محمد النويشي يكتب: أزمة المواصلات تتفاقم.. الجمعية التعاونية الحل الأمثل

في محافظة بني سويف التي تُعد من المحافظات الصعيدية الريفية في مصر، تتفاقم فيها مشكلات المواصلات بشكل متسارع، ما ينعكس سلبًا على الحياة اليومية لأكثر من ثلاثة ملايين مواطن .

سواء في التنقل إلى العمل أو الدراسة أو الوصول إلى أماكن تقديم الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، يشكل التنقل اليومي تحديًا كبيراً، خاصة لسكان المراكز الكبرى مثل الواسطى، الفشن، بيا، ناصر، وسمسطا، واهناسيا.

ويعاني المواطنون من نقص وسائل النقل_العامة، وسوء حالة الطرق، واستغلال السائقين، مما يجعل هذه الأزمة واحدة من أخطر التحديات التي تواجه المحافظة.

فيما يلى نقدم نظرة متعمقة على هذه الأزمة مع اقتراحات الحلول واقعية للتخفيف منها.

وتتضح مشكلة قطاع المواصلات في عدة مظاهر

أولها، نقص وسائل النقل العامة وهي أكبر العقبات التي تواجه سكان بنى سويف، حيث يعتمد الأهالي في القرى والمراكز على الميكروباصات كوسيلة رئيسية للتنقل، إلا أن هذه المركبات تعمل دون تنظيم أو جدول زمني ثابت ما يجبر الركاب على الانتظار لساعات في مواقف غير رسمية وغالبا ما ينتهي بهم المطاف في مركبات مكتظة وغير آمنة .

هذا النقص يسبب اضطرابًا كبيرًا في حياتهم اليومية، حيث يتأخر الموظفون عن أعمالهم والطلاب عن محاضراتهم، ما يؤثر على الإنتاجية العامة.

ولا تتوقف مظاهر أزمة المواصلات على نقص وسائل المواصلات فحسب، بل يعاني أبناء المحافظة من استغلال السائقين للأهالي فإنه في ظل غياب الرقابة الحكومية الكافية يستغل السائقون نقص وسائل النقل العامة لرفع أسعار الأجرة بشكل مفرط .

ويقوم السائقون برفع الأجرة في أوقات الذروة أو عند نقص المركبات ما يثقل كاهل المواطنين خاصة أصحاب الدخل المحدود، هذا الاستغلال المستمر يزيد من معاناة الأهالي الذين يعانون بالفعل من ظروف اقتصادية صعبة .

سوق حالة الطرق

فالطرق الرابطة بين القرى والمراكز متدهورة للغاية، حيث تنتشر الحفر والمطبات على طولها مما يجعل التنقل بطيئًا وغير آمن ويزيد هذا من زمن الرحلة ويعرض السيارات لأضرار متكررة ما يضيف تكاليف إضافية على المواطنين، كما أن حالة الطرق تزيد من احتمالية وقوع حوادث مما يهدد سلامة السكان .

ويترتب على تفاقم أزمة المواصلات تداعيات اقتصادية سلبية على الأسر المختلفة، إذ تؤثر هذه الأزمة بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي، حيث يجد الشباب صعوبة في الوصول إلى أماكن العمل خارج قراهم ما يحد من فرصهم الاقتصادية، فضلا عن أن أصحاب الأعمال الصغيرة الذين يعانون من صعوبة توصيل منتجاتهم أو خدماتهم إلى الأسواق الأكبر في المدينة، ما يقلل من فرصهم في توسيع أنشطتهم التجارية، كذلك تتعطل الحياة الاجتماعية بسبب صعوبة التنقل بين القرى والمراكز .

وتترك أزمة المواصلات تأثيرات مباشرة على الحياة اليومية للمواطنين، خاصة الطلاب والموظفين الذين يعانون من صعوبة الانتظام في محاضراتهم أو أعمالهم؛ بسبب عدم انتظام وسائل النقل ما ينتج عن ذلك تأخير مستمر يؤثر على الأداء الأكاديمي والمهني ويضطر الكثيرون إلى ترك منازلهم في ساعات مبكرة جدًا علي أمال العثور على وسيلة نقل ما يزيد الضغط النفسي والجسدي عليهم .

ويجد المرضى صعوبات بالغة للانتقال من مقر اقامتهم إلى المستشفيات، فالوصول إلى المستشفيات والمراكز الصحية يمثل تحديًا كبيرًا لسكان بني سويف في الحالات الطارئة قد يكون التأخير في الوصول إلى المستشفى مسألة حياة أو موت، إذ يُعاني المرضى خاصة في القرى من صعوبة التنقل؛ بسبب نقص وسائل النقل ما يعرض حياتهم للخطر وتتأثر الحياة الاجتماعية للمواطنين بشكل كبير.

يمكن القول إن استمرار هذه الأزمة لسنوات طويلة يرجع إلى غياب التخطيط الجيد، فإن شبكة النقل في بني سويف لم يواكبه النمو السكاني الكبير وأنه مع تزايد عدد السكان وتوسع المدن والقرى لم يتم توسيع وسائل النقل العامة لتلبية هذه الاحتياجات، بالإضافة إلى ذلك لم يتم استثمار الموارد بشكل كافٍ لتحسين حالة الطرق أو تنظيم وسائل النقل الموجودة .

كما يسهم في تعميق الأزمة استمرار غياب الرقابة الذي أدى إلى تفشي الفوضى في قطاع النقل، ولا توجد معايير واضحة لتنظيم عمل السائقين أو ضبط أسعار الأجرة، مما يسمح باستغلال المواطنين دون رقابة أو عقاب.

وأخيرا تعاني الحكومة المحلية من نقص التمويل المخصص لتطوير قطاع النقل وصيانة الطرق، وأن هذا النقص في التمويل يعوق قدرة المحافظة على تنفيذ مشروعات جديدة أو تحسين البنية التحتية القائمة .

ونقترح لمواجهة أزمة المواصلات في بني سويف أن تتحرك الأجهزة المحلية المعنية بالقضية لاتاحة المزيد من وسائل النقل العامة بالتعاون مع الحكومة المركزية مع التفكير في بدائل واقعية مثل إنشاء شبكة نقل عام منظمة تشمل حافلات وميكروباصات تعمل بانتظام وفق جداول زمنية محددة.

ومن الضروري أيضا العمل على تطبيق أنظمة الرقابة على السائقين وتنظيم أسعار الأجرة لضمان عدم استغلال المواطنين، حيث يمكن استغلال اليات للإبلاغ عن المخالفات مثل خطوط ساخنة أو تطبيقات إلكترونية .

ومن الضروري لتخفيف وطأة أزمة المواصلات العمل على تشجيع أصحاب الميكروباصات وغير من وسائل النقل للعمل على الخطوط الداخلية، وذلك بالعمل على تحسين حالة الطرق الداخلية والحرص على عمل صيانات دورية لهذه الطرق وإعطاء أولوية للطرق المتهالكة والعمل على إصلاح الطرق والمطبات وتوسيع الطرق الضيقة، لأن تطوير البنية التحتية للطرق سيكون له بالتأكيد أثر مباشر في تقليل زمن الرحلة وجعل التنقل أكثر أمانا.

ويجب العمل أيضا لمواجهة أزمة المواصلات على تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في النقل مع العمل على تشجيع المستثمرين للتوسع في إنشاء شركات نقل خاصة أو دعم مبادرات النقل التشاركي التي يمكن أن تساهم في تخفيف الضغط على شبكة النقل العام، وكذا العمل على تطوير تطبيقات النقل الذكية، فإنه يمكن أن يتم مواجهة هذا الأزمة من خلال تطوير تطبيقات ذكية لتنظيم حركة النقل وتقديم معلومات محدثة للمواطنين حول مواعيد وسائل النقل بالتعاون مع شركات التكنولوجيا، بالإضافة إلى العمل على تحسين المواقف وتنظيم المواقف الرسمية وإنشاء مواقف ثابتة في القرى والمراكز يمكن أن يسهم في تنظيم حركة المواصلات ومنع الفوضى .

دور المجتمع المدني

يجب أن يلعب المجتمع المدني دورا فعالا في الضغط من أجل تحسين قطاع النقل سواء بامتلاك اتوبيسات للعمل في مجال النقل الجماعي أو بتنظيم حملات توعية حقوق المواطنين في النقل العام والمطالبة بحلول عملية، وكذلك تقديم الدعم القانوني للمواطنين الذين يتعرضون للاستغلال، فالأمر خطير جدا ويجب أن تتعاون الأجهزة الحكومية والأهلية حتي يتفقوا على آليات عملية وواقعية لحل هذه المشكلة، خصوصا أن هذه الأزمة تمثل تحديًا كبيرًا يتطلب حلولًا عاجلة وشاملة.

وحل أزمة المواصلات يبدأ بإنشاء مؤسسة تعاونية للنقل ليكون بمثابة الحل العملي المستدام لهذه الأزمة، حيث يعد إنشاء مؤسسة تعاونية للنقل نموذجًا مبتكرًا وفعّالًا لحل أزمة المواصلات في محافظة بني سويف، إذ تقوم هذه المؤسسة على جمع مبالغ صغيرة من المواطنين المشاركين والذين يصل عددهم إلى عدة آلاف؛ بهدف إنشاء نظام نقل متكامل يخدم ما يصل إلى خمسين ألف مواطن يوميًا.

ويعتمد هذا النظام على تشغيل حافلات مملوكة بالكامل للمؤسسة التعاونية، مما يتيح تقديم خدمات نقل ميسورة التكلفة بكفاءة عالية وبجداول زمنية منتظمة.

وتتمثل اليات عمل المؤسسة التعاونية بالقيام على جمع التمويل من المواطنين، حيث يتم جمع مساهمات بسيطة من المواطنين عبر فترة زمنية محددة ما يؤدي إلى تكوين رأس مال كافً لشراء وتشغيل حافلات ووسائل نقل أخرى والبدء في امتلاك وتشغيل الحافلات، فإنه بعد تجميع رأس المال تمتلك الجمعية التعاونية الحافلات وتديرها وفقًا لنظام تشغيل يضمن استدامة الخدمة وجودتها الحافلات ستعمل بشكل منتظم وفق مواعيد محددة مما يساهم في تقليل الفوضى وتحسين تجربة التنقل اليومية.

وبمجرد أن تبدأ الجمعية التعاونية في الدخول إلى سوق النقل الجماعي تتولى تفعيل رقابة مزدوجة تحت إشراف الجمعية والحكومة، وسيتم تشغيل المؤسسة التعاونية تحت إشراف حكومي مباشر من محافظة بنى سويف لضمان الالتزام بمعايير السلامة والكفاءة إلى جانب ذلك يتولى الأعضاء المساهمون في الجمعية الإشراف على الأداء مما يضمن الشفافية ويعزز الثقة في الخدمة المقدمة.

ويرتب المضي قدما في إنشاء جمعية تعاونية للنقل الجماعي في حل أزمة المواصلات والتيسير على نحو 50 ألف مواطن ينتقلون يوميا من مراكز المحافظة إلى بنى سويف، وذلك بتوفير وسائل نقل منظمة وفعالة، بالإضافة إلى توفير وسائل النقل الأمنة بأسعار في متناول اليد، لأن الجمعيات التعاونية تتولى تحديد تعريفة النقل بناء على التكلفة التشغيلية فقط دون زيادات غير مبررة، مما يوفر وسيلة نقل ميسورة التكلفة لجميع المواطنين وتوفير نظام تشغيل مرن وفعال.

وختاما العمل يتم وفقا لجدول زمني ثابت ومواعيد منتظمة، مما يسهل على المواطنين تنظيم يومهم والوصول إلى وجهاتهم في الوقت المناسب وتعزيز قدرات الاقتصاد المحلي بتحسين مناخ العمل والاستثمار، فالمواصلات أحد عناصر البيئة الاستثمارية ووجود أزمة في الانتقال يقلل جانبية المحافظة للاستثمار .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى