وزير دفاع إيران في دمشق.. هل تحاول طهران جر قدم “الأسد” للحرب؟
كتب: أشرف التهامي
في ظل التوتر الإقليمي المتصاعد، تكثّف إيران زياراتها الدبلوماسية والعسكرية إلى دول المنطقة، لا سيما سوريا ولبنان، حيث يواصل “نتنياهو” رفع مستوى التصعيد الأمني والعسكري ويهدّد مع صعود “ترامب” بضربة أميركية إسرائيلية مشتركة، لم تكتمل بعد ملامح طبيعتها وحجمها ضد نووي طهران.
وعلى ما يبدو، تسعى طهران في الوقت المتبقي والحاسم إلى اختبار مدى وفاء الدولة السرية على خلفية دعمها غير المسبوق لها خلال سنوات الحرب، وهي تحاول في ظل الحرب الوجودية التي تهدد “حزب الله” والتهديدات المتكررة باستهداف ترابها مرة أخرى، التأكد من أن استثماراتها الضخمة في بقاء الدولة السورية بقيادة الرئيس الأسد لم تكن خاسرة.
في أعقاب زيارة وزير الخارجية ورئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، إلى سوريا ولبنان، سافر علي لاريجاني، كبير مستشاري المرشد الأعلى الإيراني، إلى سوريا ثم لبنان، لإجراء محادثات مع مسؤولين في بيروت ودمشق، وإيصال رسالة علي خامنئي لـلرئيس “الأسد” والسياسيين اللبنانيين، للرد عليها.
وفي تطور لافت ومتسارع للأحداث، وصل وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده برفقة وفد عسكري رفيع المستوى إلى دمشق، أمس السبت، في زيارة غير معلنة ومفاجئة، ما أثار كثيرا من التكهنات حول طبيعة مهمة “لاريجاني” والزيارة التالية لوزير الدفاع والأهداف الإيرانية منها.
“زيارات استعراضية ورسائل في اتجاهات مختلفة”
حملت زيارات المسؤولين الإيرانيين الأخيرة كثيرا من التحركات الاستعراضية، فقد جرى تداول صور لرئيس البرلمان الإيراني قاليباف وهو يقود الطائرة نحو لبنان، شهر أكتوبرالفائت، كما أطلق “لاريجاني” تصريحات ساخرة حول أن “نتنياهو” يحاول الزجّ بأدوات غيره في إشارة إلى الأمريكيين.
وأظهرت صور نشرتها مواقع إيرانية، أمس، رفع العلم اللبناني على أعلى مبنى في العاصمة طهران مع استمرار العمليات البرية الإسرائيلية جنوبي لبنان، الذي أدّى إلى نزوح مئات الآلاف وتدمير كثير من البنى التحتية.
من الواضح أن طهران تحاول أن تبدي التزاماً وتعاطفاً مع حلفائها الرئيسيين في المنطقة، الرئيس الأسد و”حزب الله”، وتظهر القوة والثقة من خلال رسائل سياسية قوية، في حين يعتقد بعضهم أن الأسلوب الساخر والاستعراضي في ظل التوترات المتصاعدة والتهديدات الحقيقية، قد يبدو غير كاف لمواجهة المخاطر، وقد يفسر هذا الأسلوب على أنه ضعف أو عدم جدية فى التعامل مع التهديدات.
وعلى الرغم من عدم صدور أي إعلان رسمي -ما عدا بعض التصريحات المقتضبة- عن مستشار “خامنئي” وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، “لاريجاني”، إلا أن هذه الرحلة، بحسب ما أشارت مواقع إيرانية، ترتبط بالتطورات الراهنة في المنطقة، الحرب في لبنان والرسائل التحذيرية للرئيس الأسد.
يذكر أنه رغم سجّله السياسي الحافل، لم يكن “لاريجاني” حتى وقت ليس ببعيد، أحد السياسيين المرغوبين لـ”خامنئي”، فقد استُبعد على يد مجلس صيانة الدستور، الذي يتحكّم به “خامنئي”، من الترشح للرئاسة الإيرانية للمرة الثانية على التوالي.
لكن التطورات الحاسمة في الإقليم ربما قد تكون دفعت “خامنئي” على عجل إلى إرسال أحد دبلوماسييه المخضرمين في مجال العمق الاستراتيجي الإيراني، الذي يشهد كما وصفه بعض المحللين والخبراء تراجعاً ويعاني من انتكاسات خطيرة.
وبحسب ما يعتقده بعض المحللين الإيرانيين، فإن مهمة “لاريجاني”، التي تأتي في أعقاب تهديدات إسرائيل ضد الرئيس بشار الأسد والدولة السورية وتكثيف الهجمات على مناطق مختلفة من البلاد، هي للتأكّد من أنّ “النهج السوري لن يتغير من جهة، ولطمأنة الرئيس بشار الأسد أن إيران مستعدة لتقديم دعم أكبر لسوريا ضد أي مغامرات إسرائيلية من جهة أخرى”.
وخلافاً لزيارات المسؤولين الإيرانيين السابقة، خلال الحرب الممتدة لأكثر من عام، من الواضح أن زيارة “لاريجاني” الأخيرة إلى دمشق وبيروت، أثارت حنق الإسرائيليين، فقد أشارت تقارير إلى أنّ إسرائيل استهدفت موقعاً قريباً من مكان اجتماعه في حي المزة بدمشق، كما استُقبل “لاريجاني” بمشهد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية، خلال وصوله مطار بيروت.
وردّاً على غارات إسرائيل على دمشق مرتين خلال وجوده في سوريا وما هي رسالة هذه الهجمات، قال “لاريجاني” إنّ “هذه الطريقة في إيصال الرسالة هي عمل جبان، لأنّ الحكومات المحترمة لا تتصرف بهذه الطريقة.. إنهم لا يرسلون رسائل لأنهم لا يملكون الشجاعة”.
بغض النظر عن كثافة الغارات الإسرائيلية المستمرة على الحدود السورية اللبنانية، تكاد الهجمات الإسرائيلية في محيط دمشق ووسط وشمالي سوريا لا تتوقف، في مسار هو الأكثر كثافة وسعة، كما أشارت أنباء محلية إلى أن إسرائيل توغّلت داخل الأراضي السورية وأظهرت مقاطع فيديو تجول لجنود إسرائيليين بحرية في المنطقة، ما يوحي بتغير كبير في العقيدة الإسرائيلية بسوريا واستراتيجية جديدة غير مسبوقة لمواجهة التهديدات القادمة من هذه الجغرافية.
رغم ذلك، تشير بعض التقديرات إلى أن مدى استجابة الدولة السورية للرسائل الواضحة لأعلى هرم السلطة الإيرانية علي خامنئي، ما تزال غير محسومة، فقد يرى الرئيس “الأسد”، رغم حاجته الشديدة لـ”خامنئي”، أن مركبه غارق ومن غير المفيد البقاء فيه.
في مايو 2024، أعاد السياسي الإيراني فلاحت بيشه تصريحاته، التي أطلقها عام 2017، إذ حذّر من أنّ بشار الأسد سيطعن طهران في الظهر يوماً ما.
في أكتوبر الفائت، نفّذت إسرائيل لأوّل مرة هجوماً جوياً معقّداً وواسع النطاق ضد طهران بشكل معلن، واستهدفت العديد من أنظمة الدفاعات الجوية ورادارات الإنذار المبكر، التي من شأنها جعل طهران غير محصنة أمام أي غارات مستقبلية، بحسب بعض التقديرات.
بالإضافة إلى ذلك، ضربت إسرائيل -وفق مصادر غربية- سلسلة إنتاج الوقود الصلب للصواريخ البالستية في منشآت بارشين وشاهرود العسكرية ومنشأة لإنتاج المسيرات في مجمع شمس آباد بمحافظة قم، ما أثار تكهّنات حول مدى تضرر المخزون الاستراتيجي للصواريخ البالستية الدقيقة الإيرانية، وقدرتها على شن هجوم فعال جديد ضد إسرائيل.
وفي ظل ما أشارت إليه بعض الصحف الإيرانية حول التخوّف من تطبيع الهجمات الإسرائيلية على إيران، هدّد قادة طهران من المرشد الأعلى إلى القادة العسكريين والسياسيين بتنفيذ هجوم جديد سموه “الوعد الصادق 3″، وهو ما اختفت أنباؤه مؤخراً مع صعود “ترمب”، في مسعى واضح من طهران لإدارة الموقف وخلق توازن، بهدف تأخير موجة الضغط القصوى القادمة والتهديدات المحتملة.
ويشير الخبراء إلى أن قدوم “ترمب” بسياساته المعهودة وتصميمه على صناعة فارق فيما يتعلق بسياسة إيران، بعد أنباء متضاربة عن مؤامرات اغتيال فاشلة قادتها ضده، من شأنه أن يعزز من قلق قادة طهران من المصير القادم.
وردّاً على سؤال حول جهود “نتنياهو” لخلق شرق أوسط جديد، قال “لاريجاني”، بحسب ما نقله موقع “تابناك” الإيراني، إنّ وجوده في سوريا ولبنان هو لدعم هذه البلدان ومقاومتها، زاعماً أنّ “وزير الخارجية الأميركي السابق كان يبحث عن شرق أوسط جديد لكن في النهاية فشل بعد أن أنفقوا الكثير من الأموال”، وفق وصفه.
