دكتور هاني الجمل يكتب: مصر بين أمن الوطن وحقوق المواطن

بيان
سيظل تحقيق الأمن والاستقرار والسلام الداخلي للوطن، وضمان حقوق مواطنيه وحرياتهم السياسية هدفاً سامياً، وإن كان من الصعب تحقيقه بالصورة المثلى.
وقد تزداد صعوبة تحقيق هذه الغاية، مع سعي الدولة إلى الإسراع بالتعافي الاقتصادي الضروري، لكفالة حد أدني من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي لا تقل أهمية عن الحقوق المدنية والسياسية.
من خلال هذه الرؤية تحديداً، يمكن فهم خطوة قرار محكمة الجنايات برفع أسماء 716 شخصاً، من قوائم الكيانات الإرهابية، بطلب من النيابة العامة، في ضوء توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي بمراجعة قوائم المدرجين على قوائم الإرهاب.
فالخطوة في حد ذاتها انجاز كبير، وإن كنا نأمل في خطوات أخرى، على طريق إعطاء مزيد من الحريات للمواطنين، وتشجيعهم على المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية، وإن اختلفت رؤاهم مع الحكومة.
وإذا كانت مسألة حماية حقوق الإنسان واحترام حرياته، مسألة داخلية في المقام الأول، وتقع على عاتق الدول ذاتها، في إطار نظمها القانونية الداخلية ومؤسساتها المعنية، فإن وجود مجتمع ديمقراطي، ومؤسسات قانونية مستقرة وقضاء مستقل، أمر ضروري لضمان تحقيق هذه الأهداف.
وعلينا ألّا ننسى أن الدستور المصري، الذي اهتم بمسألة التوازن بين ضرورات مكافحة الإرهاب ومقتضيات احترام حقوق الإنسان، يرى أنه لا ينبغي تجاهل حقيقة أن التخلف الاقتصادي والاجتماعي هو قيد خطير على التمتع بحقوق وحريات الإنسان. فالجوع والأمية وتردي الأحوال المعيشية للفرد، كلها عقبات في طريق ازدهار حقوق الإنسان التي ترتبط ارتباطا ًوثيقاً بحد أدنى من مستوي المعيشة، فلكي يكون الإنسان حراً، لابد وأن يكون حقه في الطعام مؤمناً لأنه يشكل نقطة البداية للحرية والمساواة.
وبالعودة إلى قرار محكمة الجنايات برفع أسماء 716 شخصاً من قوائم الكيانات الإرهابية، يمكن القول – وبلا مجاملة – إن الخطوة تجسد التزام القيادة السياسية بقيم العدالة، وإتاحة الفرصة لمن توقف نشاطهم غير المشروع، للعودة إلى المجتمع كأفراد فاعلين، وحرصها على تحقيق العدالة، وضمان حقوق الأفراد بما يتماشى مع الدستور والقانون.
فالخطوة التي لقيت ترحيباً كبيراً من الأحزاب السياسية في مصر – مهما كان وزنها وتأثيرها على الساحة السياسية – هي رسالة من الدولة متمثلة في أعلى منصب فيها، من أنها تفتح ذراعيها لكل من يعود من مواطنيها إلى صفوف الوطن، بعيداً عن الإرهاب والتطرف. كما تعبر هذه الخطوة عن نهج شفاف، يسعى لتحقيق التوازن بين متطلبات الأمن القومي، واحترام حقوق الأفراد، وتمثل تطبيقًا عمليًا وفعالًا لمتطلبات الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
كما تؤكد الخطوة ذاتها، التزام مصر بتطبيق القانون على الجميع دون تمييز، ومراجعة القرارات بشكل دوري لضمان عدم وجود أي تجاوزات أو ظلم، وهو ما يعزز من ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة. فالمراجعة المستمرة لوضع المدرجين على قوائم الإرهاب، تساهم في التأكد من صحة الإجراءات المتبعة، وتفتح الباب أمام من ثبتت براءتهم لإعادة دمجهم في المجتمع.
وتكتسي خطوة الافراج عن هؤلاء الأشخاص أهمية خاصة، وتتعاظم مع التعديلات المقترحة لقانون الاجراءات الجنائية، وقانون الحبس الاحتياطي، وتتواكب مع خطوات أخرى في مجال العدالة الجنائية، في سياق تطبيق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، من خلال قانون جديد للإجراءات الجنائية، ومشاورات لمراجعة وتحديث قانون العقوبات، بما يتناسب مع تطور الفلسفة العقابية، وتعزيز الالتزام بحقوق الإنسان.
خلاصة القول.. قرار محكمة الجنايات برفع أسماء 716 شخصاً من قوائم الكيانات الإرهابية، خطوة مهمة لتعزيز الثقة بين الدولة والمواطنين، ودعم التماسك الوطني، الأمر الذي يحتم استمرار هذا النهج في مراجعة ملفات أخرى مشابهة، بهدف تحقيق العدالة الكاملة، وبناء مجتمع أكثر انسجاماً وقدرة على مواجهة التحديات.

اقرأ أيضا للكاتب:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى