صفوت سليم يكتب: أبطال منسيون
لقد أصبح الحديث عن الظروف والأحوالِ لكثير من الناس يقع في قائمة كشف العورة، بل أصبحت شريحة كبيرة تتوارى خجلًا عندما يتحدث أحدهم في جمع من البشر، سواءً في مناسبة عائلية، أو أماكن العمل عن المصروفات، أو كيف يُدبر قوت يومٍ لأسرة بسيطة الحال، حقًا هناك فئة معتبرة من المجتمع تخلت عن أبسط مقومات الحياة، وراحت تسلط الضوء على ما يضمن استكمال الشهر وعدم هتك جدار الستر، لتلافي مد الأيدي لهذا أو ذاك، فالكل مطحون وضجيج الحوجة أثقل الصدور.
وفي واقعٍ واضحٍ للعامة، دخل الناس في دائرة جهنمية تسببت في رحيل النوم عن أعينهم دون رجعة، وباتت المقل تخر بحسرات على الحال، والنفسية في خبر كان، نتيجة لحصر رب الأسرة في خانة المفعول به دائمًا، والذي يدور في ساقية البحث عن لقمة العيش ليلًا ونهارًا، وأعطى ظهره تمامًا لسماع شكوى الأبناء، وهو ما يضع تحديًا جديدًا على “أم العيال”، المسؤولة عن تهيئة المناخ في المنزل، ولها باع كبير في دفع عجلة البيت للأمام شريطة أن تدرك كم تضحيات شريكها، في توفير كافة ما تطول اليد الشقيانة.
وعقب دخولنا في دائرة الغلاء شديدة البأس، أضحى كل رب أسرة يخرج على أولاده ساعيًا لوجود رزق حلال يسد “الرمق”، بطلًا متوجًا يستحق الذكر، لشحذ الهمم وعدم تثبيطها، فلا يصح أن ينظر كائن من كان لمجهود يُبذل في تربية الأبناء “بالحلال”، بنوع من السفسطة أو بخس الخطى، أو اختذال العمل في خانة أنه الطبيعي، لأ، لم يصبح المداومة على العمل لتوفير حاجة الأسرة طبيعيًا، بل هناك الكثير من الناس تسبب الغلاء في تدمير بنية أسرتهم وتشرد الأبناء، نعم يا سيدي يا من تسعى على أبنائك أنت بطل في ميدان المعركة، وتستحق الثناء، ولا شأن لك بمن يقللون من مجهودك.
نعم .. أنت الضجيج والضوء في آخر النفق حين تصمت المدينة، ويطغو عليها الفناء والظلام الدامس، حين تسوء الظروف وتتكالب الأيام على جسدك لإيقاعك فريسة لها، وتلقي بك في غيابة الجب، مثلما كُتب على من هم ضعاف النفوس قليلِ الحيلة، ومن يقعون من على جوادهم في المعركة، وتشبيهي لما يواجه رب الأسرة من تحديات بالمعركة، يعد الأشمل والأبلغ دون نقصان، فلو نظرنا على ماذا فعل آباؤنا عند تربيتنا “بالحلال” منذ نعومة أظافرنا، وحرموا أنفسهم من كل شيء بغية أن نعيش، لأطقلنا عليهم أبطال العصر.. وعقب ذلك، هل تستطيع إجابتي عن أسباب وقوع رب الأسرة في قائمة الأبطال المنسيين؟.