وأشار “لاريجاني” إلى أن “نتنياهو” يعتمد على أميركا حتى الآن، معتبراً أن الشيء المهم في رسم الشرق الأوسط الجديد هو الميدان، رافضاً الإجابة عن فحوى الرسالة المقدمة إلى الرئيس بشار الأسد، واكتفى بالقول: إنّه عرض الرسائل عليهم والإجابة معهم وهم الآن يتحققون من الإجابة، وإنّ “إيران تحترم قرارات وآراء أصدقائها، ومن غير اللائق الكشف عن فحوى الرسالة”.
بالنظر للأسباب المنطقية المختلفة التي تقدمها الدولة السورية، يرى بعضهم أنه قد يكون من الصعب على طهران في هذا الوضع الحاسم أن تقنع الدولة السورية بضرورة المشاركة في الحرب والانخراط فيها بشكل مباشر، لكن وبحسب التقارير المختلفة، من الضروري إبقاء الجغرافية السورية كلاعب لوجستي حاسم لبقاء “حزب الله”.
في ظل ما تتعرض له طهران من تهديدات غير مسبوقة، لم يعد الأمر يتعلّق بضرورة التنسيق والتعاون العسكري والأمني تحت عنوان ما عُرف بنظرية “وحدة الساحات”، أو “حماية المكتسبات الإقليمية لإيران من الضياع”، بل ربما دخلنا في استراتيجية إدارة المخاطر والخسائر، ومحاولة استعراض كل الأوراق الضاغطة في سعي لبناء معادلة ردع إيرانية مرضية في مواجهة التهديدات القادمة.
وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قد صرّح، أمس، أنّ بلاده أكّدت لدول المنطقة، خلال الرحلات الإقليمية، أنه إذا هاجمت إسرائيل المنشآت النووية، ستتخذ إيران الإجراء المناسب، مؤكداً أن إيران مستعدة للمواجهة والتعاون فيما يتعلق بمشروعها النووي.
بات من الواضح أكثر من أي وقت مضى، أنّ الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة أضعفت “حزب الله” بشدة إلى الحد الذي لم يعد بمقدوره تشكيل تهديد استراتيجي ضد إسرائيل، وهو يناضل من أجل البقاء فقط.
لذلك في ظل ما تتوقعه طهران من سيناريوهات مقلقة وتحاول تجنبه أو تأجيله مع صعود “ترمب” وإدارته المتشددة ضد طهران، من الضروري تذكيرالرئيس “الأسد” بتعهداته ورد جميل طهران.
ما احتمالية تفعيل الجبهة الجنوبية؟
في تصريح له عقب وصوله مطار دمشق الدولي، أعلن وزير الدفاع الإيراني نصير زاده، أن زيارته إلى دمشق “تمت بناءً على دعوة رسمية من وزير الدفاع السوري، بهدف عقد لقاءات مع المسؤولين السياسيين والعسكريين والتباحث في عدة مسائل مشتركة بين الدولتين وخاصة في مجال الدفاع والأمن”.
واعتبر “نصير زاده” أنّ “سوريا داعم أساسي في محور المقاومة، وأن إيران مستعدة لتقديم كل وسائل الدعم للدولة الصديقة، بناء على توصيات المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي”.
وكان الجيش الإيراني قد تعرّض، في أكتوبر الفائت، لخسائر بشرية، إذ فقد عدة ضباط وصفوف ضباط عاملين نتيجة للهجوم الإسرائيلي الأخير على مواقع الدفاع الجوي الإيرانية، التي يزعم الإسرائيليون أنهم دمّروا من خلالها، آخر أحدث منظومة متطورة لدى طهران، ونتيجة لذلك، هدّد قائد الجيش الإيراني عبد الرحيم موسوي بأنّ “إيران ستوجه بالتأكيد رداً ساحقاً على إسرائيل”.
وفي خضم تهديداتها لتنفيذ ما سمّته “الوعد الصادق 3″، ظهرت تسريبات تتحدث عن أن إيران، في أعقاب تضرّر مخزونها الاستراتيجي من الصواريخ البالستية الدقيقة، قد تعمد لاستخدام الجغرافيا العراقية، مما يسهم في تعويض النقص وزيادة فعالية ودقة الهجوم الإيراني من خلال تقليل المسافة.
لذلك، قد تعتقد طهران، في حال قدرتها على تفعيل الجبهة السورية وتحويلها إلى جبهة ساخنة، أنها ستكون قادرة على تشتيت الجهود الإسرائيلية لتوسيع نطاق الحرب،، وأنّ ذلك يمنحها حيزاً للمناورة والتحرك في مواجهة مشروع حصار طهران القادم.
بناء عليه، تبدو زيارة كبير مستشاري المرشد الأعلى الإيراني علي لاريجاني، والزيارة التالية المفاجئة لوزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده، تهدف إلى تنسيق الجهود للدول الثلاث من خلال القول بأنّ “طهران ومحورها لن يكونا غير مبالين بل مستعدين لمواجهة سيناريوهات مختلفة والرد عليها بشكل مناسب”.