أحمد عاطف آدم يكتب: شفرة المراهقة بين الاجتياح والاحتواء (٢)

بيان

تدفع غريزة الأمومة والأبوة الكثير من الأهل لتبني المسؤولية المطلقة منذ قدوم الطفل الأول، بمعنى أن الصغار يظلون إلى ما لا نهاية بلا حول أو قوة دون إرادة والديهم في تصريف أعمالهم، وتحمل كل أعباء حياتهم، وهذا خطأ شائع وشنيع، وسلوك تربوي سلبي يضر بكل أفراد الأسرة على حدً سواء، حيث تسود وتتوغل الجملة الشهيرة في القناعة الداخلية لمعظم أرباب الأسر بالمجتمعات الشرقية أو العاطفية، “مهما كبروا هيفضلوا صغيرين ومش هيكبروا أبدًا”.

وفي فلك هذا الإطار التواكلي تسبح إحدى قارئات ومتابعات عالم النفس الشهير دكتور “كيفن ليمان” وهي تقص تجربتها مع ابنتها، ضمن سرد كتابه《مراهق جديد مع نهاية الأسبوع》قائلة: “كنت اعتقد دائمًا أنني أم عظيمة ومشغولة على الدوام بأمور لأجل أبنائي، وعندما مرض والدي بدأت أقضي نهاية الأسبوع معه لأعتني به في ولاية أخرى، حتى أدركت بأنني أربي صعلوكين مدللين (١٥ و١٧ سنة ) أرادا كل شيء بطريقتهما، وأنا قد تركتهما يفلتان من العقاب!

كنت أعود إلى المنزل من أجل أكوام الغسيل المكدسة وطلبات مثل “أين هذا؟” و “أين ذلك” – لم أدرك حينها تلك الحقيقة إلا بعد أن انسحقت تمامًا، فقد كنت أقوم بالكثير من الأمور التي ينبغي أن يفعلوها لأنفسهم، وتيقنت ذلك فعلًا عندما قال لي أبني:” ماما لقد قلتِ إنكِ ستساعديني في تقرير المدرسة لمادة الأحياء – لكنك لم تكوني موجودة أساسًا”، كان يقصد من كلامه:” ماما، اعتمدت عليكِ في القيام بتقرير مادة الأحياء لذا يمكنني الجلوس واللعب بألعاب الفيديو طوال نهاية الأسبوع”.

وأخيرًا قررت ممارسة كلمة “لا” بناءً على نصيحتك (تقصد توجيهات دكتور ليمان التربوية)، وهكذا خلال الأيام الثلاثة التالية، قلت ((لا)) على كل شيء.. في البداية صُدِم ولداي، ومن ثم غضِبا، وبعدئذِِ ارتبكا.. حصل ابني على درجة متدنية جدًا في تقرير مادة الأحياء بالمدرسة، وانتهى به الأمر لحضور جلستين إضافيتين نتيجة لذلك، وكان عليه أن يمشي حتى يصل إلى المنزل، لأنني قلت له بأن يتدبر أمر عودته، ولم أكن أجيب على هاتفي الشخصي عندما كان يتصل ليجعلني أغير رأيي،، وارتدت ابنتي القميص الذي تكرهه وهي ذاهبة للمدرسة، لأنه القميص النظيف الوحيد – بعدها تحملت عبء الغسيل على كاهلها.

يتمتع الآن ولداي بقوة إرادة، وأنا أعلم أنَّ المعارك لم تنتهِ بعد. لكنني أعلم أيضًا بأنني من يتيح المجال أمامهما كي يصبحا أنانيين، لأنني أنا من أحتمل تصرفاتهما، ( فزوجي يعمل بعيدًا لجزء من كل شهر )، ولكن ليس بعد الآن – أخيرًا أدعم نفسي وهذا يمدّني بمشاعر جيدة.

كاريسا، ولاية ميتشجان
انتهى الاقتباس.

الخلاصة عزيزي القاريء هي أن الحياة التي نعيش فيها ما هي إلا شركة كبيرة، ينضم إليها أعضاء جدد بين الحين والآخر ليعملوا بها، هؤلاء هم أطفالنا الذين يولدون بلا خبرات،، ولكي ينجحوا في مهمتهم وننجح نحن معهم في رسالتنا، لابد أن نؤسسهم اجتماعيًا ويقينيًا منذ نعومة أظفارهم على حقيقة أن أسرتهم الصغيرة التي ينتموا إليها ما هي إلا مؤسسة للتدريب الجاد على المشاركة في الحياة، وبأن أساس تلك المشاركة يرتكز على تشابك الأيدي لإنجاز المهام مع الأب والأم والأشقاء، وليس التملص من المسؤوليات والتواكل على الغير، كل ما سبق هو تمهيد للاستقلال
حتى يكون الناتج النهائي هو تحول الأبن إلى أب قائد مُلْهِم، والأبنة إلى أم قدوة ومعلمة حكيمة.

وللحديث بقية.

اقرأ أيضا:

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى