثوذكسية.
ولما كان الإصلاحيون يعادون الصهيونية، وكانت الصهاينة جزء لا يتجزأ من المصالح الاقتصادية والحضارية للغرب، والولايات المتحدة تشجع المشروع الصهيوني، لم يكن من الممكن أن تستمر العقيدة الإصلاحية في مقاومة الواقع الإمبريالي في الغرب، الممالئ للصهيونية.
ومما يبين حدة الخلاف بين أفراد الصهاينة والإصلاحيين ما جاء في صحيفة (هآرتس) والتي أوردت ذلك في عددها الصادر في 20/7/1998 : أن اللجنة الحكومية التي يترأسها وزير مالية العدو يعقوب نئمان، أعدت توصية تقضي بإنشاء باحة إضافية جديدة إلى الجنوب من الباحة الرئيسية الحالية لما يسمى حائط المبكى ـ البراق ـ ؛ لتكون «مكاناً بديلاً» يصلي فيه أتباع التيار الديني اليهودي الإصلاحي، الذين تحرمهم الحاخامية اليهودية الكبرى حتى الآن من التعبد والصلاة مع أتباعها من المتدينين المتزمتين والمحافظين في نفس المكان من الباحة الرئيسة لما يسمى حائظ المبكى ـ البراق ـ الذي تحتكر الحاخامية الكبرى لنفسها المسؤولية عن إدارة شؤون صلاة اليهود فيه.
وفي موقع الشهيد على الشبكة : (واتهم رئيس بلدية القدس «إيهود أولمرت» الحركة اليهودية الإصلاحية ومقرها الولايات المتحدة بأنها «بصقت في وجه» إسرائيل بعدولها عن تنظيم رحلات للشباب اليهودي إلى إسرائيل.
واتخذت الحركة قرارها بعد العملية الاستشهادية التي أسفرت في الأول من حزيران عن مقتل عشرين شخصا في تل أبيب، (معظمهم من الشباب الإسرائيليين من أصل روسي)، وهذا يبين المعارضة والانقسام في صفوف اليهود والذي اعترفوا به، مما ينبغي معه على المسلمين من استغلاله لصالحهم إن أمكن، وقد تقدم بيان شدة معارضة الإصلاحيين أهداف الصهيونية السياسية.
ويمكن تلخيص العقبات والصعاب الأخرى التي اصطدمت بها حركة «التنوير اليهودي» كما لخصها بعض الكتاب فيما يلي :
1-تراجع شعارات المساواة في الحقوق والواجبات للجميع على أساس المواطنة الواحدة، إثر عودة الملكية إلى فرنسا، وسيطرة الأفكار الرجعية على أوروبا مجدداً وسيادة روح التعصب.
2-ن معظم الحركات اليهودية الفاعلة، كانت منتشرة في دول أوروبا الشرقية حيث كانت تحكم أنظمة تسلطية مطلقة.
3-النظرة الدونية تجاه الديانة اليهودية في دول أوروبا الشرقية، وبالتالي فلا مساواة بين المتفوق حضارياً والدوني الذي يجب عليه تمثل المتفوق لا المساواة معه.
4-عمليات القمع والإرهاب التي كانت تمارس بحق اليهود خارج الفيتو خاصة في أوروبا الشرقية.
5-المنافسة البرجوازية «المسيحية» لليهود في مجالات عملهم: التجارة – الأقراض. دون أن تتوفر لليهود العوامل المناسبة (موضوعياً وذاتياً) لممارسة مهن أخرى.
6-الازدياد المطرد في أعداد اليهود، ففي روسيا على سبيل المثال “… على الرغم من معدلات الهجرة العالية إلى الولايات المتحدة، وعلى الرغم من اندماج أعداد لا بأس بها، فإن معدل تزايد السكان اليهود كان يفوق بمراحل معدل الهجرة والاندماج. لقد كان عدد اليهود عام 1850: 2.350.000، ولكنه تضاعف خلال خمسين عاماً ليصبح 5.000.000 عام 1895.
أشهر المعارضين
1- كانت أول المضايقات والمعارضات للحركة من الأفراد من جانب الداعية الصهيوني «سمولنسكين» ومدرسته التي ضمت جماعة من أمثال الكاتب والمفكر الصهيوني موسى هيس ومن قبله الحاخام المتطرف صبي كاليشر.
2- ومنهم الحاخام الأرثوذكسي الإسرائيلي تسفي هلبرشتاين الذي وصف الإصلاحيين بأنهم كفرة، حتى إنه لم يستخدم كلمة يهود فيهم أصلا، وقال: خرجوا أنفسهم عن الدين اليهودي، وأصبحوا خارج السياج المحيط بشعب إسرائيل، وليست لهم أية حصة في أرض إسرائيل. ثم أضاف قائلا : «إنهم طابور خامس، خطره علينا أكبر من خطر التنازل عن أرض إسرائيل للعرب» والعرب أعدى أعداء اليهود.
ويرى أنه يفضل إعطاء أنه يفضل أن يعطي الأرض للعرب، على أن يساوم عليها في علاقته باليهودي الإصلاحي.
3- وصرح حاخام آخر «أرثوذكسي أمريكي» بأن اليهودية في واقع الأمر قد انقسمت انقساما عميقا ليس معهودا إلى يهوديتين : اليهودية الإصلاحية والمحافظة من جهة، واليهودية الأرثوذكسية من جهة أخرى.
4- قول الحاخام الروسي آحاد (آشر جنزبرج) (1806-1927): (أن اليهودية إذ تخرج من أسوار الجيتو الانعزالية تتعرض لخسارة كيانها الأصلي، أو على الأقل وحدتها القومية، وتصبح مهددة بالانقسام إلى أكثر من نوع واحد من اليهودية).
5- يكرر المفكر الألماني والزعيم الصهيوني ماكس نوردو (1849-1923) نفس الفكرة في كتاباته إذ يقول : (كانت كل العادات وأنماط السلوك اليهودية تهدف دون وعي إلى شيء واحد، الحفاظ على اليهودية وذلك بعدم الاختلاط بالأغيار حتى تحافظ على المجتمع اليهودي، ولنستمر في تذكير الفرد اليهودي بأنه سيفقد ويهلك إن هو تخلى عن شخصيته الفريدة، وهذا الدافع نحو الانفصال عن الغير، كان منبع كل قوانين الطقوس الدينية التي كان اليهودي يعتبرها -عادة- في مرتبة إيمانه ذاته) فإتباع حركة التنوير – حسب تصوره – فيه قطع لكل جذور الحياة بالنسبة لليهود وفيه تقويض لبيت (إسرائيل) كليا.
6- ويرى «سامسون هرس» أن موت اليهودية هو في تطويعها لمبادئ العصر.
7- كما هاجمها الحاخام «الياهو بكاشي» واتهمها بإذابة ثلث اليهود في المجتمعات غير اليهودية، وشبهها بالنازية، وهذا يشكل خطرا على أفرادها، وقد طلب الحاخام «أروي رجف» من حكومة إسرائيل التحقيق مع الحاخام بكاشي لإهداره دم اليهود الإصلاحيين إلى المجالس الدينية.
8- ومن بين أشد المعارضين للإتجاهات الإصلاحية وأصلبهم عودا وأغزرهم مادة الربائي «موسى صوفر» (1763-1863) من يهود برسبورغ الذي كان حاخاما ذائع الشهرة ومعروفا بفتاويه الشرعية التي بلغت في مجموعها مجلدات ضخمة، والتي ما تزال لها قيمة شرعية لا تنسى. لقد انقلب صوفر بعنف على كل دعوة إلى الحداثة والإصلاح في شئون الحياة الدينية لليهود، وإليه وإلى جهوده وصراعه الدائب المستمر ضد الإصلاحيين يعود الفضل في انحسار تيار الحركة الإصلاحية وفشلها في هنغاريا على الرغم من جهود أتباعها المخلصين وحماسهم المتزايد في الدعوة إلى برامجها.
9- وفي ألمانيا فقد وجدت الأصولية المحافظة أعظم نصير لها في شخص «سمسون روفائيل هيرش»(1808-1888) الذي عارض بشدة بالغة أتباع الحركة الإصلاحية، وأسس منهجا مغايرا لها عرف فيما بعد ب«الأرثوذكسية المحدثة». وقد أعلن هيرش باعتباره ربائيا مسئولا عن طائفة الأرثوذكس في فرانكفورت مبدأ الاعتزال أو الهجرة، قاصدا به ضرورة انفصال اليهود الأصوليين عن المجتمعات والهيئات التي تسود فيها النزعة الإصلاحية، وتأسيس مجتمعات خاصة بهم.
تلك وغيرها كانت معوقات موضوعية أمام اندماج اليهود في مجتمعاتهم الأوروبية. لكن السبب الذاتي الكامن في الطبيعة الانعزالية – القبلية – للديانة اليهودية، كان العامل الحاسم في فشل حركة الهسكلاة – التنوير” بتفاعلة مع ما ذكرنا من عوامل موضوعية.
إلى اللقاء في الجزء الرابع.