عاطف عبد الغني يكتب: الصندوق فى مصر
بيان
المراجعة الرابعة مع صندوق النقد الدولي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المطبق في مصر ستبدأ خلال الأسبوع الأول في شهر نوفمبر الجارى، تسبقها زيارة لمديرة الصندوق، للاطلاع علي مؤشرات الاقتصاد المصري، وطبيعة الوضع الاقتصادي الحالي في ظل المتغيرات الإقليمية والعالمية التي أثرت علي اقتصادنا.
وإذا بحثت عن وجهة نظر الشاطئ الآخر (الإعلام الغربي مثلا) لعلاقة مصر مع صندوق النقد، سوف تجد توصيفات إيجابية من عينة: “إن مصر تتعاون مع صندوق النقد في إطار برنامج تمويلي يهدف إلي دعم الاقتصاد المصري وتعزيز قدرته علي مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية.. ويتميز هذا البرنامج بمرونته وقدرته علي التكيف مع المتغيرات الاقتصادية، كما أنه يعتمد علي شراكة قوية بين الجانبين، حيث يقوم صندوق النقد بتقديم الدعم الفني والتقني، بينما تتخذ الحكومة المصرية الإجراءات اللازمة لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية”.. إلي آخر هذه “الكليشهات” التي تجمل وجه العلاقة المتبادلة مع الصندوق ، فتبدو في ظاهرها الاتفاق والائتلاف، وحقيقتها أنها مفاوضات صعبة وشاقة علي الدولة المصرية، والتي تضطر لها كلما لجأت إلي “الصندوق”.
وفيما يخص المراجعة القادمة تحديدا فإن المفاوض المصري سوف يطلب من “الصندوق” تمديد الفترة الزمنية المخصصة لإلغاء الدعم عن المواد البترولية والكهرباء، وربما خدمات أخري، بهدف تخفيف الأعباء المالية علي المواطنين وتجنب أي ارتفاع حاد في الأسعار.
ومن جانبها فإن إدارة الصندوق أبدت مبدئيا الترحيب بفتح باب النقاش حول المراجعة، ورد الفعل هذا يتسق مع سلوك ينتهجه “الصندوق” خلال الفترة الماضية حتي يحافظ علي “زبائنه” ولا يدعهم يفلتون من يده.
وفي هذا الصدد، وبعد انتقادات واسعة لأكثر من دولة، تم توجيهها لنظام الاقتراض من الصندوق، خاصة فيما يتعلق بارتفاع أسعار الفائدة، بادر “الصندوق” وأعلن عن تخفيض كبير في نسبة الفائدة علي قروضه، وترتب عن ذلك خصم 1.2 مليار دولار من الدين المصري لدي “الصندوق” وبالتأكيد سوف تستفيد منها الحكومة في تخفيف الأعباء المالية عليها، لكنها لن تنهي الأعباء بالتأكيد، ولن تقضي علي المشاكل، فهي مجرد مسكّن، وسيبقي السؤال الذي طرحناه في مقال سابق قائما: “ما الذي اضطرنا إلي التعامل مع صندوق النقد وتجرع مراره؟!”.
الإجابة الجاهزة سابقة التعليب التي ستسمعها من ببغاوات الاقتصاد، خبراء الشاشات، سوف تنادي بضرورة إقامة علاقة مع “الصندوق” تكون بمثابة شهادة صلاحية دولية لاقتصادنا، وينتج عنها اكتساب ثقة جهات التمويل والاقتراض العالمية، وجذب المستثمرين والاستثمارات.
.. وإذا سألتهم عن عمل ” الصندوق ” ستجد من يزيدك من الشعر بيتًا فيقول مثلاً: “يعمل الصندوق علي إصلاح الاختلالات الهيكلية في اقتصاديات الدول التي يتعاون معها”.. وغالبا لن تجد من يخوض في تفاصيل برامج (إعادة الهيكلة) والهدف منها، بدعوي أنها لا تهم المشاهد أو أنها أمور اقتصادية تخصصية.. وإذا حدث وجري الحديث بشأنها فلن يزيد الكلام علي أن الهدف من برامج إصلاح الاختلالات الهيكلية تضمن للدول سدادها ديونها، وتعافي اقتصادياتها ومن ثم تحقيق النمو الاقتصادي المنشود.. فهل ما سبق كل الحقيقة؟!!.
مرة أخري: هذا قناع من أقنعة تجميل الحقيقة، لكن ليست الحقيقة ذاتها.. انتظرونا.