دكتور هاني الجمل: مهرجانات السينما.. الواقع والمؤمل
بيان
بداية اعترف أني لست ناقداً فنياً، وكل ما أعرفه عن فن السينما ما درسته كمادة في كلية الإعلام جامعة القاهرة، حينما كنت من بين أول دفعة دخلت الكلية عام 1971، حيث درسنا بقسم الإذاعة والتلفزيون، مادة الدراما على يد بعض المختصين ومنهم دكتور سناء شافع ” رحمه الله “.
ولكني سأناقش هنا كمواطن عادي، مهتم بحكم خبرته الإعلامية بالشأن العام، وما يشهده الجمهور العادي من مواد إعلامية ودعائية، خلال كل مهرجان سينمائي يتم تنظيمه في مصر وآخرها مهرجان الجونة السينمائي الذي انتهى منذ أيام، وما ينتظره الجمهور من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي سيبدأ من 13 وحتى 22 من نوفمبر الجاري.
ودعونا نتفق أن رسالة أي مهرجان سينمائي، ينبغي أن تكون سامية، وغاياته نبيلة تخدم المجتمع بكل فئاته، وترقى بالذوق العام، لينير عبر ما يعرضه من أفلام محلية أو عالمية الطريق، ويسلط الضوء على مشاكلنا، ويحاول وضع حلول لها ضمن قالب ترفيهي مشوق لا يخدش الحياء العام.
إذا كانت تلك رسالة أي مهرجان سينمائي، فإنني أتساءل بموضوعية.. هل تترجم تلك المهرجات هذه الغايات النبيلة؟ أم تركز فقط على ملابس العري التي تفتخر بها الفنانات وبثمنها الذي يتعدى آلاف الدولارات، وتنقلها ” السوشيال ميديا” للمواطن البسيط الذي يكافح من أجل دفع فاتورة الكهرباء والغاز والماء، وتوفير مصاريف الدروس الخصوصية لأبنائه.
وهنا أتساءل.. هل مطلوب مني كمواطن أن أعرف ثمن فستان وحقيبة يد كل فنانة، والعبقري الذي صمم ذلك، ومن اختار لها تسريحة شعرها؟ أم أتعرف على أهم الأفلام الموجودة ونوعيتها والهدف منها والقضايا التي تناقشها؟
لن أخوض كثيراً فيما وصل إلينا من مهرجان الجونة الأخير من لقطات، تصور هؤلاء الفنانات وكأنهن يعشن في كوكب أخر، ولا علاقة لهن بما يدور في مصر، وربما تعود حالة البذخ والاسراف التي نشاهدها إلى ما يتقاضاه الفنان أو الفنانة من ملايين كأجر على كل عمل، ونراهم خلال المقالات يتحدثون بعظمة وكأنهم بالفعل أصحاب رسالة تنويرية وليتهم كذلك.
وربما يقول بعض المدافعين عن تلك الصور الماجنة، إن وسائل التواصل الاجتماعي تهتم جداً بمثل هذه الأخبار، وتتابع الحياة الشخصية للفنانات والفنانين، ومن تزوج منهم ومن انفصل عن زوجته، ولكن الرد على ذلك بسيط، وهو التمسك بالقيم والمثل العليا التي تربي الأجيال وتبني شخصياهم وتنمي الانتماء للوطن.
ورغم حالة اليأس والإحباط التي أشعر بها شخصياً، مما يدور في أغلب المهرجانات السينمائية، إلّا أن تصريح الفنان حسين فهمي الذي سيرأس مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الخامسة والأربعين، تعطي الأمل في أن نرى ترجمة لكل الآمال التي نعلقها على مثل هذه المهرجانات.
فالمهرجان الذي سيبدأ في الثالث عشر من الشهر الجاري، سيعرض 194 فيلماً من 72 دولة مشاركة، من بينها 119 فيلماً من الشرق الأوسط وأفريقيا.
ولعل النقطة المضيئة التي حرص على تأكيدها الفنان حسين فهمي هي أن الفن سلاح قوي يمكن من خلاله إبراز قضايا المنطقة العربية، مشيراً إلى أن هناك خطة قوية لدعم القضية الفلسطينية واللبنانية من خلال برامج وعروض مخصصة، حيث سيتم عرض أفلام فلسطينية ولبنانية تسلط الضوء على معاناة الشعبين، مؤكداً أن هذه الدورة ستكون بمثابة منصة لتضامن المهرجان مع تلك القضايا الإنسانية.
نقطة مهمة أخرى أشار إليها حسين فهمي خاصة بترميم تراثنا السينمائي، باعتباره خطوة بالغة الأهمية في دعم صناعة السينما وتعزيز الروابط بين الأجيال، حيث قال ” إنه متحمس للغاية لمشروع ترميم كلاسيكيات السينما المصرية العظيمة، بالتعاون مع الشركة القابضة ومدينة الإنتاج الإعلامي، ونحن تمكنا هذا العام من ترميم عشر أفلام، وهناك اثنا عشر فيلمًا آخر قيد الترميم، كما سيتم تزويد جميع الأفلام المرممة بترجمة تتيح أيضًا للجمهور الأجنبي فرصة الاستمتاع بتراثنا السينمائي الغني.
وكل هذه الجهود تعكس التزامنا الراسخ بدعم صناعة السينما المصرية والحفاظ على إرثها”. وفي النهاية أتمنى أن يقدم لنا مهرجان القاهرة السينمائي يومياً موجزاً مبسطاً عن أهم الأفلام التي تم عرضها والقضايا التي تناولتها بدلاً من تخصيص مساحات كبيرة من وقته لعرض ملابس الفنانات ” وفورمات ” شعرهن وموديلات حقائبهن الباهظة الثمن والتي يصفها رجال الجمارك بأنها ” سلع استفزازية “.
خلاصة القول.. حينما تدرك المهرجانات السينمائية كنه رسالتها، وتعرف أهمية ما تقدمه من أجل الارتقاء بالذوق العام مع الارتباط بقضايا مجتمعها، فإن الجميع سوف يصفق لها ويلتف حولها.