قل شكوتك.. “حياة بالأبيض والأسود”
كتبت: أسماء خليل
ربما يحب الكثيرون رؤية مشاهد الشاشة بالأبيض والأسود، ربما يجذبهم ذلك التجاذب اللوني، ولكن لن يعدو ذلك عن مجرد إعجاب أو تعايُش لحالة لم يعيشوها من قبل، إذا استمر الحال على تلك الوتيرة، حتمًا سيكون المرء بحاجة ماسة إلى مزيدٍ من الألوان.
أعتقد أن ما سبق هو مقدمة مناسبة لشكوى أرسلتها السيدة “ل.س”، راجيةً من الله – سبحانه وتعالى- أن تجد من يخفف عنها آلامها ولو بالكلمات.
الشكوى
أنا “ ل. س” امرأة في السابعة والثلاثين من عمري، حاصلة على مؤهل متوسط، أنجبتُ ولدين من زيجة سابقة لي.
حياتي ترسم ملامح “سيناريو” لأحد أفلام الأبيض وأسود الدرامية؛ فقد ولدتُ في إحدى قرى محافظات الوادي لأبٍ تزوج أمي وانتقلنا للمدينة، وما لبث أن طلَّقها ولم يرغب بالاعتراف بي، ولكنه اعترف بأخي وأختي اللذَين سبقاني للمجيء إلى الحياة.
أصابني المرض وأنا في المهد، ومن كثرة انتحاب أمي، لم يتم علاجي بشكل صحيح؛ مما أثر على إحدى كليتي، ولكن الطبيب قد نصح أمي بالمحافظة على صحتي لأنني سأعيش بكلية واحدة.
بعد محاولات من أفراد العائلة اقتنع أبي بأن يكتبني باسمه في شهادة الميلاد.. فقط مجرد حبر على ورق.. لقد قذف بي أنا وأمي وأخوتي بالشارع؛ فكانت أرصفة الطرقات هي ملاذنا حينها.
عادت أمي للقرية لتعيش مع أمها وأخوتها، ولكن قلوبهم كانت أقسى من قلب أبي، فما برحوا إلقاء اللوم على أمي لأنها لم تستطع أن تحتوي أبي وتعيش معه، وظلوا يقذفونها بالألفاظ المُهينة، وكانت تتحمل من أجلنا، إلى أن وصل الأمر لحد إهانتنا وضربنا – نحن – من قِبل أخوالي؛ حتى سارعت أمي باحتضاننا والفرار بنا للمدينة متلفعةً ببرد الشتاء القاسي.
كانت أمي حينها خاوية اليد.. مفعمة الفكر بالهواجس.. تلطَّمَت أمي بالدنيا ولكنها ظلَّلَتْنا بجناحيها اللذَين لم يجرؤ أحد على كسرهما.
كبر إخوتي وتزوجوا وعاشوا متوسطي الحال حامدين الله.. وأنا تقدم لخطبتي شاب وأنا بالعشرين من سني عمري.. كم سعدتُ به لأن ظروفه مثل ظروفي الحياتية.. تزوجنا وأنجبنا الولدين؛ حتى أدمن بعد خمس سنوات من زواجنا، وكاد أن يصيبني بأذى بالغ في إحدى الليالي.
صممت أمي على طلاقي وإنقاذي من براثن ذلك المُدمن.. لقد شعرتُ حينها أنني سأواجه نفس مصير أمي.. وبعد مرور أربعة أعوام تقدم لي رجلٌ في الأربعين من عمره ذو منصب مرموق، قال إنه منفصل عن زوجته، وهما لا يحبان بعضهما أبدا.
سألَتْ أمي وتحرتْ جيدا عنه؛ فتبين لها حقيقة الأمر وصدق كلامه.. تم عقد القران، وما إن أتممتُ عامًا معه؛ إلا وأصابت الغيرة قلب زوجته السابقة وظلتْ تقوم بعمل المكايد والحيل حتى يعود إليها هي وبناتها، لم أمانع في أن يردها، ولكنه ظلمني وطلقني دون أن أتفوه بكلمة واحدة.
تيقنتُ حينها أن هذا نصيبي وأن عليَّ الاهتمام بتربية أولادي فقط، دون الالتفات لأمور الدنيا.. عملتُ موظفة بسيطة بإحدى الشركات، ولا أخفيكِ سرًّا سيدتي كنت بضائقة مالية بشكل دائم.
مر عامان وأنا أعيش مع أمي برفقة أولادي، وأمي تساعدني قدر المستطاع؛ فليس لديها سوى معاش بسيط تقتات منه.. إلى أن اشترى معلمي السابق – بالمرحلة الثانوية – بيتًا في شارعنا.. كنتُ حينها بالثانوية العامة وهو مازال حديث العهد بالتخرج من الجامعة والتعيين كمعلم رياضيات في مدرستنا.
رآني بالشارع بينما كنت أقضي حاجة لأمي.. أوقفني وسلَّم عليَّ، وألح أن يعرف كيف أحيا.. قصصتُ عليه بشكلٍ سريع؛ فأعطاني مبلغا من المال بعد إصراري على الرفض، ثم قال لي نحن جيران وإذا أردتِ أي شيء تعالي لنا أنا وزوجتي، فهي طيبة جدا ورزقني الله منها بثلاث بنات.
لا أعلم لماذا عدتُ إلى المنزل سعيدة، ربما لشعوري أن أحدًا بالحياة أهمه أمري.. تبادلنا الزيارات أنا وأمي للمعلم وزوجته؛ إلى أن صارحني يومًا أنه كان يحبني منذ المرحلة الثانوية وأنه يريد أن يتزوجني.
خشيت على زوجته وخراب بيته، فوافقتُ على الزواج العرفي، بخاصة أنني كنت في احتياج تام لونس ورفيق بالحياة، وأيضًا كان يغدق عليَّ بالأموال وأراحني من عناء العمل.. علمَت زوجته بوجود علاقة بيني وبين زوجها؛ وخاصة أنه بات مقصِّرًا معها، فقالت لزوجها طلقها وإلا سأرحل أنا.
الغريب أنه تمسك بي جدًّا وحاول إقناع زوجته بأنه يساعدني بالحياة.. ولكنها رفضت.. قلت له: لا بأس طلقني من أجل حياتك.. وابتعدتُ عنه، فجاءني باكيا قائلًا إنه لا يستطيع الحياة بدوني.
ساءت حالتي الصحية وكدتُ أن أموت فكنتُ أحتاج إلى زرع كلية.. وقف معلمي وزوجي جواري بقلبه ودموعه وماله.. ولم أكن أعلم أنه يحبني إلى هذا الحد؛ حتى شفاني الله وهو مازال جواري.. تفاقمت مشاكله مع زوجته.. كان الإصرار من جهتي أن ننفصل حتى يستقر بحياته.. ولكن حالته النفسية ساءت.. وأنا تمسكتُ بموقفي حتى لا تخرب زوجته البيت وترحل.
اتصل بي مئات المرات فلم أرد.. حتى اتصل من رقم أخر وقال أنا لا أستطيع الحياة بدونك رغم مرور خمس سنوات ونحن سويا مازلتُ أعشقكِ.. رفضتُ وتمسكتُ من أجله؛ حتى فاجأني قائلا إنه كان بالقاهرة وعلم أن لديه سرطانًا، بكيت وصدمت.. قال تمسكي بي أرجوكِ كما تمسكتُ بكِ.
سيدتي.. لا أعلم ماذا أفعل وقد أصابه المرض وزوجته على أعتاب المنزل بانتظار الرحيل.. هل أصر أن أرحل أنا؟!.. أم سيعتقد أنني أتخلى عنه في محنته؟!
الحــــل
عزيزتي “ ل. س” كان الله بالعون..
أيُّ إنسان بالعالم حينما يريد بناء منزل، لا يمكن بأىَّة حال من الأحوال أن يبنيه على أنقاض بيتٍ آخر، فما بالنا بالزواج الذي هو تأسيس حياة.
للأسف عزيزتي لقد بنيتِ بنايتكِ على أنقاض قلب امرأة أخرى.. لا شك أنَّ الله تعالى لم يحرِّم على الزوج تعداد الزوجات؛ ولكنه سبحانه شرط ذلك بالعدل فقال : ” فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً” سورة النساء آية ٣، ويقول في آية أخرى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ .
إذن لابد من نظرة متعمقة؛ إذ أنه سبحانه أجاز التعدد بشرط غاية بالصعوبة حيث قال سبحانه ولن تستطيعوا أن تعدلوا.. ومن ذلك نفهم أن تعداد الزوجات يكون في أضيق الحدود، ومن أمثلة ذلك، عدم إنجاب الزوجة أو إصابتها بالجنون…. إلخ.
فليس الأمر مطلقًا وكل من أحب امرأة يتزوجها ويؤلم زوجته الأولى.
لقد ارتكبتِ خطأً فادحًا بموافقتكِ على الزواج من رجل لديه بيتٌ عامر بزوجة حنونة رقيقة القلب – على حد وصفهِ – وأولاد يملؤون عليه حياته، ولم تتأكدي من أنه سيكون عادلًا مع زوجته الأولى.
لقد دمرتِ ذلك الكيان والصرح القوي بدليل أن زوجكِ قام بالتقصير من جانبه مع زوجته الأولى، ولم يعدل بينكما.
لابد من إصلاح ما تم إفساده.. نعم هو مريض الآن، وربما حُبكِ قد يهون عليه، ولكن الحفاظ على سلامة بيته أهم، وكذلك علاقته بالله- سبحانه وتعالى- إذ أنه لم يستطع التوفيق بينكما كزوجتين.. وما الجدوى من سلامة الإنسان بلا ملجأ ولا مأوى يحتمي بظله.. ستهتم به زوجته وسيرعاه أبناؤه، ولا تتصلي به وتذكريه بكِ.
اجعليه ينساكِ ويهتم بحياته، إنه في هذه المرحلة ليس أهلًا لدخول حربٍ أطرافها أنتِ وزوجته.. ساعديه على نفسه، وبفضل الله ثم رعاية وعناية أسرته به سيتم شفاؤه ويستطيع أن يكمل مسيرة حياته وهو الأب والزوج المثالي.
منحكِ الله السعادة وراحة البال.
…………………………………………………………………………………………………..
راسلوني عبر الواتس آب 01153870926 و “قل شكوتك” وأنت مطمئن لعلى بعد الله أستطيع أن أخففها عنك.